أصدرت المحكمة العسكرية في لبنان حكماً على العميد المتقاعد في فايزكرم، بـ”جرم التعامل مع العدو الإسرائيلي” قضى بسجنه سنتين مع الأشغال الشاقة و”تجريده من حقوقه المدنية”. أول المعلقين على الحدث كان أحمد فتفت (ما غيره)، فرأى أن الحكم تأكيد لصدقية “فرع المعلومات” في شأن ثبوت التهمة على كرم وأن الأخير “مارس عملاً خيانياً” مشيراً إلى أنه “حكم خفيف جداً ويشجع الناس على الاتصال والتعامل مع إسرائيل، إلا إذا كانت الخلفية السياسية قد طغت وجعلت المصلحة السياسية أهم من الموقف الوطني الحقيقي”. سنعود لفتفت “القبضاي” لاحقاً.
نحن لا ولن ندافع عن فايز كرم أو أي شخص آخر، مهما علا كعبه أوكبر شأنه، إذا كانت التهمة تختص بالتعامل مع العدو التاريخي للأمة، وبما أن المحكمة العسكرية جرمته بتهمة التعامل مع العدو فيجب أن ينال جزاءه العادل وهذا لا يشكل إدانة للتيار الوطني الحر بأي شكلٍ من الأشكال، بل على العكس، فالتيار مستهدف أكثر من غيره بسبب وطنيته وقربه من المقاومة. حتى المقاومة نفسها اكتشفت في صفوفها ثلاثة من ضعفاء النفوس (وهم غير الذين ظن “فرع المعلومات” أنه حصل على صيدٍ ثمين عندما إدعى أنه إكتشف أمرهم بالتعامل مع إسرائيل وبلغ “حزب الله” عنهم، ثم تبين فيما بعد أنهم كانوا في مهمة رصد أمنية ضد العدو “ففنش” هذه المهمة الحساسة).
وكما قال العماد عون أن ما حصل هو سقوط شخص مثل يهوذا الأسخريوطي. ولأن الخيانة ليست مجرد وجهة نظر لدينا كما هي لدى حلفاء إسرائيل في لبنان من قبيل “حزب العائلة” الذي تشدق فتاه بالأمس بفخره بتحالفه مع إسرائيل وعقد إتفاق خيانة معه في “١٧ أيار” ثم يشبه المقاومة اليوم بالصهاينة، يجب تطبيق أشد الأحكام صرامةً بالعملاء حتى لا تتكرر مهزلة معاقبة عملاء إسرائيل بعد التحرير في عام٢٠٠٠ الذين عادوا للتجسس مرة ثانية لصالح اسرئيل. فلا حصانة البتة، ولا خيمة زرقاء فوق رأس أي عميل، كائناً من كان.
لكننا نثق بوزراء “الإصلاح والتغيير” النشطاء وجلهم وقفوامع الحق والمقاومة في أحلك الظروف بعكس غيرهم من المتآمرين والمتفرجين على إعتداء إسرائيل على لبنان في صيف ٢٠٠٦. فوزراء عون يريدون تصحيح الوضع المالي المهدور و”تسكير” مغارة فؤاد السنيورة، ويريدون حل أزمة الكهرباء وقضايا الناس المعيشية، وهم طرحوا موضوعاً مهماً وهو الثقة بـ”فرع المعلومات” الذي أنشيء لخدمة عائلة وطرف سياسي، أقصي من السلطة فأراد أن يحرق البلد “وعلي وعلى أعدائي يا رب”. وفقدان الثقة بهذا الفرع، “يتفرع” من الشك والريبة بالمحكمة الإسرائيلية-البيلمارية التي تشبه، حتى بالإسم، لجنة “بالمر” التي شرعت حصار إسرائيل لغزة وأثارت حنق تركيا، فكلهم في الغرب سواء.
