كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يتقدّم الهم المالي والمعيشي على ما عداه في لبنان، الذي لم يكن ينقصه سوى فيروس «كورونا» الذي انطلق في الصين ليتحوّل إلى قلق دولي على الصعيدين الصحي والاقتصادي.
في لبنان، لجأت الحكومة الجديدة إلى إجراءات احترازية لمنع انتشار الفيروس، من خلال فحص المسافرين القادمين من دول موبوءة، وفرض الحجر الصحي على المصابين المحتملين. لكن جهود الحكومة قوبلت بالتشكيك، كيف لا وهي التي تتولى مهمة إنقاذية تبدو مستحيلة في ظل اشتداد الأزمة المالية والاقتصادية.
كورونا مصرفية
إلى جانب فيروس «الكورونا» الذي دخل لبنان مع امرأة قادمة من إيران، يعاني اللبنانيون من «جائحة مصرفية» ضريت البلاد منذ أكثر من ثلاثة أشهر، عندما اتّخذت جمعية المصارف قراراً ذاتياً، بمنع سحوبات المودعين من مدخراتهم تحت عنوان ملطف، وهو «كابيتال كونترول»، رغم أن هذا الإجراء غير شرعي ومخالف لقانون النقد والتسليف، حيث أن مثل هذا التدبير يجب أن يصدر بموجب قانون من مجلس النواب، وهو لم يحصل قط.
وتحت الضغط الشعبي قرر المصرف المركزي الذي يفرض قراراته دون أي حسيب أو رقيب، أن يسمح للمودعين بسحب مبالغ محدودة أسبوعياً، بدأت عند بألف دولار ووصلت مؤخراً إلى خمسين دولاراً في بعض المصارف، حيث أصبحت فروع البنوك أشبه بـ«خط تماس» بين المواطن الغاضب والقلق على مصير مدخرات عمره، وبين النظام المصرفي الآيل للانهيار. فالمواطنون ينتظرون لساعات ليحصلوا على مبلغ زهيد كل أسبوع أو أسبوعين، بالكاد يكفي لسداد حاجاتهم الضرورية. وقد بات اللبنانيون يعيشون هواجس حقيقية من فقدان ودائعهم التي تبخّرت قيمتها مع ارتفاع سعر الدولار، مقابل الليرة اللبنانية.
أبعاد اقتصادية
الشح المالي وفقدان السيولة بالعملة الأجنبية، دفع حوالي 200 ألف مواطن لبناني إلى فقدان وظائفهم وأعمالهم، خلال الأشهر الأخيرة، وفقاً لإحصائيات لمؤسسات محلية وخارجية، بينها وزارة العمل التي تتدخل في فض الخلافات بين أرباب العمل والعمال، في مسألة الصرف الكيفي والحصول على تعويضات، إذ ظهر أن المشكلة أكبر من أن يحلها قرار من مجلس العمل التحكيمي، لأن معظم المؤسسات التي سرّحت عمالها، أعلنت عن إفلاسها، ويبلغ عددها نحو 1,500 مؤسسة في مختلف القطاعات.
والعدد إلى إرتفاع مع استمرار الانكماش الاقتصادي والأزمة السياسية المتمثلة بالمواجهة بين السلطة والشارع الذي بات مطلبه الأوحد، إنقاذ الوضع المالي باعتماد نهج مختلف عن مرحلة «الحريرية السياسية» التي لجأت إلى الاستدانة تحت شعار «إعادة الإعمار»، فتراكمت خدمة الدين الذي وصل إلى حدود 90 مليار دولار، دون أن يوظف الدين بمشاريع استثمارية في البنى التحتية وسواها، فنشأ اقتصاد ريعي يقوم على الخدمات المصرفية والسياحية وجذب الأموال بالفوائد المرتفعة، دون قيام اقتصاد منتج يقوم على الصناعة والزراعة إلى جانب القطاعات الحيوية الأخرى.
