أثار افتتاح مقهى في غرب ديربورن حفيظة بعض المسلمين الأميركيين في المدينة من أن يتم استغلال المكان لاستهداف الشباب المسلمين واستجرارهم لاعتناق الدين المسيحي، بعد أن تبين أن صاحب المقهى مبشر مسيحي انتقل للعيش في ديربورن قادماً من كندا في العام ٢٠١٤.
وعزز شكوك المتوجّسين بشأن المقهى الجديد الذي ينادي بالحوار والتعارف بين مختلف الخلفيات العرقية والثقافية والدينية، «البروفايل» الخاص بالمبشر الكندي الأصل دايل دولونغ على موقع ديني مسيحي يهتم بالتبشير المسيحي. وقد تم تداول صورة البروفايل على مواقع التواصل الاجتماعي لتثير الجدل بين أوساط الجالية العربية في ديربورن بشأن المقهى الجديد ونوايا صاحبه، خاصة وأن الموقع التبشيري قام لاحقاً بإزالة «البروفايل» عن صفحته.
من حسن الحظ، لم يدعُ أحد لمقاطعة المقهى، ولكن مجرد إثارة الشبهة حول المكان وصاحبه تبدو نافرة وفي غير مكانها، كوننا نعيش في بلد يضمن دستوره للجميع حقوق التعبير والتدين وممارسة الشعائر الدينية.
وإذا كنا نحن المسلمين من أكثر المتأذين من التعصب الديني في هذه البلاد، حيث تعرضت مجتمعاتنا لهجمات جرائم الكراهية في حالات كثيرة، خاصة بعد شيوع ظاهرة الإسلاموفوبيا، فينبغي أن نكون في مقدمة المناضلين من أجل تأصيل حرية التدين وحرية ممارسة الشعائر الدينية، انطلاقاً من القاعدة الذهبية في العلاقات الإنسانية، والتي تقول «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك».
وفي هذا السياق، من غير المعقول أن ننتفض كلما حاول أحد المسّ أو التشكيك بعقائدنا وشعائرنا، وما يتصل بها من شعائر وطقوس، ثم نقوم بالشيء ذاته عندما نستشعر بالخطر. وهنا نستذكر قول الشاعر العربي القائل:
لا تَنهَ عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلتَ عظيمُ
الأسبوع الماضي، انتهت قضية بناء مسجد في مدينة ستيرلنغ هايتس نهاية سعيدة، بعدما قامت بلديتها بتسوية قضائية مع القائمين على مشروع «مركز المجتمع الإسلامي الأميركي»، وقد قمنا في «صدى الوطن» بدعم حق المسلمين ببناء مسجد في المدينة، لا من منطلق التضامن أو التحيز الديني، وإنما إيماناً منا بالحقوق الإنسانية الأساسية التي تمتلك تراثاً خصباً وصلباً في حضارتنا العربية والإسلامية التي احتضنت عبر تاريخها الطويل مختلف الأديان والمذاهب، بما يشكل علامة فارقة بالمقارنة مع الحضارات الإنسانية الأخرى.
ومن نافل القول، إن الحماية من التأثر بالثقافات الأخرى –سواء أكانت مدنية أو دينية أو غير ذلك– لا يكون بالانعزال والتقوقع وإقامة الحواجز بيننا وبين الآخرين، فنحن لا نعيش في جزيرة معزولة عن التأثيرات الخارجية، ناهيك عن أن مثل هذا الأمر مستحيل أصلاً في هذه الأوقات التي بات فيها العالم منفتحاً على بعضه البعض بشكل غير مسبوق.
وعلينا الاعتراف بأنه إذا كان من حق المسلمين التعريف بالإسلام ونشر مبادئه في هذه البلاد، وهذه ظاهرة يمكن ملاحظتها بسهولة حيث تحتفل الكثير من المراكز الدينية بتحول بعض الأميركيين عن دينهم ويقومون باعتناق الإسلام الذي غدا أسرع الأديان انتشاراً في العالم، فمن حقّ الآخرين إذن، سواء أكانوا مسيحيين أو من أي ديانة أخرى أن يعرّفوا بعقائدهم وأديانهم في أوساطنا العربية والإسلامية، وأن يدعونا إلى اعتناقها.. وتبقى لنا حرية التمسك بديننا أو التحول عنه.
وفي الحقيقة، لا داعي لإثارة المخاوف حول مخاطر التبشير في أوساط جالياتنا، فالإسلام دين صلب ومتماسك في حد ذاته، ويحمل في جوهره قوة ذاتية مكنته على مر القرون من هزيمة أعتى الامبراطوريات والاحتلالات التي تتابعت على العالم العربي والإسلامي، وهو اليوم يواجه أعتى القوى والضغوط والمكائد التي تروجها التنظيرات السياسية والأكاديمية بكل ما أوتيت من قوة، لدرجة أن ظاهرة الإسلاموفوبيا، كظاهرة سياسية–اجتماعية–دينية، هي واحدة من أبرز ظواهر عصرنا الحديث!
الخوف على الدين الإسلامي ليس من المبشرين بديانات أخرى، بل من بعض رجال الدين الذين باتت مقاصد الإسلام الحق في آخر اهتماماتهم!
Leave a Reply