وفيقة إسماعيل – تحجيم المقاومة ودورها بعد أن تعاظمت قدراتها وباتت تمثل عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها في وجه ما يخطط من مشاريع للمنطقة… هذا هو التوصيف الذي يخلص إليه بعض المحللين للواقع المأزوم الذي يشهده لبنان اليوم.
فبعد مرور أكثر من شهر على حركة الاحتجاج أو ما اصطلح على تسميته بالـ«ثورة»، ظهر وبوضوح تراجع معظم المطالب المعيشية التي كانت تُرفع في الأيام الأولى للحراك الشعبي، ليتكشف المشهد عن أمور أكثر عمقاً وخطراً وذات أبعاد إقليمية واستراتيجية. فبغض النظر عن حملات السباب والشتم التي استهدفت أشخاصاً محددين وركزت عليهم دون غيرهم، طفت على السطح حملة استهداف مباشرة لـ«حزب الله» وسلاحه وقادته، وحتى لبيئته الحاضنة، بحجة أن الحزب سبب في حجب المساعدات عن لبنان وفي هروب الاستثمارات الأجنبية منه، وهو أيضاً السبب في العقوبات الاقتصادية الحالية واللاحقة على المصارف، ما يعني في المحصّلة أنه سبب الضائقة الاقتصادية الي يرزح تحتها الشعب اللبناني.
حلفاء الحزب أيضاً نالوا نصيبهم من الاستهداف، وطبعاً على خلفية منحهم الغطاء السياسي للحزب ومزيداً من الغطاء الشعبي.
الأسبوع المنصرم كان حافلاً بالتطورات على الساحة اللبنانية. بدايتها كانت مع طرح اسم الوزير السابق محمد الصفدي لتشكيل الحكومة لكن ورقة ترشيحه احترقت سريعاً في الشارع ليظهر رئيس الحكومة سعد الحريري بصورة المنقذ الوحيد للبلاد، بعد أن خرج مناصروه إلى الشارع وقطعوا الطرقات احتجاجاً، مطالبين بعودته، ومتناسين أنه كان رئيس الحكومة المستقيلة التي خرجوا مطالبين بإسقاطها، تحت شعار «كلن يعني كلن».
المحطة التالية كانت في تطيير جلسة نيابية كانت مؤجلة من الأسبوع الذي سبق، حيث وصل عدد قليل من النواب إلى المجلس المحاصر بالمنتفضين الذين بات بعضهم ليلته في محيط المجلس النيابي، لمنع النواب من الوصول إليه وإقرار بعض القوانين، وعلى رأسها قانون العفو العام، وطبعاً لم تخلُ الهتافات من السباب والشتائم لبعض النواب، على مرأى من القوى الأمنية ومسمعها.
وجاء تطيير الجلسة بعد تغيب نواب كتلة «الجمهورية القوية» و«الاشتراكي» و«المستقبل»، إضافة إلى آخرين تذرعوا بعدم تمكنهم من الوصول، فقام رئيس المجلس للمرة الثانية بتأجيل الجلسة لعدم اكتمال النصاب.
لكن بري عاد الخميس الماضي ودعا لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل الى عقد جلسة يوم الأربعاء المقبل، لدراسة اقتراحات القوانين المتعلقة بسرية المصارف واسترداد الأموال المنهوبة، وهو ما ينذر بمواجهة جديدة مع «المنتفضين».
في موازاة ذلك، استمرت المساعي السياسية للملمة الأزمة والخروج بحل يرضي جميع الأطراف، ولا سيما أن الوضع الاقتصادي يتدهور بنحو دراماتيكي، والوضع النقدي تحديداً يعيش أسوأ أيامه، حتى أنه بات من غير المسموح للمودعين سحب أكثر مما يعادل ألف دولار في الأسبوع وبالليرة اللبنانية طبعاً، أما العملة الصعبة فشبه مفقودة، اللهم إلا في السوق السوداء، حيث يجري التحكم في سعر صرفها، ليلامس سعر صرف الدولار الأميركي ألفي ليرة لبنانية، أي بارتفاع يبلغ نحو 35 بالمئة من سعر الصرف الرسمي.
ومن جملة المساعي الرامية إلى إيجاد حل، ذكرت صحف مقربة من أوساط الرئيس الحريري، أن هناك توجهاً لدى «الثنائي الشيعي» لتفعيل حركة الاتصالات مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، ومحاولة إقناعه من جديد بترؤس الحكومة الجديدة، كذلك تحدثت مصادر عن تواصل تم بين الرئيس الحريري ووزير المال في الحكومة المستقيلة علي حسن خليل.
وثمة تسريبات أيضاً من بيت الوسط تعكس تمسك الحريري برفضه لحكومة سياسية أو حتى «تكنوسياسية»، فيما أكدت مصادر أخرى عزوف الحريري التام عن قبول تأليف حكومة جديدة.
