لا دعاية كالحقيقة، ولا إساءة لصورتنا العربية تشبه ما نفعله نحن بها وما نجره على أنفسنا من ذل وأذى لن يتبدل ويتغيّر من حولنا إن لم نغيّر ما بأنفسنا ونغادر الحلقة النرجسية التي ندور فيها، ونحدّق في سلوكنا وصورتنا داخل مرآة الحداثة والعصر.
ثمة تصرفات مخجلة تحدث هنا في ديربورن تدفع بالإنسان السوي إلى حافة الجنون. وتتساءل أين الضوابط والمقاييس أو الاعراف الإجتماعية المنبثقة عن النواميس الطبيعية. بعض تلك التصرفات الشاذة، تشاهدها إذا سوّلت لك نفسك بالذهاب إلى بعض المنتزهات العامة هنا في ديربورن. لا تخطئ عينيك وحتى لو كنت بدون نظارة طبية أن المرتادين قد يكونون كلهم من بني جلدتك. أحفاد العرب، العرب الذين اقتحموا العالم ذات يوم وبنوا مجداً روحياً وحضارياً وتجارياً، ليس بالسيف والقهر كما يسعى المغرضون بقوله صبحاً ومساءً، بل بالأخلاق والسلوك الشفاف والتعامل التجاري بضمير وإحساس إنساني رفيع، وكانت أخلاقهم مثلاً للكثيرين في هذا العالم.
أما الآن ماذا نرى؟ قطعان من البشر في تلك المنتزهات العامة: رجالا جلسوا جماعات، لا تسمع إلا الصراخ وحلف الأيمان. على ماذا يصرخون وعلى ماذا يحلفون لا تعرف؟ وسيدات، العديدات منهن لا يصدقن إنهن وجدن مكاناً يريح أجسامهن الثقيلة، والتي زادت ثقلها الأثواب العديدة محاولة منها لتغطية لحومها وشحومها. بعض السيدات يرتدين البراقع من الوجه إلى أسفل القدم، ويجلسن في وضع مخل لتغازل ذكراً من الذكران وما أكثرهم. كل ما يبدو من وجهها عينين مكحلتين. الحرية الشخصية مضمونة ولكن ما الضير لو بقيت في بيتها الجميل المبرّد بدل الخروج بهذه الأثواب والأحمال؟ أما الأولاد، الكثير منهم يحمل يده أو رجله في جبيرة أو في وجهه تشوهات عديدة نظراً للعب وحدهم بلا مراقب أو مقياس. يصرخون ويشتمون ويؤذون بعضهم بعضا ولو تجرأت وسألت أحدهم بعدم الصراخ واللعب بأقل خشونة وعدم إيذاء أصحابهم أو الأولاد الآخرين الذين لهم الحق مثلهم باللعب ولو طلبت منهم بصورة لطيفة إنتظار دورهم في إستعمال الألعاب، ينظرون إليك ببلاهة. ويضحكون ويمضون ركضاً وركلاً لبعض الأولاد والألعاب أيضا بدون مبالاة!!
هذا عدا الأوراق ومخلفات الأكل التي ترمى بدون مسؤولية وبدون خجل، خصوصاً حول تلك السيدات الجالسات على المقاعد، بعدما أكلن وأطعمن الرجال والأولاد لم يكلّف أحد نفسه برمي زبالته في البرميل المخصص القريب، رموها على الأرض، على العشب الأخضر إهمالاً أو نكاية بكل ما هو جميل ورائع في ذلك المكان، هذه التصرفات غير المسؤولة تجعلك تعتقد أن الخجل إنتحر خجلاً مما يدور حواليك. خصوصاً هذه السيدات المحجبات الباكيات المنتحبات في المجالس الدينية مساعدة للسيدة الزهراء في البكاء على ولدها الحسين الشهيد، أليس الأولى بهن البكاء أنفسهن كمثالٍ سيء ورديء للتصرفات البشعة التي لا تمثل لباسهن المحتشم في شيء.
حاولت في إحدى المرات، كسيدة يؤذي نظرها الخطأ والفوضى أن ألملم ما طار بعيداً من الأوراق وصحون الأطعمة وقناني المشروبات البلاستيكية وسمعت همساً من إحدى السيدات تقول لجارتها الجالسة مقابلها: لماذا التعب غداّ البلدية تقوم بالتنظيف. نعم، البلدية تنظف، لكن أين السلوك والمقاييس الإنسانية التي كالمرايا تعكس صورنا للآخرين؟
الذي يزيد المشهد سوريالية، «في منتزه هاملاك»، أحد الحاضرين فتح المسجل في سيارته ليسمع الجميع في المنتزه خطبة بصوت أحد الخطباء من ذوي الأصوات النكرة والصراخ بصوت أجش وعالي كالطبل المفخوت، ذلك الإنسان الأخرف كان يغيّر الشريط لآخر، متابعة للخطبة العصماء ومدح الإمام علي وتعداد مناقبه لعدة ساعات، عبر صوت المسجل العالي المزعج للعديد من رواد المنتزه. إن حب الإمام علي وحب أهل البيت لا يكون على هذه الصورة من الجهل، والإزعاج المفرط للآخرين، وإقلاق سمع الجيران والأطفال المتواجدين مع أهاليهم ذلك الوقت، وإصدار الضجيج عبر جهاز التسجيل للذين يرغبون بالمشي بهدوء، وهذا حقهم، هرباً من ضجيج السيارات والمنازل والطرقات!!
لا سبيل لدفن الرؤوس في الرمل وإغماض العيون عن هذه التشوهات والتعقيدات في التصرف بجهل وغباء والإساءة للصورة العربية التي يسعى الكثيرون من العقلاء والشرفاء تلميعها بالإبتعاد عن مسلك المشاغبة المعاندة لكل ما هو رائع وراقي في هذه البلاد التي آوينا إليها هرباً من الجهل والتخلف والظلم.
Leave a Reply