كمال ذبيان – «صدى الوطن»
إنطلق قطار الإنتخابات البلدية والإختيارية في لبنان، وكان تشكيك قد سبق إجراءها، على خلفية أنها لن تحصل وسيتم التمديد للمجالس البلدية والهيئات الإختيارية، على غرار ما حصل في مجلس النواب الذي مدّد لنفسه، متذرعاً بعدم إجراء الإنتخابات النيابية، لأسباب أمنية، وهو ما أسقطته المرحلة الأولى من الإنتخابات البلدية التي تمّت بنجاح، وفي ظل ظروف أمنية هادئة، حتى أن بلدة عرسال حصلت فيها الإنتخابات بهدوء تام وكان التخوف من أن لا تجرى فيها لأن في داخلها يوجد حوالي مئة ألف نازح سوري وفي جرودها مسلحون من تنظيمي «داعش» و«النصرة»، وقد يعملان على تفجير الوضع الأمني في المنطقة، ويحركان خلايا نائمة لهما في الداخل اللبناني لتعطيل الإنتخابات، إلا أن هذا لم يحصل، وجرت الإنتخابات في ثلاث محافظات هي بيروت والبقاع وبعلبك – الهرمل، وهو ما ساهم في تعزيز الثقة لدى المواطنين بأن المراحل الباقية من الإنتخابات ستحصل في مواعيدها، والإستحقاق سيجري في محافظة جبل لبنان في 15 أيار الحالي والتي تضم ستة أقضية، ونحو 834,767 ناخباً و477 بلدة و325 بلدية و3669 عضو بلدي و797 مختاراً و1377 عضواً إختيارياً، على أن تجري الإنتخابات في محافظتي الجنوب والنبطية في 22 أيار الحالي، وفي محافظتي الشمال وعكار في 29 أيار.
والإنتخابات شابتها مخالفات قانونية، فسجّلت هيئات الرقابة عليها ا حوالي 625 مخالفة وهي اتخذت طابعاً سياسياً، ومنحى طائفياً، وحضوراً عائلياً، وهو ما لا يلحظه قانون البلديات الذي لا ينص على أي توزيع طائفي وعائلي لأعضاء البلدية ورئيسها، كما للمختارين والأعضاء الإختياريين، فالقانون مدني بإمتياز، على عكس قانون الإنتخابات النيابية الذي يوزع المقاعد على الطوائف والمذاهب، ويحفظ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وفق ما جاء في المادة 95 من الدستور، التي نصّت على اعتماد الطائفية كحالة مؤقتة، ريثما تحصل صحوة وطنية، فتلغى، وهو ما أكّد عليه إتفاق الطائف الذي نص على تشكيل هيئة وطنية تعمل على إلغاء الطائفية. وقانون البلديات حوّلته الأعراف التي باتت أقوى من القوانين من مدني الى طائفي وعائلي وما يتفرّع من العائلية من أجباب وأفخاذ إلخ.. وهو ما ترك الإنتخابات البلدية تنحرف عن أهدافها الإنمائية والإدارة المحلية للمدينة والبلدة، الى صراع عائلي وأحياناً سياسي مغطى بعائلي، وهذا ما يجعل البلديات تغرق في لعبة المحاصصة الطائفية والعائلية والسياسية.
وقد تكون التركيبة المجتمعية للبنان، والتنوّع الطائفي والمذهبي فيه، هو ما يفرض السير بأعراف، وهذا ما ينطبق على السلطات الدستورية لرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، التي لم يوحد نص دستوري يوزع هذه الرئاسات على الطوائف والمذاهب، بل ما سمي «ميثاق غير مكتوب» تمّ خلاله التوافق على أن توزع كما هي الآن، وهو معمول به منذ عام 1943، تاريخ استقلال لبنان، ولم يكن هذا العُرف معمولا به في زمن الإنتداب الفرنسي.
