بيروت – لم يبد سقوط «الأرثوذكسي» بالضربة القاضية مفاجئا للبنانيين، خاصة وأن قوى رئيسية في البلاد، وعلى رأسها تيار المستقبل والحزب الإشتراكي، كما لم يتفاجأ الكثيرون بإجهاضه من قبل رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، الذي تنصل سريعاً من الإجماع المسيحي على مشروع القانون الذي كان سيمنح المسيحيين فرصة انتخاب جميع ممثليهم تحت قبة البرلمان.
ساحة النجمة في وسط بيروت |
«لم نقدّم وعودا في الأساس لننكث بها»، هكذا، حاول رئيس حزب «القوات اللبنانية» تبرير إجهاضه للمشروع الأورثوذكسي حيث شن جعجع هجوماً مضاداً على رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون، من دون أن يسمّيه، معلنا انتهاء «شهر العسل المسيحي» الذي بنى أمجاده على القانون «الأرثوذكسي» الذي كان دفنه كفيلا بإعادة إحياء «الجبهة القواتية العونية» سريعا.
عون تحدّث عن فريق «نكث بوعوده»، غامزا من قناة جعجع، فيردّ الأخير سريعا، متنصلا من أيّ «وعود» في الأصل، متمنيا على جمهور «التيار» أن يتصرّف بـ«منطق وعقل» وسط غضب شعبي عارم في الشارع المسيحي وصل الى حد وصف «الحكيم» بـ«يوضاس» الذي خان المسيح (ع).
سقوط الأورثوذكسي المرفوض تماماً من حلفاء جعجع (المستقبل والإشتراكي) جاء بعد أشهر طويلة من المماطلة والمناورة انتهت بحلول موعد ١٥ أيار الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه بري للبت بالطرح الأورثوذكسي. وساعات قليلة كانت كافية بتغيير «الأجندة» التشريعية برمّتها حيث تحوّل «الأرثوذكسي» من بند وحيد على جدول أعمال جلسة مجلس النواب العامة إلى بند «ساقط»، أطاح بالجلسة نفسها، وذلك بعد أن خرجت «القوات» من صفوف المؤيدين للقانون، بفعل توصّلها مع كل من تيار «المستقبل» وجبهة «النضال الوطني» التي يتزعمها النائب وليد جنبلاط لتوافق على قانون «مختلط»، تحفّظ عليه حزب «الكتائب» نفسه، الذي أوضح النائب سامي الجميل أنها أخذت عهدا على نفسها بعدم التوقيع على أيّ شيء لا توافق عليه.
وبدل جلسة مجلس النواب، كانت لقاءات «على الهامش» واستعادة لـ«أمجاد» لجنة التواصل النيابية، التي أعيد إحياؤها بقدرة قادر، على أن تعقد اجتماعات «متواصلة» برئاسة بري، بانتظار الموعد «الحاسم» الجديد، المقرّر مساء الجمعة (مع صدور هذا العدد). وأمام هذا المشهد باتت مسألة إقامة الإنتخابات -عملياً- مفتوحة على احتمالين لا ثالث لهما، إما التمديد للمجلس النيابي وإما السير بـ«قانون الستين»، بدءا من الاثنين المقبل
فبعد أن سقط الاقتراح «الارثوذكسي» دبت الحياة مجدداً بـ«قانون الستين»، وذلك على يد «الاتفاق الثلاثي» بين «القوات» و«الاشتراكي» و«المستقبل»، كما سقط اقتراح بري بالمزاوجة بين «الارثوذكسي» و«الستين»، على يد «الثلاثي» نفسه. واعتبارا من يوم الاثنين المقبل، يبدأ سريان المهل الجديدة للترشيح (من 20 الى 25 أيار الحالي) وفق «قانون الستين»، وها هي الانتخابات ما زالت محددة في 9 حزيران، ولا قدرة على إجرائها لا سياسيا ولا لوجستيا، وها هي ولاية المجلس النيابي الحالي تقترب من نهايتها في 20 حزيران.
