كمال ذبيان – «صدى الوطن»
الصراع المفتوح بين الولايات المتحدة و«حزب الله» الذي يصفها بـ«الشيطان الأكبر»، بينما تصنّفه واشنطن كتنظيم «إرهابي»، بدأ منذ انتصار «الثورة الإسلامية» في إيران بقيادة الإمام الخميني، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن ينتقل الصراع إلى لبنان، مع تأسيس «الحرس الثوري الإيراني» لـ«حزب الله» في خضم الحرب الأهلية.
أميركا اتهمت الحزب مبكراً بالمسؤولية عن اعتداءات موجعة طالتها في أوائل الثمانينات، من تفجير مقر قوات «المارينز» قرب المطار، إلى تدمير السفارة الأميركية في بيروت إثر الغزو الصهيوني للبنان عام 1982، وفي العمليتين سقط مئات الضحايا من أميركيين ولبنانيين، ومنذ ذلك الحين، وكلا الطرفين يعتبر الآخر عدواً له، وقد لجأت الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى معاقبة «حزب الله» لأنه يقاوم إسرائيل، فيما ينظر «حزب الله» إلى أميركا على أنها داعمة للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وحارسة لأمن الكيان الصهيوني ومصالحه، حتى لو اضطرت إلى تخريب المنطقة وإحداث الفتن الداخلية والإقليمية، لتكريس الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ورفض حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه.
الصراع المزمن
هذا الصراع المزمن الذي يعود إلى أربعة عقود، لم ينشأ مع «حزب الله» إذ أن القوى والأحزاب الوطنية والقومية واليسارية في لبنان، كانت ترى في أميركا أنها حامية وداعمة للكيان الصهيوني، قبل ظهور «المقاومة الإسلامية» في لبنان.
وكانت الدعوات تصدر عن هذه الأحزاب والقوى لقطع العلاقات مع واشنطن وطرد سفيرها من لبنان، وإغلاق سفارتها، بسبب مساندتها للعدو الإسرائيلي، وانحيازها إليه، وعدم إدانتها للاعتداءات المتكررة على لبنان واحتلاله، سواء في عام 1978 أو 1982 عندما غزت القوات الإسرائيلية بلاد الأرز لتصفية المقاومة الفلسطينية التي كانت قد أنشأت ترسانة صواريخ لها في الجنوب، تهدد أمن الجليل خصوصاً، والكيان الصهيوني عموماً.
لم تدعم واشنطن لبنان في إخراج الاحتلال منه، عملاً بالقرار 425 أو 1701، بل تولت المقاومة هذه المهمة فحرّرت الأرض بقوة السلاح عام 2000 وأجهضت عدوان صيف 2006 الذي أسفر عن هزيمة «للجيش الذي لا يقهر»، وهو الجيش الذي لم يطرد من أرض عربية احتلّها منذ العام 1948، لكنه انسحب من الجنوب مطلع الألفية الحالية دون قيد أو شرط، أو وثيقة سلام.
العقوبات الأميركية
منذ ثمانينيات القرن الماضي لم يتوقف الصراع بين المقاومة وواشنطن، وظلت المعركة مع المؤسسات الرسمية الأميركية قائمة، وقد حصل تفجير لأحد مباني الجامعة الأميركية في بيروت عام 1992، اتّهم «حزب الله» بتنفيذه، فتمّ تصنيفه إرهابياً، وبدأت العقوبات الأميركية تتوالى ضده، سواء في وضع أسماء من قيادته وأفراده على «لائحة الإرهاب»، وصولاً إلى مضايقة كل مَن يشتبه بأنه يساعد «حزب الله»، ويؤمّن له التمويل، الذي قرّرت واشنطن تجفيفه عن كل المنظمات «الإرهابية»، وزادت من تصعيدها بعد أحداث 11 أيلول، إذ باتت غالبية المؤيّدين للمقاومة تحت المراقبة الأميركية، لاسيما مَن تعتبرهم أميركا أنهم أيادي «حزب الله» التي تصل إلى كل مكان في العالم.
