نيويورك
أثارت حادثة طعن الكاتب الشهير سلمان رشدي في نيويورك، يوم 12 آب (أغسطس) الجاري، ردود فعل شاجبة على الساحتين الأميركية والدولية، فيما أثارت هوية منفذ الهجوم، وهو شاب لبناني أميركي يدعى هادي مطر (24 عاماً)، الكثير من التكهنات حول دوافع الاعتداء الذي نجا منه الأديب البريطاني ذو الأصول الهندية، صاحب رواية «ايات شيطانية».
وكان رشدي (75 عاماً) بصدد إلقاء كلمة في معهد تشوتوكوا الثقافي شمال غربي ولاية نيويورك، الجمعة الماضي، عندما تقدم رجل إلى المسرح واندفع نحوه قبل أن يسدد له عدة طعنات في هجوم وصفته الولايات المتحدة بـ«الاعتداء المقيت والعنف المروع».
وكان مؤسّس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، روح الله الخميني، أصدر فتوى بـ«هدر دم» رشدي عام 1989 بسبب روايته «آيات شيطانيّة» التي تمس صلب العقيدة الإسلامية، وهو ما أثار شكوك بضلوع إيران في محاولة الاغتيال. غير أن طهران نفت «بشكل حازم» أية علاقة لها بمحاولة اغتيال الكاتب البريطاني المهدد بالقتل منذ صدور روايته الموصوفة بـ«معاداة الإسلام والرسول والقرآن» عام 1988.
ومن جانبه، وجه الادعاء العام في ولاية نيويورك إلى منفذ الهجوم، تهمة الشروع بالقتل من الدرجة الثانية والاعتداء بسلاح خطير بقصد إلحاق أذى بدني من الدرجة الثانية أيضاً.
وقال المدعي العام في مقاطعة تشوتوكوا، جايسون شميت، إن مطر سيبقى قيد الاحتجاز من دون كفالة إلى حين مثوله مجدداً أمام القضاء.
وأعلنت شرطة نيويورك في بيان أنّ رشدي تعرّض لعدة طعنات في العنق والبطن قبل نقله على متن مروحية إلى مستشفى في ولاية بنسلفانيا المجاورة، فيما تم القبض على الجاني في موقع الحادث.
وقال محامي الدفاع إن موكله دفع ببراءته من جميع التهم المنسوبة إليه أمام محكمة مقاطعة تشوتوكوا في اليوم التالي للهجوم.
ووضع رشدي على جهاز التنفس الاصطناعي بعد عملية جراحية استمرت لساعات قبل أن يستعيد وعيه الثلاثاء الماضي، وفقاً لتصريحات محاميه.
وقال وكيل أعمال رشدي إن الكاتب المقيم في نيويورك منذ عدة سنوات، سيفقد على الأرجح إحدى عينيه، ويعاني من قطع الأعصاب في ذراعه وتلف في كبده.
وأدان الرئيس الأميركي جو بايدن، «الهجوم الشرس» على رشدي مشيداً بـ«رفضه الترهيب والإسكات»، مؤكداً أنه وزوجته السيدة الأولى جيل و«جميع الأميركيين وجميع الناس حول العالم» يصلّون من أجل «تعافي» رشدي.
وأفادت شبكة «أن بي سي» أن مراجعة أولية قامت بها هيئات إنفاذ القانون لحساباته على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت أنه متعاطف مع «التطرف الشيعي» والحرس الثوري الإيراني.
ولم تقدم السلطات الأميركية أي تفاصيل إضافية عن التحقيق، بما في ذلك، الدافع المحتمل.
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني: «ننفي بشكل حازم ورسمي أي علاقة بمنفذ الهجوم»، مشيراً إلى أنه «لا يحق لأحد أن يتّهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية».
وفي أول رد فعل من طهران على محاولة قتل رشدي، أكد المتحدث أن «إيران لا تعتبر أن أحداً يستحق اللوم أو الإدانة غيره ومؤيديه، على الهجوم الذي استهدفه خلال مناسبة أدبية في نيويورك».
وأضاف أنّ «سلمان رشدي عرّض نفسه لغضب الناس، ليس فقط من المسلمين، ولكن أيضاً من أتباع الديانات السماوية الأخرى، عبر الإساءة للمقدسات الإسلامية وتجاوز الخط الأحمر لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم، والخطوط الحمر لجميع أتباع الديانات السماوية».
وفي مقابلة مع صحيفة «نيويورك بوست» عبر الفيديو، الأربعاء الماضي، أكد المتهم مطر بأنه يحترم المرشد الأعلى الإيراني السابق، لكنه لم يؤكد إن كان قد نفذ جريمته بسبب فتوى كان قد أصدرها الخميني قبل أكثر من 30 عاماً، كما نفى أي اتصال له بالحرس الثوري الإيراني.