الى خيار من اثنين:
وفي ظل تمسك «الثنائي الشيعي» (أمل وحزب الله) برفض التسليم بـ«قانون الستين» وعدم السير به لا ترشيحا ولا اقتراعا ولا مشاركة تحت أي مبرر او عنوان، خاصة ان «الستين» يشكل عنوانا لإعادة إنتاج أزمة وطنية مفتوحة منذ ثماني سنوات، وبالتالي، لا يمكن لـ«حزب الله» تحديدا أن يسلم رأسه لمنظومة سياسية صارت أكثر اندفاعا من الرعاة الدوليين للقرار 1559 بنزع سلاحه.
وهو ما يعني أن أزمة الإنتخابات ستبقى مفتوحة أمام خيار تمديد ولاية مجلس النواب. غير أن اللافت للانتباه، أنه على مسافة ساعات قليلة من دنو لحظة حسم الخيارات بالنسبة للتمديد النيابي الحتمي، تداخلت المعطيات السياسية والحكومية، التي لم تكن منفصلة بالأساس، فإذا بـ«تيار المستقبل»، يشترط في الساعات الأخيرة، على الرئيس بري، مقايضة التمديد المجلسي بصيغته الحكومية (8+8+8 مع المداورة في الحقائب)، وذلك تحت طائلة عدم السير بالتمديد والذهاب بدءا من الاثنين المقبل إلى تقديم الترشيحات وفق «قانون الستين».
والمفاجأة الثانية، تمثلت في أن الرئيس بري (وضمنا «حزب الله») كان متفقا مع النائب وليد جنبلاط على خيار التمديد التقني شكلا، السياسي مضمونا، غير أن الزعيم الدرزي، وتحت وطأة «التزاماته الجديدة»، بدا متلعثما في الساعات الأخيرة، ومارس لعبة الغموض أو «الغميضة»، من دون أن يترك بصمات تدين تبنيه موقف «المستقبل» (السعودية عمليا) بالربط بين التأليف الحكومي والتمديد النيابي.
والأمر غير المفاجئ، أن جعجع ومن موقعه «كمدافع أول، تاريخياً عن حقوق المسيحيين»، سيجد نفسه، مضطرا لمسايرة الزعيمين «المستقبلي» و«الاشتراكي» برفض التمديد أو السير به لاحقا، من دون استبعاد احتمال أن يطلب منه تسجيل موقف اعتراضي إذا كان نصاب التمديد متوافرا، حفظا لماء الوجه، في ضوء تداعيات سقوط «الأرثوذكسي» على صورته مسيحيا.
وإذا كان لسان حال السعودية، عبر رسائل متعددة ومن خلال قنوات كثيرة، بأنها لا تريد أي توتير للساحة اللبنانية، فإن أهل الحل والربط في جدة والرياض، واستنادا إلى «قراءات لبنانية»، باتوا على قناعة كاملة «بأن «حزب الله» الغارق حتى أذنيه في «المستنقع السوري»، والمستنزف حتى آخر مقاتليه و«قوات تدخله» و«سراياه» في احتمال مواجهة عدوان اسرائيلي في كل لحظة، لا يمكن أن ينزلق، مهما بلغت خشونة صوته وارتفاع نبرته، الى أي اشتباك داخلي، من أي نوع كان، وبالتالي، يمكن وضعه تحت الأمر الواقع حكوميا، طالما أن الانتخابات متعذرة».
وإذا كان «حزب الله»، قد اختار حتى الآن التحذير من خطورة وعواقب أي خطوة تؤدي الى انتخابات على اساس «الستين» أو فرض حكومة أمر واقع، ناصحا بلسان أكثر من قيادي فيه الآخرين «بألا يجربونا»… فإن كل المعطيات تشير الى أن الحزب قد اتخذ قرارات استراتيجية، بعضها بالتنسيق مع حلفائه، وبعضها خاصة به، لاعتبارات تتصل بأن المطلوب «رأس الحزب» نفسه.
وبمعزل عن العقبات التي تعترض خيار التمديد الذي سيتقدم على ما عداه في الساعات المقبلة الفاصلة عن موعد جلسة الغد، فان السؤال التالي، يتصل بالسقف الزمني للتمديد: أربعة أشهر، ستة أشهر، تسعة أشهر، سنة، أم سنتان كما يفضل الرئيس بري.. فيما يرى المراقبون أن التجاذبات الداخلية هذه ليست سوى مجرد محاولة لشراء الوقت الى أن تتبيّن تطورات الازمة السورية تحديداً.
Leave a Reply