خليل إسماعيل رمَّال
لم تُصدِر «صدى الوطن» ولا «أيباك» العربية قرارهما بصدد دعم أيٍ مِن المرشَّحَين في المعركة الرئاسية الأميركية المحتدِمة بين إثنين من أقل السياسيين شعبيةً في تاريخ الولايات المتحدة بحيث بات على الناخب الأميركي فعلاً، وبالأخص العربي، إختيار من هو أهون الشرّين. وبالرغم من أنَّه من المبكر لأوانه إعلان من نُفضِّل في السباق إلى البيت الأبيض لكن هذا لا يعفي من تعليل لماذا لا نحبِّذ أحدهما على الأقل فلا ننتخبه، برأيي المتواضع، وطبعاً من دون أنْ تكون هذه دعوة لانتخاب الآخر وَإِنْ اعتقدنا أنَّ ترامب قد يكون مفاجأة القرن رغم هفواته الكبيرة لكنه لم يصل إلى هذا المكان ويطيح برؤوس كبيرة مثل جيب بوش وغيره لو لم تكن وراءه أغلبية من الناخبين البيض الذين يرون في هذه المعركة فرصتهم الأخيرة لانتخاب رئيس يشبههم. وقد يقول قائل إنَّ هذا الموقف يزيد الإرباك العربي الحاصل وهذا ما سنعالجه في خاتمة هذه العُجالة.
أنا لا أرى أية مصلحة لنا كعرب أميركيين في إنتخاب هيلاري كلينتون، أقول هذا بعد أنْ سَرَتْ موجة بين العرب هنا تتجه نحو حسم التأييد لكلينتون مقابل ندوات عُقدت في أوساط الجالية حمل فيها الناشطون بعنف على دونالد ترامب الذي، بالمناسبة، يستحق هذا الانتقاد اللاذع. وتعزَّز الإتِّجاه نحو دعم كلينتون بعد تعيينها لناشطة عربية هي زينب حسين، نائبةً للمدير السياسي لحملتها الإنتخابية في ميشيغن وهذا قرار موفق لكلينتون ونحن نفتخر بزينب ونعتبرها قديرة وكفؤة تماماً لهذا المنصب. ولكن بالرغم من ذلك ومن تودُّد آل كلينتون الطارىء للعرب وأخذهم صور «سيلفي» مع الناشطين والناشطات العربيات، لا يجب أنْ نعوم على شبر ماء. فمن مصلحة كلينتون في هذه المرحلة تجيير كل الأصوات لها بسبب قساوة المعركة وهي تجد لدى بعض العرب ولاءً مُطلَقاً للحزب الديمقراطي مهما كانت خلفية المرشَّح لكن لا يجب أنْ يكون ولاء العرب لأي حزب بعينه بل لهذا البلد الرائع ولمصلحتنا العامة فقط. ونفس المنطق ينطبق على من يعتبرون أنفسهم جمهوريين صلبين (hardcore). لذا علينا تحكيم العقل والمصلحة وهما ليسا في وارد تأييد كلينتون لهذه الأسباب:
١- فشلت هيلاري في مهمتها كوزيرة خارجية أميركا، وخلال حكمها نما وترعرع إرهابيو داعش والتكفيريين وأدى الربيع العربي إلى فوضى في تونس ومصر واليمن والعراق وليبيا عدا عن الحرب الجائرة في سوريا.
٢- كلينتون وزوجها هما من أكثر السياسيين الذين تقاضوا أجوراً عالية على خطبهم لدى جماعات الضغط الإسرائيلية (3.5 مليون دولار) ومن قبل وول ستريت وأساطين المال والأغنياء (153 مليون دولار)، عدا عن صداقة هيلاري لطغاة الخليج العربي الذين يتبرعون لمؤسسة كلينتون بسخاء (بين 10 إلى 25 مليون دولار حسب «ذي إنترسبت»). ومن يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه وكلنا نعرف كره الوهابيين للمقاومة وتأييد حرب قطر والسعودية على سوريا والعراق مما يعني استمرارية حمَّام الدم خلال ولاية كلينتون. لكن هيلاري خلال حملتها كسناتور عن نيويورك عام 2000 ردَّت تبرعات العرب والمسلمين وأدانتهم بسهولة بعد انتقاد اليهود لها، فما عدا ما بدا؟ ثم ان هيلاري تدَّعي مساندة نساء العالم لكنها لم تقنع أصدقاءها آل سعود بالسماح للمرأة بقيادة السيارة!
