وقع تفجير إرهابي في حارة حريك مجدَّداً بعد ١٩يوماً فقط من الإعتداء الأوَّل وفي نفس الشارع المسمّى بالعريض أو شارع «الاستشهادي أحمد قصير»، الذي ظلَّتْ اللوحة المكتوب عليها اسمه صامدة مثل ذكراه ولو أصبحتْ متشظِّية ولكن لم يكسرها الهجومان الشيطانيَّان. الشهيد البطل أحمد قصير، إبن الإمام السيِّد موسى الصدر، قام بعملية ضد القوات الإسرائيلية في صور منذ ٣٠ عاماً وقتل جنوداً وضباطاً للعدو وجعل أريل شارون «كئيباً» لمنظرهم كما أظهرتْه الكاميرا آنذاك. واليوم ثأرَتْ «جبهة النصرة» الشيطانيَّة التي ادَّعتْ مسؤوليتها عن الهجوم و«المدعوشة» حالياً، لإسرائيل من الشهيد قصير. لكن إذا كانتْ هذه الجبهة «البهيميَّة» هي أداةٌ رخيصة تنفِّذ الأوامر وتسعى لصرف الأنظار عن حربها مع باقي الوحوش من «الخوارج»، فإنّ المحرِّك الهمجي لها كان يبحث عن ثمنٍ آخر.
ويبدو أنّْ التفجير كان ثمن فشل المحكمة الدولية في «لا hi» التي تحوَّلتْ إلى كذبة كبيرة ومسرحية هزلية وتضليل كلَّف فقراء لبنان مئات الآلاف من الدولارات بلا طائل. ومن دون الخوض في تفاصيل جلسات هذه المحكمة الإسرائيلية الهوى والتوجُّه فقد كان أقل ما يُقال فيها إنَّها مُخيِّبة للآمال التي عقدها عليها أقزام «١٤ آذار» ولم يناموا الليل وهم يحلمون بمعاييرها وعدالتها! ولعلَّه بسبب فشل «صرماية وئام وهَّاب» الذريع كان مُلفتاً إعلان سعد المهاجر عن قبوله بالدخول مع «حزب الله» في حكومة واحدة باعتباره «حزباً سياسيا» كما قال، وذلك بعد أنْ تصلَّب وتمنَّع وحردَ وحرقَ كل الجسور سابقاً واليوم بعد هذا القبول بات يتعرَّض للتهديد من زعران أشرف ريفي المتضرِّرين في «باب التبَّانة»! وقد جاءت هذه «المكرمة الحريرية» بعد مشاركته مباشرةً في حضور الجلسات الأولى للمحكمة «الإسرائيلية» الميليسية (نسبةً إلى المرتشي ديتليف ميليس) قبل أنْ يأكله الملل والضجر. وربَّما يعود هذا الإنقلاب الحريري إِلى سبب أنَّ هذه المحكمة لم تأتِ بجديد عما فبَرَكه وسام الحسن وأشرف ريفي وفارس خشَّان (أين هو اليوم بالمناسبة؟) وجوني عبدو «قبضاي الشعبة الثانية»، التي كانت تفتك بالشعب اللبناني، وزهير الصديق.
وتبيَّن أنَّ كل ما صدر عنها من تسريبات حول التحقيق في صحف عربية وأوروبية وإسرائيلية صحيحة مئة بالمئة وبالتالي، كما هو متوقَّع، لم تكن هناك سريَّة في التحقيق لدرجة إعلان أسماء الشهود على «صنوبر» الجرائد! وهذه فضيحة بجلاجل تحصل لأول مرة في تاريخ التحقيقات والمحاكمات. لذا فإنَّ كل ما قدَّمته المحكمة كان عبارة عن أدلَّة ظرفيَّة هاتفيَّة غير ظريفة ومعروفة مسبقاً حول مَنْ إتَّصلَ بمَنْ وحول خطوط بألوان «قوس قُزح»، متلاعبةً على الوتر المذهبي من دون أن تكشف وجود عملاء لإسرائيل في شركات الهاتف الخليوي وتقنية إسرائيل الهائلة بالتلاعب بالداتا والإتصالات، ومتجاهلةً طبعاً الفرضية الإسرائيلية وغسان جدو ومسؤولية «القاعدة» التي كانت في حرب مع آل سعود آنذاك، وسر اعتراف أحد الحجَّاج الأُستراليين بقتل الحريري ثم سحب اعترافه فجأة. وبسبب كل هذه الفجوات العميقة قد يحطِّم الدفاع إدِّعاء المدَّعي العام الغبي ويثبتْ براءة المتَّهَمِين كما ثبتتْ سابقاً براءة الضبَّاط الأربعة.
لا تستحق هذه المحكمة اكثر من هذا الحيِّز سوى القول أنَّ توقيت بدء جلساتها جاء للضغط على سوريا والمقاومة وإيران مع إنعقاد مؤتمر «جنيف-٢» الذي شهد هو الآخر «مسخرة» غير مسبوقة من قبل بان كي مون، «أسطل» أمين عام للأمم المتَّحدة مرَّ في تاريخها بسبب غبائه المُميَّز الذي جعله أداةً طيِّعة بيد الغرب، خصوصاً عندما وجَّه الدعوة لإيران للحضور ثم سحبها بعد غضب آل سعود الشرس. إلا أنَّ إيران الغائبة كانت ملائكتها حاضرة بوجود الوليد، معلّّم السياسة الذي كسب الجولة الأولى كاشفاً وحشية الدول المشاركة وأذنابها بكلمةٍ رائعة وضَعَتْ مون عند حدِّه. لقد ربحَتْ سوريا رئيساً وشعباً وجيشا المعركة ضد الإرهاب من دون إعلان وسوف يدرك العالم، متأخِّراً بعد عودة الوحوش إلى مضاربها، أنَّ سوريا تقاتل إرهابيين همجيين من ٨٣ دولة نيابةً عن كل العالم المتحضِّر.