فبدأت عمليات التضييق والحصار لمتمولين شيعة، لخلق إرباك داخل البيئة الحاضنة للمقاومة، حيث تمّ توقيف وسجن أفراد، قالت الإدارة الأميركية إنهم يعملون لصالح «حزب الله» في شبكات تهريب وتبييض أموال وبيع سلاح لدول ومنظمات، وقد وصل تشديد الإجراءات على «حزب الله»، إلى حد التفتيش عن الداعمين لـه من داخل وخارج الطائفة الشيعية، كـ«التيار الوطني الحر» والرئيس نبيه برّي، حيث تدور مناقشات في أروقة القرار بواشنطن حول توسيع العقوبات ضد المقاومة لتشمل شخصيات من خارج الحزب في ظل الأزمة القتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان هذه الأيام.
المال مقابل السلاح
من ضمن إجراءاتها ضد «حزب الله»، بدأت الإدارة الأميركية الحالية، كما سابقاتها، باستخدام الحرب المالية والاقتصادية، فلجأت إلى وضع مصارف لبنانية على اللائحة السوداء، بتهمة تسهيل إنتقال الأموال إلى «حزب الله»، ومن آخر هؤلاء «جمال ترست بنك» الذي أقفل قبل عامين، وكذلك كيانات وأفراد، لهم صلة تنظيمية بـ«حزب الله» أو متعاونين معه وحلفاء، وكل ذلك تحت شعار تجفيف منابع تمويل «الإرهاب»، ومنع تدفق الأموال إليه، عبر المصارف أو تبييض أموال.
كما حصلت عملية رصد لرجال مال وأعمال شيعة يعملون في أفريقيا أو الأميركيتين الشمالية والجنوبية وبعض الدول الأوروبية، وشجّعت واشنطن دولاً حليفة لها، لتصنيف «حزب الله» إرهابياً كبريطانيا ولاحقاً ألمانيا التي كانت على تواصل مع قيادة الحزب، وعملت كوسيط بينه وبين إسرائيل لإطلاق سراح أسرى من الطرفين، لكن الضغوط الصهيونية بدأت تفعل فعلها على دول عدة، لتصنيف «حزب الله» إرهابياً، وفرض معادلة «المال مقابل السلاح»، أي أن يسلّم سلاحه للحكومة اللبنانية، التي تحصل على مساعدات ودعم وقروض مالية، تُخرج لبنان من أزمته التي بلغت ذروتها مع اقتراب سعر صرف الدولار سقف العشرة آلاف ليرة هذا الأسبوع، وقد يرتفع إلى ما فوق هذا السعر، مما قد يشعل الشارع مجدداً مع غلاء الأسعار ونفاد السلع الغذائية.
صيف ساخن
مع سقوط لبنان في الحفرة المالية، وصعوبة خروجها منها، في المدى المنظور، وتلكؤ دول عن مساعدته إلا بشروط مرتبطة بسلاح «حزب الله»، فإن اللبنانيين أمام صيف ساخن، على كل الصعد المالية والاقتصادية والمعيشية وربما الأمنية، مع ازدياد نسبة الفقر التي وصلت إلى نحو 45 بالمئة وفق التقديرات.
وحذّر وزير الداخلية محمد فهمي، بأن سوء الأحوال المالية وفقدان السيولة من جيوب المواطنين، سوف يؤديان إلى انفلات أمني، بدأت نذره بالظهور من خلال أعمال التخريب والاعتداءات على الممتلكات الخاصة والعامة، التي منها ما هو منظم ومنها ما هو نتيجة للاحتقان الشعبي وخطر الجوع الذي بات يهدد مليون ونصف مليون لبناني، والرقم إلى ارتفاع.
