كمال ذبيان
ربيع لبنان سيكون ساخناً، بعد أن يذوب الثلج عن جباله، وتحديداً عن السلسلة الشرقية فـيه، كما أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله فـي خطابه الأخير، إذ توقع أن تعمد الجماعات الإرهابية التكفـيرية الى تنفـيذ هجوم مسلّح من جرود عرسال والمناطق القريبة عند الحدود مع سوريا فـي جبال القلمون، التي مازال المسلحون يتنقلون عبرها من منافذ لم يقفلها الجيش السوري وحليفه «حزب الله» لوسع المسافة وكبر المساحة الجغرافـية.
فتموضع المسلحين فـي هذه المنطقة من البقاع الشمالي، جاء إثر الهزيمة التي لحقت بهم فـي القصير بريف حمص، ثم فـي قارة ويبرود والنبك، حيث فرّوا بإتجاه عرسال بعد أن سبقتهم إليها عائلات كثيرة منهم، ولقوا فـيها الإحتضان الشعبي تحت شعار مساندة ما سمي «ثورة سورية» ورحّب بهم فريق 14 آذار الذي زارت وفود منه البلدة مرات عدة تعلن تأييدها ودعمها لها، وكان فـي ظن هذا الفريق، أن النظام السوري سيسقط من عرسال ومن عكار والشمال كما من مناطق فـي البقاعين الغربي والأوسط، هذا كان الرهان، وهذا ما اعتقدته دول وأنطمة وضعت كل ثقلها العسكري والسياسي والدبلوماسي والمالي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، فلم تفلح، فتحوّلت عرسال الى قاعدة «للإرهاب» فجاءت «جبهة النصرة» ولحقها تنظيم «داعش» الذي أعلن لبنان من ضمن «دولته الإسلامية فـي العراق والشام»، ولم يغب أحرار الشام ولا مجموعة عبدالله عزام بقيادة الشيخ سراج الدين زريقات وحوالي 19 مجموعة مسلحة وفق التقارير الامنية فوقعت البلدة فـي أسر الجماعات الإرهابية، بعد أن ظنّ «تيار المستقبل» أنها تدين بالولاء له، فكشفت الوقائع أن مال «الإسلام الجهادي» لعب دوره، فاستمال أكثر من ألفـي شاب من بلدة تضم حوالي 40 ألف مواطن، فسقطت فـي يد المجموعات الإرهابية التي استفادت أيضاً من وجود حوالي مئة ألف نازح جنّدت منهم حوالي ثلاثة ألاف مسلّح شاركوا فـي الهجوم على الجيش فـي 2 آب من العام الماضي واحتلوا مواقعه المتقدمة فـي وادي عطا وحميّد ومدرسة المهنية فقتلوا عشرين ضابطاً وجندياً وأسروا أكثر من عشرين آخرين مازالوا مع الخاطفـين منذ سبعة أشهر، ولم تنجح المفاوضات بإطلاق سراحهم مع عناصر من قوى الأمن الداخلي.
ضبط الجيش اللبناني لسيارة مفخخة بـ120 كغم من المتفجرات المعدة للتفجير في جرود عرسال |
لقد تحوّلت عرسال وجرودها الى منطقة خاضعة لإحتلال الجماعات الإرهابية باعتراف وزير الداخلية نهاد المشنوق، إذ يرابض الجيش على تخومها وبعض أجزاء منها المتاخمة لبلدات اللبوة والنبي عثمان ورأس بعلبك، وتمكّن بعد دحر المسلحين الى الجرود فـي آب الماضي من أن يعيد تمركزه فـي نقاط جديدة منها تلة الحمراء الإستراتيجية، وإقفال طرقات وسد منافذ، وحصر العبور من عرسال الى جردها بممر واحد لمن يحوز على تصريح من قيادة الجيش، بعد أن أصبحت منطقة عسكرية، حيث تمّ ضبط الخروج والدخول بعد أن كانت مستباحة للمسلحين المحاصرين أيضاً من الجيش السوري و«حزب الله».
ويعيش المسلحون على ما يتمّ تهريبه لهم من بعض أهالي عرسال المتعاملين معهم، وتمكّن الجيش من خلال حواجزه ودورياته وأبراج المراقبة التي قدمها له الجيش البريطاني وساعدته على اكتشاف تسلل مسلحين وعمليات تهريب من تضييق الحصار على الجماعات الإرهابية التي لم تنجح فـي محاولات تقدم قامت بها من الجرود بإتجاه بلدتي الفاكهة ورأس بعلبك، وتصدّى لها الجيش وكان يوقع إصابات فـي صفوفها بعد أن يفر الآخرون الى المكان الذي خرجوا منه، حيث أحبط عشرات عمليات التسلل لإحتلال بلدات لاسيما المسيحية منها، ظناً من هذه الجماعات أنها مناطق ضعيفة وسيتركها أهلها عند أول هجوم فـيدخلون إليها، فتقيهم برد الشتاء القارس وإقفال الثلج للطرقات، كما يمكنهم من أن يتزوّدوا بالوقود والمواد الغذائية إضافة الى السلاح والذخائر.