إنَّ الذي فجَّر في الحارة الأبيَّة للمرة الثانية هو المجرم علي الحجيري في عرسال الذي اتَّهم المقاومة بقصف بلدته التي تعجُّ بالإرهابيين والسيارات المعدَّة للتفجير في الضاحية، رغم تحديد الجيش جهة القصف من الحدود السورية واعتراف جبهة «البعيرة» الوحشيَّة بذلك وقد قابل سعد الطائر الحريري، تحيَّة المجرم المطلوب للعدالة الحجيري بأحسن منها عندما قال أنَّ هناك «أبطالاً في عرسال»! والنِعم.
كما أنَّ الذي فجَّر مجدَّداً في حارة حريك، العظيمة بمقاومتها وبأبنائها، هو تصريح الجبان محمَّد كبَّارة بأنَّ «حزب الله ينقل السلاح في طرابلس» إضافة الى تحريض التكفيري الرافعي والشهَّال وفستق وبارود وكل جوقة خوارج العصر المتآمرين والذين يأوون بقايا الجزّار الهارب أحمد الأسير. كل تحريض هؤلاء يهدف ليس إلى «شيطنة» المقاومة فحسب بل شعبها العظيم وجمهورها من شيعة وعلويين وسُنَّة ومسيحيين. لكن كل تفجير يرتكبونه هو شهادة بصواب قرار المقاومة بالدخول إلى سوريا لأنَّ المجرمين الكَفَرة كانوا ينوون التفرُّغ للبنان بعد سوريا، كما اعترفوا هم بأنفسهم وقبل وقتٍ طويل من قرار المقاومة بدخول المعركة السوريَّة.
حسب بعض المحللين قد تكون متفجرة قتل العروس الشهيدة ماريا الجوهري والشهيد البهي الطلعة علي بشير، آخر رمق لبندر بن بوش ليثبت وجوده بعد أنباء عن نفيه إلى وطنه الأول أميركا دون رجعة بحجَّة المرض، أو هي عملية توزيع أدوار عند آل سعود لتبرئة ساحتهم حتى يُتاح لهم أنْ يدَّعوا بالقول «لقد سمحنا لجماعتنا بالدخول في حكومة مع «حزب الله» ولا علاقة لنا بالتفجير الأخير»!
يضحكني كلام المحللين وفرحهم أن الصقور في السعودية إلى زوال وأنَّه قد حل مكانهم ما يسمى بالمعتدلين. سين سؤال: لو افترضنا أنَّ بندر وعصبته من المتطرفين قد «حوَّروا» سياسة المملكة الطويلة العريضة فكيف تمكنوا من ذلك لوحدهم؟ ولماذا وافق أبو متعب على هذا التهوُّر الخطير؟ ثم لو نجحوا، لا قدَّر الله، في تدمير سوريا ولبنان هل كان وضعهم الآن «أوكي»؟ بلا إهانات لعقولنا من هذه الخديعة ومن شاهد سعود الفيصل في مؤتمر سوريا قد رأى بنفسه هذه الخدعة. وعلى «٨ آذار» أنْ تصرَّ على معاقبة المجرم منهم الذي إرتكب المجازر بحق أشرف الناس في لبنان وسوريا.
إنَّ دولةً تتفرج على جنود العدو في العديسة وهم يخترقون السيادة اللبنانية ويستعيدون جهاز تجسُّس مزروع داخل الاراضي اللبنانية، هي دولة متواطئة بالحد الأدنى لأن ١٣٥ سيارة تُسرق في لبنان شهرياً وتُرسل إلى يبرود السورية وعرسال لتفخيخها والسارق معروف في عرسال لكن لا تجرؤ الدولة على اعتقاله لانه محمي، أو أنها لا تريد اعتقاله. كما تعرف الدولة أين هو المجرم أحمد طه ووالد وشقيق حسين الأطرش الذي دبر عملية تفجير سيارة في الضاحية وقُتل في عرسال، كما تعرف مخبأ الأسير وفضل شاكر لكن سياسة النعي بالنفس تكبِّلها. ثم كيف سلكتْ سيارة «كيا» الأخيرة نفس الطريق الذي سلكته السيارة الانتحارية الأولى ودخلتْ الضاحية رغم حواجز الدولة لتنفجر في نفس المكان؟! وماذا يفعل وزير «الملابس الداخلية» مروان شربل لمراقبة وضبط هذه السيارات في بلد الفلتان؟!
لقد طفح كيل الشعب ويجب أنْ تقوم المقاومة بحماية شعبها ومنجزاته بنفسها، لأنَّ هذا الشعب تحمَّل نسيان الدولة له والحرمان وحروب إسرائيل والتهجير والفقر والضائقة المعيشية وانعدام الخدمات العامَّة ومن حقِّه أنْ يعيش بأمان بعد أن عاش عيشة الأحرار وصنع الكرامة بيديه. فلا يحك جلد أمن المقاومة إلا ظفرها.
Leave a Reply