٣- تخلَّل عهد كلينتون الزوج فضائح بالجملة وكاد يطير من السلطة وبالكاد تجنب محاكمته بسبب دعم الأميركيين الأفارقة له، كما أن هيلاري نفسها لم تخلُ من الفضائح إبتداءً من بنغازي إلى رسائلها البريدية المختفية والتي كلفتها تقريعاً فقط لانها جزء من المؤسسة الحاكمة «الاستابلشمنت». فكيف سيكون شكل رئاستها؟
٤- إدارة بيل كلينتون اختطت نهج «قدسية» إسرائيل ومنعت المس بها أو حتى مجرد انتقادها في عهده، وزوجته سائرة على نفس المنوال فهي تفتخر بدعم سياسات إسرائيل العدوانية وفي كلمتها أمام منظمة «آيباك» الصهيونية لم تأتِ على ذكر كلمة واحدة عن فلسطين ولا معاناة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال. كما أنَّ من أهم اصدقائها الخلص الملياردير الصهيوني حاييم صابان الحاقد الموتور ضد كل ما هو عربي أو مسلم.
٥- إدارة هيلاري كلينتون ستكون نسخة طبق الأصل عن أوباما الذي خيَّب الآمال ولم يحقق منجزات تتوافق مع تاريخية انتخاب أول رئيس أسود فزادت أحوال السود والفقراء سوءاً وهو بالرغم من فقدان الكيمياء بينه وبين نتنياهو إلا أنه قدَّم لدولة العدو أكثر من باقي الرؤساء الآخرين وبالرغم من أصوله الافريقية لم ينصر الشعب الفلسطيني ولا مرة بل حتى لم يثأر لكرامته التي هدرها نتنياهو بتحديه في عقر داره ولم يؤدب حتى أعضاء حزبه الذين صفقوا وقوفاً عشرات المرات لمن أهان رئيس بلادهم! وكذلك هيلاري كلينتون الليكودية الهوى هي جبانة مثل رئيسها «الخسع» وهناك فيديو لمؤتمر صحفي مع نتنياهو في فلسطين المحتلَّة يحمل فيه الأخير على الولايات المتحدة ويعطيها دروساً في السياسة والاخلاق والسيدة وزيرة خارجية أميركا واقفة بجانبه كالتلميذة المطيعة فلم ترد بكلمة واحدة على إهانات نتنياهو.
هذا غيضٌ من فيض هيلاري التي لم تزر ديربورن كما فعل غريمها السابق بيرني ساندرز الذي يُسجَّل له أنه أول مرشَّح رئاسي أميركي جريء وصاحب ضمير تجاه قضية العرب، ولكن بما أنه خيَّب الآمال وتخيَّب ولم يترشح كمستقل، لم يعد أمام العرب إلا وضع شروط على المرشحين تتلخص بحماية الأقليات من التنميط العنصري وجرائم الكراهية والإسلاموفوبيا ودعم حق الشعب الفلسطيني وباقي الشعوب العربية بالحرية. قد يكون ترامب البديل السيِّء لكنه على الأقل من خارج سياق المؤسسة التقليدية وقد يجرِّب أشياء جديدة تفيد والتجربة علمتنا أنَّ نهار الخطابات المتطرفة والشعارات البراقة يمحوها ليل الواقعية بعد الإنتخابات. ولكن في المحصلة النهائية قرار التصويت يجب الا يُوهَب من دون ثمن، أكان لكلينتون أو ترامب، واذا لم يحققا مطالبنا العادلة فيجب البحث جدياً في انتخاب رئيسة حزب الخضر، لكن لا ثقة بكلينتون حتى ولو أغدقت علينا الوعود ووظفت عرباً في حملتها وبالتالي فهي لن تحصل على صوت كاتب هذه السطور!
Leave a Reply