وقال «أنا أحترم آية الله، أعتقد أنه شخص عظيم، هذا كل ما سأقوله حول ذلك»، وحول رأيه برشدي قال مطر: «لا أستلطفه كثيراً».
وأضاف أنه قرأ «بضع صفحات وحسب» من رواية «آيات شيطانية»، مشيراً إلى أن تغريدة أعلنت زيارة المؤلف إلى مؤسسة تشوتوكوا منحته الفكرة للتوجه إليها.
وتابع «إنه شخص هاجم الإسلام، ومعتقداته، ونظامه الإيماني»، مشيراً إلى أنه تابع مقاطع فيديو لرشدي عبر «يوتيوب».
وقال مطر إنه أخذ حافلة إلى مدينة بافالو في اليوم الذي سبق الهجوم، ومن ثم توجه إلى تشوتوكوا بسيارة استأجرها عبر تطبيق «ليفت». وأضاف «كنت أتجول في المنطقة، لم أفعل شيئاً يذكر»، وقال إنه نام على العشب ليل الخميس.
الاحتياطات الأمنية
بعد الهجوم، أثيرت أسئلة حول الاحتياطات الأمنية –أو عدم وجودها– في المؤسسة المضيفة، التي تقع في منتجع بحيرة ريفي على بعد 70 ميلاً جنوب مدينة بافالو في ولاية نيويورك.
ونقلت شبكة «سي أن أن» عن مصدرين إن إدارة المكان الذي وقع فيه الهجوم رفضت التوصيات السابقة لتشديد الإجراءات الأمنية رغم علمها بالتهديدات المحتملة لرشدي.
ورفضت إدارة المؤسسة توصيات بشأن الإجراءات الأمنية الأساسية، بما في ذلك فحص الحقائب وأجهزة الكشف عن المعادن، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى حدوث انقسام بين المتحدثين والجمهور، وفقاً لقناة «سي أن أن».
وقال شخص شاهد الهجوم للشبكة الإخبارية، إنه لم تكن هناك عمليات تفتيش أمنية أو أجهزة الكشف عن المعادن في الحدث.
منفذ الهجوم
قالت والدة مطر، المهاجم، لموقع «دايلي ميل» إن ابنها عاد «متغيّراً» وأكثر تديناً، من رحلة قام بها عام 2018 إلى لبنان، موطن عائلته.
ويقيم مطر مع والدته في فيرڤيو بولاية نيوجيرزي، على الضفة المقابلة لنهر هدسون من مانهاتن.
وقالت سيلفانا فردوس (46 عاماً) التي تعيش في الولايات المتحدة منذ 26 عاماً، للموقع إن ابنها سافر إلى لبنان عام 2018 لزيارة والده، علماً أن الوالدَين مطلقان منذ العام 2004. وأضافت «كنت أتوقع أن يعود متحمساً، وأن ينهي دراسته، ويتخرج وأن يحصل على وظيفة. لكن بدلاً من ذلك، عزل نفسه في غرفته تحت الأرض (البيسمنت)، وتغير كثيراً، ولم يقل أي شيء لي أو لشقيقتيه لأشهر».
ويقيم مطر مع والدته وشقيقتيه التوأمين اللتين تبلغان من العمر 14 عاماً.
أما والد مطر فهو يقيم في مسقط رأسه ببلدة يارون بجنوب لبنان.
وتابعت الأم: «تشاجر معي في إحدى المرات وسألني لمَ شجعته على الدراسة بدلاً من التركيز على الدين»، معربة عن أسفها لما تعرض له «السيد رشدي» الذي لم تكن تعرف عنه شيئاً قبل هذا الهجوم، أكدت فردوس أنها لا تهتم بالسياسة ونفت معرفتها بأي شخص في إيران وقالت إن ابنها «مسؤول عن أفعاله».
وقام مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بتفتيش مكان إقامة المهاجم وضبط سكاكين وجهاز كمبيوتر وكتباً، بحسب قولها.
وبحسب موقع «دايلي ميل»، لم يكن لدى مطر وظيفة قط، ولم تكن لديه صديقة قط، ولكنه انضم إلى صالة رياضية محلية للملاكمة قبل ثلاثة أشهر، قبل أن يلغي عضويته فجأة الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من حماسته المتزايدة للإسلام، إلا أنه لم يرتد ملابس مختلفة مما دفع سيلفانا إلى الأمل في أنها كانت مجرد مرحلة عابرة، وفق تعبيرها.
Leave a Reply