الضغوط الأميركية والدولية
في سياق الضغط الأميركي المتواصل للتخلص من التسوية التي أتت بالتركيبة الحالية، وجّه الكونغرس الأميركي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وقّعها 240 مشرّعاً مِن الحزبين الديموقراطي والجمهوري، يحثّونه فيها على بذل جهد دولي للدفاع عن إسرائيل، والحدّ من نفوذ «حزب الله»، وتعزيز قدرات المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب في المنطقة. كما طلب الموقعون على الرسالة إعطاء القوة الدولية الموجودة في جنوب لبنان السلطة لدخول أية قرية أو منطقة من دون أي قيد أو شرط؛ وإلزامها بالإفادة عن أية عراقيل تواجهها أثناء تفقدها أيّ موقع.
فيلتمان .. اسم محفور
في ذاكرة اللبنانيين
السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان وفي مطالعة له أمام الكونغرس، هدد اللبنانيين، كما فعل وزير خارجيته عندما زار بيروت في الربيع الماضي، ووضعهم بين خيارين لا ثالث لهما: إما الالتزام بالأجندة الأميركية أو الانهيار.
أجندة واشنطن تعني في ما تعنيه، استبعاد «حزب الله» وربما استبعاد حلفائه أيضاً عن الساحة السياسية، من خلال الإصرار على تأليف حكومة «تكنوقراط»، وأن تكون هناك رعاية أممية دولية لمطار بيروت الدولي وللحدود السورية اللبنانية، إضافة إلى وضع اليد على منظومة النفط والغاز اللبنانية وترسيم الحدود النفطية مع إسرائيل.
شروط لا يمكن أن يقبل «حزب الله» وحلفاؤه مجرد الخوض في بحثها.
وفي سياق الضغوط الدولية أيضاً، أشارت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أنّ قوات الأمن اللبنانية استخدمت القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، وقد اعتمدت المنظمة في بيانها على توثيق 12 مناسبة على الأقل لجأت فيها السلطة إلى استخدام القوة لتفريق المتظاهرين، كما طالبت المنظمة باتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المتظاهرين السلميين، والامتناع عن تشتيت التجمّعات السلمية بالقوة.
عون يجدد الدعوة إلى الحوار
عشية عيد الاستقلال، أطلّ رئيس الجمهورية للمرة الرابعة منذ بدء الأزمة، في خطاب متلفز، حيث برر تأخير تأليف الحكومة بوجود التناقضات التي تتحكم في السياسة اللبنانية، وبالسعي إلى تلبية طموحات المعتصمين.
عون جدّد دعوته المتظاهرين إلى الحوار لكونه الطريق الصحيح والوحيد للحل، وغمز الرئيس اللبناني من قناة الإعلام رافضاً تحوّله إلى مُدّعٍ وقاضٍ في الوقت نفسه. كما طالب القضاة بالالتزام بقسمهم والقيام بواجبهم، ودعا العسكريين إلى حماية الحريات سواء في التظاهر أو التنقل، متعهداً بأن يكون سداً منيعاً وسقفاً فولاذياً لحماية القضاء وتحصين استقلاليته.
وكما جرت العادة بعد انتهاء خطاب الرئيس عون، قطع عدد من المتظاهرين الطرق بالإطارات المشتعلة وعاود الجيش اللبناني فتحها، ليُعاد إغلاقها من جديد، وهكذا استمرت الحال بين كر وفر بين الجيش و«قاطعي الطرق» لمدة ساعات.
دور مشبوه
لعب الإعلام المحلي دوراً كبيراً في ما يجري على الساحة اللبناني، من خلال نقله المتواصل والمباشر على مدار الساعة لوقائع الاحتجاجات، وهو ما يستلزم مبالغ مالية كبيرة، تُطرح علامات استفهام كبيرة حول مصدرها. وتوقف كثيرون عند الأداء المتحيّز لدى بعض المحطات، الذي بلغ في أوقات كثيرة حد التحريض والدعوة إلى تأجيج الاحتجاجات، من دون إغفال العمل على لعبة الخداع البصري، والإيحاء بامتلاء الساحات بالمتحجين، فيما الواقع مغاير، هذا عدا عن التركيز على المطالب السياسية والابتعاد عن المطالب المعيشية المحقة التي خرجت من أجلها التظاهرات.
خيار المواجهة؟
في آخر التسريبات، مصادر مطلعة أشارت لـ«صدى الوطن» أن الأجواء في قصر بعبدا توحي بأن الرئيس ميشال عون يرغب في الدعوة إلى استشارات نيابية قريبة، مع الحريري أو من دونه، وأنه لم يعد يتحمّل مماطلة الحريري.
لكن «حزب الله»، وفق المصادر نفسها، ليس في نيته الآن الذهاب إلى حكومة من لون واحد، لذلك هو لا يسير في خيار الرئيس، بل يستمهله ويحاول إقناعه بمنح الحريري فرصة أخيرة بغية الوصول إلى اتفاق معه، ليكون هو رئيساً للحكومة، أو على الأقل ليسمي بنفسه إحدى الشخصيات لتولّي المهمة، وقد وافق الرئيس عون بالفعل على ذلك، حيث تتولى كل من حركة «أمل» ونائب رئيس المجلس النيابي إيلي فرزلي مهمة التفاوض مع الحريري، مع الإشارة إلى أن الأيام المقبلة ستكون مفصلية لجهة القرار الذي ستتخذه الأكثرية النيابية بشأن تسمية رئيس جديد للحكومة.
Leave a Reply