وبالرغم من إعطاء طابع عائلي للإنتخابات البلدية، إلا أن السياسة غلبت على العائلية، وتقدمت الأحزاب والتيارات السياسية في نسج التحالفات وتشكيل اللوائح، ولقد كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله صريحاً وواضحاً عندما أكّد أن للإنتخابات البلدية والإختيارية طابعاً سياسياً، ولا يتلطّى أحد وراء المجتمع المدني أو هيئاته، وأن عمل الأحزاب هو في صميم المجتمع، حيث يطمح كل حزب أن يفوز بمجالس بلدية ليقدم للبلدات والمدن المشاريع الإنمائية، ورفع شأنها التربوي والصحي والخدماتي حيث لكل بلدية موازنة تقوم بصرفها على إنجاز البنى التحتية، وبالتعاون مع الوزارات والإدارات الرسمية المختصة.
فالسياسة تقف وراء الإنتخابات البلدية، وهذا ما حصل في بيروت، عندما قام إئتلاف بين أحزاب وتيارات سياسية، تمثّلت في «لائحة البيارتة» وضمّت كلاً من: «تيار المستقبل»، حركة «أمل»، «الحزب التقدمي الإشتراكي»، «القوات اللبنانية»، «التيار الوطني الحر»، «الكتائب»، حزب «الطاشناق»، حزب «الرامغفار»، والنائب ميشال فرعون، وغاب عنها «حزب الله» الذي رفض الترشح والمشاركة في الإقتراع، وهو ما فعله في الدورة السابقة عام 2010.
«بيروت مدينتي».. من رحم الحراك المدني
وفي المقابل، نافست «لائحة البيارتة» المدعومة من أحزاب السلطة، وفي تحالف متناقض، لائحة «بيروت مدينتي»، التي كانت ظاهرة جديدة، هي تعبير عن «الحراك المدني» و«الشعبي» الذي ظهر في صيف 2015، مع بدء أزمة النفايات التي فجّرت تحركاً في الشارع رفضاً للسلطة القائمة، وللطبقة السياسية الفاسدة، إذ جرى التجاوب مع لائحة «بيروت مدينتي» لتحصد حوالي 31 ألف صوت، وهو رقم متقدم كاد أن يخرق لائحة السلطة التي نالت 45 ألف صوت، أي ما يوازي 10 بالمئة من عدد الناخبين المقدرين بحوالي 480 ألفاً، حيث لم يسجل سوى إقتراع نحو 20 بالمئة منهم وهي نسبة متدنية تسجل في العاصمة بيروت للدورة الثانية من الإنتخابات البلدية، كما النيابية، وهي جاءت تعبيراً عن رفض السير وراء «تيار المستقبل» والسياسة التي إعتمدها آل الحريري، إذ يرى أهل بيروت أنهم أصبحوا خارجها بسبب إرتفاع أسعار الشقق التي لم تكن تُبنى لهم، بل أبراج ليسكن فيها الأغنياء، وهم تمّ رميهم في ضواحي بيروت في الشويفات وعرمون والناعمة والسعديات وعلى طول الساحل الجنوبي، وصولاً الى صيدا، وهو الأمر نفسه ينطبق على المنطقة الشرقية من بيروت كما على غربها، إذ أصبح أهل الأشرفية وكرم الزيتون والسيوفي والرميل والصيفي، موزعين على الضواحي في الزلقا وجل الديب وإنطلياس وصولاً الى كسروان وجبيل.
معركة زحلة
فأهل بيروت إنكفأوا عن الإنتخابات، وقد عبروا عن رفضهم لواقعهم، بعدم المشاركة فيها، إلا أن أخطر ما برز، وكاد أن يحصل هو الإطاحة بالمناصفة في المجلس البلدي بين المسلمين والمسيحيين، والذي كرّسه الرئيس رفيق الحريري بالعُرف المعمول به، وأكّد عليه ونفّذه سعد الحريري، إذ كان الخوف من التشطيب، وبأن يجيّر السّنّة أصواتهم لمرشحيهم، ومنهم مَن هو خارج «لائحة البيارتة»، وهذا ما حصل في بعض المناطق، وكذلك جيّر المسيحيون في الدائرة الأولى التي تضم الأشرفية والصيفي والرميل، أصواتهم اللائحة «بيروت مدينتي»، وللائحة الوزير السابق شربل نحاس، وهذا ما أغضب الحريري الذي تحدّث عن غدر وعدم الإلتزام باللائحة والوفاء لها، وهو ما كشف عن ظهور عصبيات طائفية، تمّ التعبير عنها في مدينة زحلة، التي خاضتها «الأحزاب المسيحية» (الكتائب والقوات اللبنانية و«التيار الوطني الحر»؟) بوجه لائحة «الكتلة الشعبية» المدعومة من السيدة ميريام سكاف حرم النائب الراحل إيلي سكاف، إذ استغلّت هذه الأحزاب زيارة الرئيس سعد الحريري للسيدة سكاف قبل الإنتخابات، لتعزف على وتر مصادرة قرار زحلة علماً أن نواب «الكتائب» و«القوات» فازوا بأصوات السُنّة لـ«تيار المستقبل» في الإنتخابات النيابية عام 2009.