إذ أن الاستثمارات التي كانت تتدفق إلى لبنان كان يتم توظيفها في سندات خزينة مقابل فوائد باهظة، لتمويل نفقات الدولة التي استدانت بدورها من المصارف بفوائد عالية، وصلت إلى 42.5 بالمئة بعد وصول رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة. في المقابل، أدت سياسة الفوائد العالية لإغراء المودعين في زيادة الاحتياط المالي لدى «مصرف لبنان» من خلال إيداع المصارف الخاصة لأموال زبائنها فيه. وقد نفذ حاكم المصرف هندسات مالية، استفادت منها مصارف متعثرة، وحققت أرباحاً عالية جداً، يقدرها خبراء ماليون بنحو 90 مليار دولار، ولما سعت الدولة لتخفيف خدمة الدين العام بمطالبة المصارف بتخفيض الفائدة إلى 1 بالمئة فتنخفض خدمة الدين إلى نحو مليار دولار سنوياً، مقارنة بـ5.5 مليار عام 2019، رفضت المصارف هذا الطرح جملة وتفصيلاً، وهو التحدي الذي تواجهه الحكومة الجديدة، اليوم.
السقوط في الحفرة
بنظر المراقبين، لم يعد لبنان واقفاً على حافة الإنهيار، بل هو قد سقط فعلاً في الحفرة ولا يوجد مَن ينتشله منها.
ففي مرات سابقة، عندما كان يقع لبنان في عجز مالي، يتوجّه إلى دول صديقة للمساعدة، فعقدت مؤتمرات كان الرئيس رفيق الحريري وراءها بفضل شبكة علاقاته الدولية والإقليمية، فأقيم مؤتمر أصدقاء لبنان في واشنطن عام 1997، ثم «باريس 1» في العام 2001 وباريس 2 و3 في 2003 و2004، كانت كلها تؤخّر السقوط المتوقع لسياسة الاستدانة دون قيام اقتصاد منتج، بجانب الفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة، والصفقات المشبوهة التي كانت تحصل في أكثر من قطاع حيوي، أبرزها الكهرباء وصفقات «الفيول»، عدا عن النفايات والاتصالات والأملاك البحرية والتوظيف السياسي في دوائر الدولة التي أنهكت بعشرات آلاف الموظفين غير الضروريين ممن يقبضون رواتب دون عمل حقيقي، حيث بلغ إجمالي عديد الموظفين الحكوميين في لبنان نحو أكثر من 300 ألف.
صندوق النقد الدولي
في ظل الوضع المالي والاقتصادي الذي وصل إليه لبنان، وبات ينذر بإفلاس الدولة التي تراجعت مواردها بشكل حاد، يتنامى القلق لدى موظفي القطاع العام من أن تتوقف رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية، أو يقتطع جزءاً كبيراً في حال لجأ لبنان إلى صندوق النقد الدولي للخروج من محنته.
وقد حضر وفد من المؤسسة الدولية إلى لبنان واستمع إلى ما ترغب به الحكومة التي لم تتخذ قرارها بعد، لأن أطرافاً سياسية فيها، لا تحبّذ اللجوء إلى الصندوق الدولي باعتباره أداة لـ«استعمار مقنّع»، لاسيما وأنه يأتمر بتوجيهات من واشنطن التي تستهدف «حزب الله» بعقوبات مشددة تزداد حدتها بشكل مضطرد.
وإذا كان من ضرورة لمساعدة صندوق النقد الدولي فستكون تقنية بحتة، ووفق الأجندة اللبنانية، لأن المعارضين له، وعلى رأسهم «حزب الله» و«حركة أمل»، يعتبرون بأنه لم يدخل دولة عانت من أزمات مالية، إلا وأفقرها بوصفاته التي تكون على حساب المواطنين من الفقراء ومتوسطي الدخل، من خلال فرض رسوم وضرائب إضافية وتخفيض رواتب القطاع العام.
وبحسب الخبراء، تقوم «وصفة» صندوق النقد الدولي للبنان، على تحرير سعر صرف الليرة، ورفع الدعم عن قطاع الكهرباء عبر زيادة الفواتير والرسوم على المستهلكين، وزيادة ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب تخفيض رواتب موظفي القطاع العام إلى الثلث، وكذلك معاشات التقاعد بحوالي 50 بالمئة.
وهي إجراءات إذا ما تبنّتها الحكومة حكومة حسان دياب، فإن الفقر سيتوسّع أكثر وهو قد بلغ نسبة 40 بالمئة ليصل إلى نحو 60 أو 70 بالمئة بحسب التقديرات، مما ينذر بأزمة مجاعة كتلك التي مرّت بها دول أخرى مثل فنزويلا التي مازالت تعاني من فقدان المواد الغذائية أو ارتفاع أسعارها إلى مستويات خيالية إذا ما وجدت، إلى جانب انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين عموماً.