محكمة بيلمار إرتكزت في “قرارها الزاني” على المعطيات التي قدمها “فرع المعلومات” خصوصاً لجهة الإتصالات الخليوية التي تلاعبت فيها إسرائيل وأدينت، لهذا السبب، عالمياً نتيجة جهود جبارة من قبل وزير الإتصالات السابق شربل نحاس الذي لوح له “سعد المغترب” بإصبعه وهدده في مجلس الوزراء. ورغم تهنئتنا له على إنجازاته، فقد عمل “فرع المعلومات”، ما شاء الله، على مدار الساعة لكشف عملاء إسرائيل، في السابق، فقط من أجل أن يصل إلى خلاصة وحيدة هي تأكيد مصداقيته وقدرته على إكتشاف “عملاء داخل المقاومة نفسها” لينطبق “قرار” المحكمة مع ما طلبه سعد الحريري من السيد نصرالله بتسليم عناصر “غير منضبطة” في المقاومة وهوما يؤكد علمه المسبق بالقرار رغم نفيه ذلك لاحقاً بعد إنفضاح أمره. “فرع المعلومات” توقف نشاطه بكشف شبكات التجسس الإسرائيلي فجأةً وكلياً بعد “قرار” المحكمة الإسرائيلية، فهل الأمر مجرد صدفة، وهل إنتبه أحد لهذا الأمر؟ وهل إنتهى دور “الفرع” المرسوم له عند هذا الحد؟ ثم، بالمناسبة، ما هومصير وسام الحسن بعد تقرير التلفزيون الكندي الذي كان نسخة طبق الأصل عن “قرار” المحكمة من حيث تفصيله بالضبط مسألة الخطوط الهاتفية الملونة مثل لون السياسيين الحربائيين في “١٤ آذار”، وتفصيل قضية غياب وسام الحسن عن موكب الرئيس رفيق الحريري بحجة إجراء إمتحان؟ كيف “زبطت” مع التلفزيون الكندي في مسألة الخطوط الهاتفية فقط، أم أن المحكمة إنتقت ما يلائم مصالحها ومصالح الفريق المتهم (بكسر الهاء)؟
وإزاء كل هذا، يقف رئيس الحكومة عاجزاً عن الدفاع عن نفسه أمام “التيار الزرقاوي” بعد أن وصلت الموسى لذقنه في طرابلس لكنه مستعدٌ لفتح معركة مع باسيل، الوزير الناجح وتياره!! حتى المفتي قباني، الذي قدم للحريرية خدماتٍ مذهبيةٍ جلى كادت تطيح بدور “دارالإفتاء”، تجري محاربته بشراسة وكيدية من قبل “الزرق”، عبر الحملات التي يتصدرها اليوم إبن العمة المصون، أحمد الحريري، كبدل عن ضائع (بالمناسبة، أين عمو فؤاد والقبضاي المشنوق؟).
وبدل أن يسعى إلى تحصين حكومته بإنجازات باهرة مثل مشروع الكهرباء ووقف الفساد الإداري والمالي كما وعد الناس، نجد أن ميقاتي الساعي إلى شفافية في مشروع الكهرباء ما زال يستخدم نفس أدوات السنيورة فيبقي الأمبراطور ريفي والحسن وميرزا في مواقعهم، كما وعدنا وزير داخليته، بينما كل همه تمويل المحكمة التي تريد الخراب للبنان! أصبح حال ميقاتي مثل مآل “طالب الدبس من جلد النمس”!
بقي موضوع تعليق فتفت على حكم فايز كرم الذي بدأًنا به المقالة. من المستغرب أن يتحدث “غرسون” حفلة توزيع الشاي على جنود إسرائيل المحاصرين، أثناء إجتياحهم المجرم للبنان، عن الخيانة وهو قام بفعلته الشائنة ولم يعاقب هو أو الضابط المسؤول، عدنان داوود، بل سعت حكومته السيئة الذكر إلى ترقيته. المقاومة توضع تحت سيف الإتهام، والخائن يسرح ويمرح ويجرؤ على التصاريح أما كتلته حمالة الحطب لحرق الجيش فتريد العبور إلى الدولة. لا يحدث هذا إلا في وطن “خيال الصحرا” Only in Lebanon.
Leave a Reply