ومع فشل محاولات الإختراق العسكري للمجموعات الإرهابية، فإن توقع عملية عسكرية لهم مع ذوبان الثلج محتملة وقائمة، وهو ما نبّه إليه السيد نصرالله الذي يعد المسلحين بتلقينهم درساً كما حصل فـي القصير واجتثاث وجودهم نهائياً لما يشكّلونه من خطر على أمن المواطنين والمنطقة واستنزاف للجيش والمقاومة، حيث ينتظر المسلحون دفاعاً قوياً من الجيش والمقاومة و«سرايا المقاومة» التي درّبها «حزب الله» وأعدّها من سكان المنطقة ليدافعوا عنها، وهو ما فعله فـي مناطق رأس بعلبك والفاكهة والقاع التي ينتمي سكانها للطائفة المسيحية، وأكّدوا أنهم لن يتركوا مناطقهم، ولن يحوّلوا نساءهم الى سبايا، ولن يقتلوا غدراً كما حصل مع مسيحيي الموصل ومناطق أخرى فـي العراق وسوريا، وقد أخذوا عبرة مما حصل، لذلك هبّوا جميعاً من كل الأعمار ومن كل الإنتماءات السياسية، فأسقطوا الهويات الحزبية لينخرطوا جميعاً «قوات لبنانية» و«تيار وطني حر» وكتائب والحزب السوري القومي الإجتماعي وغير حزبيين للدفاع عن بلداتهم ومنازلهم.
وهكذا تتهيأ مناطق البقاع الشمالي والهرمل وبعلبك، لمرحلة ما بعد فصل الشتاء، وقد أعدوا للمعركة التي يتهيّأ لها الجيش الذي زرع حوالي خمسة آلاف ضابط وجندي مشكلين من ألوية وأفواج، فـي مواجهة حوالي أكثر من ألفـي مسلّح وفق تقديرات عسكرية، ويمتلكون أسلحة خفـيفة ومتوسطة وثقيلة ولديهم مدافع وآليات عسكرية ودبابات، غنموها من معارك مع الجيش السوري والسلاح الذي جاءهم من تركيا وإنتقلوا به الى القلمون قبل سقوطها.
والجيش بات فـي جهوزية تامة، وقد حصل على مساعدات وهبات من الأسلحة والأعتدة ومن كل الأنواع، ولديه مدفعية موزعة على طول الجبهة، بما يمنع تحرك المسلحين وتقدمهم وهم يختبئون فـي مغاور سبق لمنظمات فلسطينية أن استخدمتها فـي سبعينات وثمانينات القرن الماضي، حيث ستمنع مدفعية الجيش المسلحين من الخروج من مخابئهم وسيلعب الطيران الحربي الدور الأساس فـي هذه المعركة، وقد أكدت فرنسا لرئيس الحكومة تمام سلام أثناء زيارته لها ولقائه الرئيس فرنسوا هولاند الذي أبلغه مع مسؤولين فرنسيين آخرين أن صفقة الأسلحة الموقعة بين فرنسا والسعودية والممنوحة هبة من المملكة الى لبنان بقيمة 3 مليار دولار، سيبدأ وصول السلاح مطلع نيسان المقبل، وستكون الطائرات المروحية «غازيل» من ضمنها، وهو ما سيساعد الجيش فـي المعركة، فـي الوقت الذي وصلت مساعدات عسكرية أميركية من مدافع وآليات وذخائر كما تلقى الجيش مساعدات من ايطاليا وبريطانيا والأردن، وأبلغ السفـير الروسي فـي لبنان ألكسندر زاسبيكين الرئيس سعد الحريري أن صفقة السلاح الروسية التي تمّت مع لبنان عبر قيادة الجيش ستصل تباعاً بعد إنتهاء تصنيعها فـي المصانع الحربية الروسية وهي ستضم دبابات ت – 72 وقاذفات صواريخ «كورنيت»، إضافة الى مدافع وطائرات كانت روسيا قدّمتها الى لبنان قبل حوالي خمس سنوات، وكذلك عرضت إيران تزويد لبنان بالسلاح الموضب بصناديق فـي طهران وينتظر القرار السياسي اللبناني بالرغم من زيارة وفود وزارية وعسكرية الجمهورية الإسلامية الإيرانية والإطلاع على نوع السلاح المقدّم هبة والمطروح للشراء كما مع روسيا.