ثورة جياع؟
إرتفاع أسعار السلع، تراجع قيمة العملة اللبنانية، فقدان السيولة من المصارف التي تحجب عن المودعين أموالهم، إفلاس الشركات، انخفاض الرواتب، تفشي البطالة، وتعاقب الأزمات التي كان آخرها إضراب الأفران، جميعها عوامل تنذر بانفجار وشيك، قد يدفع اللبنانيين بأعداد غير مسبوقة إلى الشارع في «ثورة جياع» بدأت نذرها تلوح في الأفق وتهدد أطراف السلطة. وقد نبّه إلى ذلك رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي أشار إلى أن الوضع مقلق جداً، ولا يجوز أن نبقى في ترف، إذ أن الحكومة لم تلجأ بعد، إلى قرارات جريئة، وقد حددت مئة يوم لإظهار جديتها في العمل، لكنها بدأت بتشكيل لجان عمل، والتي تسمى بالعرف العربي، مقبرة المشاريع.
عقوبات أميركية جديدة تضيّق الخناق على «حزب الله»
واشنطن
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الأربعاء الماضي، عن عقوبات إضافية طالت كيانات وشخصيات لبنانية، في إطار حرب الحصار الجديدة المفتوحة على لبنان، تحت عنوان مساعدته على التخلص من «حزب الله».
واستهدفت العقوبات الجديدة، مسؤولي «مؤسسة الشهيد» ومجموعة «أطلس القابضة» التابعة لها، وجميع الشركات التابعة لـ«مجموعة أطلس»، ومن بينها «الشركة الدولية للأدوية والمعدات الطبية» (ميديك) و«شاهد فارم» و«سيتي فارما» وشركة «سانوفيرا فارم» بالإضافة إلى شركات ومؤسسات أخرى تعنى بالسياحة والتجارة؛ من بينها شركة «الأمانة» للمحروقات.
وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، مارشال بلينغسلي أن العقوبات «لن تؤثر على أسعار النفط والأدوية في لبنان، ولكنها ستوفر البيئة للأعمال المشروعة من أجل المنافسة العادلة من دون ترهيب حزب الله».
وقال بلينغسلي، في مؤتمر صحافي مشترك مع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، إن «مؤسسة الشهيد» هي جزء من «شبكة حزب الله الإرهابية العالمية، وتعمل كمنظمة شبه حكومية إيرانية في لبنان».
وتحدث بلينغسلي عن جواد نور الدين الذي يعمل مديراً عاماً لمكتب لبنان في «مؤسسة الشهيد»، والذي شملته العقوبات، وقال «إنه يشرف على الإغراءات التي يقدمها حزب الله إلى العائلات بغية السماح للشباب الصغار بالذهاب إلى القتال والموت في أماكن مثل سوريا واليمن حيث يعد الحزب بالدفع لعائلات القتلى والمصابين»، على حد وصفه.
وأوضح مساعد وزير الخزانة الأميركي أن العقوبات شملت شركات تابعة لـ«مجموعة أطلس» التي تعمل في عدة قطاعات اقتصاية في لبنان بينها النفط والأدوية والألبسة، مشيراً إلى أن شبكة محطات «الأمانة» تضم 41 محطة وقود.
وتوقع مساعد وزير الخزانة الأميركي أن تتحرك المصارف اللبنانية بسرعة لتجميد كل الحسابات التابعة للشركات والشخصيات المصنفة.
وقال «لدينا ثقة بحاكم مصرف لبنان وأبديت له توقعاتنا حيال ما يجب أن يقوم به المصرف. والتوقعات هي أن ينخرط المصرف بطريقة أكثر فعالية لضبط النظام المصرفي اللبناني ضد منظمات حزب الله وأصولها».
ورداً على اتهام الولايات المتحدة بالوقوف وراء الأزمة المالية في لبنان، قال شنكر إنه «لدى لبنان تحديات مالية واقتصادية بسبب الطريقة التي تمت فيها إدارة الاقتصاد لسنوات». وذكر «أنه لم يكن هناك إصلاح وكانت هناك ممارسات أدت إلى تصاعد الدين العام والفوائد العالية جداً مما أعاق التنمية وقطاع الصناعة».
وهدد المسؤولان الأميركيان بفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين بذريعة «مكافحة الفساد»، على أن تشمل هذه العقوبات شخصيات من خارج «حزب الله»، ومن «مختلف المذاهب والطوائف والقوى السياسية».
Leave a Reply