وبالفعل بدأ فقدان المواد الغذائية فيما الأوضاع الاقتصادية إلى مزيد من التردي، وقد قال عنها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بأن الزمن سيعود بنا إلى الوراء، إلى أيام أجدادنا، الذين عاشوا في القلّة كما يقال، وسيظهر أن الرفاهية التي عاشها اللبنانيون لسنوات، كانت فقاعة كاذبة…
سقط القناع وتبين للشعب اللبناني، أنه كان يعيش وهماً، وقد استفاق على دولة مفلسة وخزينة فارغة، بينما شبح الفقر يتمدّد في أرجاء البلاد، أما فريق ما كان يسمى «14 آذار»، فقد هبّ لتحميل «حزب الله» مسؤولية إفقار وتجويع اللبنانيين، وهو ما بثّته السفيرة الأميركية دوروثي شيا، وعبّرت عنه بمقابلات إعلامية، ركّزت فيها أنه لا يمكن للبنان أن يتعافى بوجود «حزب الله» في الحكومة واستمرار سلاحه، ولا بدّ أن يسلّم هذا السلاح إلى الدولة اللبنانية، التي لها حق السيادة على أراضيها.
كلام شيا أعاد المطالبة برفض «الدولة داخل الدولة»، وهو الكلام الذي يكرّره مسؤولون في أحزاب وتيارات مناوئة للمقاومة، تعتبر أن «حزب الله» جزءاً من «محور» يمتد من طهران إلى غزة مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، وقد بدأ تحريض الشارع على «حزب الله» باتهامه بالمسؤولية عن الأزمة المالية والمعيشية. فهنالك من يتهمه بتهريب المواد الغذائية والمشتقات النفطية إلى سوريا، وكذلك الدولارات، وقد بدأ الشارع لاسيما مَن تحرّكهم «القوات اللبنانية» يطالبون بالتخلص من السلاح غير الشرعي، وهو الذي كلّف إسرائيل حرباً خاسرة في صيف 2006.
وإذا فشلت إسرائيل قبلاً في تحقيق أهدافها، فإن نشوب حرب جديدة بين المقاومة وإسرائيل ليس مستبعداً، خاصة مع تمدّد دولة الاحتلال في «البلوك 9» المتنازع عليه في «المنطقة الاقتصادية الخالصة» في البحر الأبيض المتوسط، والذي يعتبره لبنان تابعاً لسيادته، لكن أميركا انحازت للكيان الصهيوني عبر مندوبها فريدريك هوف، واقتطعت له مساحة 360 كلم2 منه، بينما أعطت لبنان 500 كلم2.
ورغم أن لبنان طالب بترسيم الحدود البحرية، لكن مطلبه قوبل برفض من الإدارة الأميركية، التي أعلن وزير خارجيتها مايك بومبيو، بأن «حزب الله» يجب أن يخرج من المعادلة الداخلية، وهو الضغط الذي تمارسه السفيرة الأميركية في لبنان، عبر تحريضها الإعلامي كما السياسي ضد «حزب الله».
وقد اتهمها مؤيدون للمقاومة بأنها تحرض على اقتتال اللبنانيين، فمنعها القاضي محمد مازح من التصريح الإعلامي مما تسبب بأزمة قضائية انتهت باستقالة مازح!
الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أعلن بوضوح أنه لن يسمح للأميركيين بمحاصرة اللبنانيين وتجويعهم، مؤكداً أنه إن حصل ذلك «فسنقاتلهم ونقتلهم».
هو رد مباشر من قائد المقاومة، وتحذير لا يخلو من الخطورة. فإذا استمرت أميركا عبر وكلائها في الداخل والخارج بعملية رفع سعر الدولار، التي تنفي السفيرة شيا أي دور لبلادها فيها، بل تتّهم «حزب الله» بتهرب العملة الصعبة إلى سوريا مع بدء تطبيق عقوبات «قانون قيصر»، فإن لبنان سيواجه صيفاً ساخناً اقتصادياً ومعيشياً، وربما أمنياً دون استبعاد مغامرة عسكرية إسرائيلية في ظل قرار العدو بالمضي قدماً بضم الضفة الغربية وغور الأردن والتعدي على ثروة لبنان النفطية.
Leave a Reply