فالتجهيز الذي بات يمتلكه الجيش يؤهله لخوض معركة دفاعية فـي المرحلة الأولى، يسانده وجود لـ «حزب الله» فـي المنطقة والمتأهّب للمشاركة الى جانب الجيش فـي المعركة التي لن تكتمل ويتم تحرير الجرود من المسلحين إلا بالتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري اللذين تربطهما معاهدة أخوة وتعاون وتنسيق موقعة بين البلدين منذ العام 1991، ويمكن الإستعانة بها، إلا أن قوى 14 آذار ترفض هذا التنسيق لا بل إن فريقاً فـيها يطالب منذ سنوات بإلغاء المعاهدة وحتى إقفال السفارة السورية و كان مطلبهم إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين، وقد انقلبوا عليها مع بدء الأزمة السورية، واستشاطوا غضباً وصخباً عندما فتحت السفارة السورية أبوابها لمواطنيها فـي لبنان للمشاركة فـي الإنتخابات الرئاسية، وكان الزحف البشري صيف العام الماضي مؤيّداً لإعادة إنتخاب الرئيس بشار الأسد، فجنّ جنون 14 آذار للنسبة العالية التي نالها من النازحين السوريين والمقيمين فـي لبنان، وقد ظنّوا أنهم سيصوتون ضده.
فالحاجة الى التنسيق مع الجيش السوري ضرورية للمعركة التي سيخوضها الجيش اللبناني بمواجهة الإرهابيين، ودون حصوله، فإنها ستكون صعبة وربما خاسرة وقد يتقدم المسلحون بإتجاه البلدات فـي البقاع الشمالي والهرمل، وهو المخطط الذي يحذّر منه دائماً قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يكشف فـي كل تصريح أو مقابلة له عن مشروع الجماعات الإرهابية التكفـيرية بالتقدم من البقاع وربطه بالشمال للوصول الى ساحله وبحره وإقامة «إمارة إسلامية» وإلحاق لبنان بدولة «داعش»، وهو مخطط تعلن عنه هذه الجماعات التي باتت تشكّل خطراً على البشرية وتدميراً للإنسانية التي هم خارجها، ويمارسون كوحوش كاسرة تسكن الغابات.
فالربيع القادم هو موعد الحسم العسكري مع المجموعات الإرهابية، فكما يتوقع السيد نصرالله حصول المعركة فإنها قد لا تبقى محصورة فـي جرود عرسال لا بل قد تمتد على طول السلسلة الشرقية من البقاع الشمالي الى نحلة وبريتال وصولاً الى الزبداني وقوسايا وامتداداً الى دير العشائر وحلوى وعين عطا لتنتهي فـي شبعا التي ستتأثر فـي المعركة الجارية فـي جنوب سوريا فـي أرياف القنيطرة ودرعا ودمشق، حيث يتقدم الجيش السوري مع «حزب الله» و«الحرس الثوري الإيراني»، إذ يتخوف المطلعون على سير المعركة أن يفر المسلحون من هذه المناطق بإتجاه لبنان، كما حصل فـي عرسال، فـيفتح العدو الإسرائيلي لهم الطريق من القنيطرة وجبل الشيخ الى شبعا وكفرشوبا والهبارية وكفرحمام أو ما يسمى «العرقوب» ليصطدم الإرهابيون مع الجيش اللبناني و«حزب الله» فـي هذه المنطقة الإستراتيجية، فتعيد «إسرائيل» إقامة «حزام أمني» جديد، وهذه المرة من الجماعات الإرهابية التي حاولت أن تقيم لها ملاذاً آمناً فـي جنوب سوريا، بالتنسيق مع العدو الاسرائيلي وأنشأت ما سمي «الجدار الطيب» لمساعدة الجرحى والمرضى ونقلهم الى داخل فلسطين المحتلة للإستشفاء.
إن ربيع لبنان ساخن، وهو ما يتوقعه عسكريون اميركيون ان يحصل فـي العراق بطرد «داعش» والنصرة فـي أيار المقبل، فهل تكون بداية النهاية لهذا التنظيم الإرهابي وأخواته فـي لبنان فـيسقط هذا الخطر الوجودي الذي يهدّد اللبنانيين؟
Leave a Reply