فزحلة المدينة وعاصمة كاثوليك لبنان، خسرت أمام تحالف «المارونية السياسية»، وهي محاولة من «الأحزاب المسماة مسيحية»، لإغلاق منزل آل سكاف السياسي، وهو ما مورس مع عائلات سياسية أخرى، إلا أن «اللائحة السكافية» نالت أصواتاً مرتفعة (9 آلاف) وأثبتت استمرارية زعامة آل سكاف، كما برز آل فتوش بتشكيل لائحة ترأسها موسى فتوش شقيق النائب والوزير نقولا فتوش، وبات رقماً في معادلة زحلة بنيله حوالي 8 آلاف صوت.
وفي البقاع الغربي والأوسط، حافظ «تيار المستقبل» على وجوده في العديد من البلدات الرئيسية، حيث تحالف في بعض منها مع رئيس «حزب الإتحاد» الوزير السابق عبدالرحيم مراد، كما تقدّم في بعض البلدات تحالف بين «التيار الوطني الحر» و«الحزب القومي»، كما في صغبين، وفوز لائحتهما، وكذلك في مشغرة، التي فاز فيها تحالف الأحزاب، وتقاسم البلدات في راشيا وقضائها الحزب التقدمي الإشتراكي مع القومي والنائب السابق فيصل الداوود.
تحالف «الحزب» و«أمل» يكتسح بلديات بعلبك -الهرمل
وكان الفوز الكبير لـ«حزب الله» وتحالفه مع حركة «أمل» إذ حصل على 80 بلدية بكاملها مع خروقات فردية في ست بلديات، واعتبار بعض البلديات في إطار التحالف الشيعي، وهو ما كان يريده «حزب الله» للتأكيد على الإلتفاف الشعبي الذي يحظى به، في منطقة هي على تماس وقتال مع الجماعات الإرهابية في السلسلة الشرقية لجبال لبنان المتاخمة للحدود اللبنانية–السورية، والتي ابتعد خطرها عن بعلبك–الهرمل خصوصا والبقاع عموماً، وهو ما أكسب لوائح «التنمية والوفاء» هذا التأييد الشعبي في الإنتخابات البلدية والإختيارية التي خاضها «حزب الله» مباشرة مع حركة «أمل»، واعتبرها سياسية بإمتياز.
فمع إنتهاء المرحلة الأولى من الإنتخابات البلدية بأمن وآمان، وعدم تسجيل أي إشكال أمني، وهو ما سيحصل في المراحل القادمة حتى نهاية الشهر الحالي، فإن الذريعة الأمنية التي قُدّمت كحيثية لعدم إجراء الإنتخابات النيابية، وتأجيلها في العام 2013 ثمّ في العام 2014، ولم تكن مقنعة، لم يعد من مبرر لعدم حصولها وهذا ما أكد عليه الرئيس نبيه بري بانه سيقصر مدة التمديد للمجلس سواء تم الاتفاق على قانون الانتخاب أم لا فثمة قانون نافذ وقد أفتى المجلس الدستوري في جوابه على الطعن المقدم برفض التمديد، بأن إنتفاء الوضع الأمني، لا يبرر عدم إجراء الإنتخابات النيابية، مع وجود قانون نافذ حالياً، ولا يجوز التذرّع حول عدم إجرائها بسبب الخلاف على القانون، الذي يجب أن يعدّل لكنه ليس عقبة، فالإنتخابات البلدية فتحت الطريق أمام النيابية.
Leave a Reply