تحاول الهرب من الوضع اللبناني المقرف لكن شبه الوطن يأبى إلا ان يدفعك دفعاً للكتابة عنه بسبب التناقضات المعهودة فيه والتي قل نظيرها بين البلدان. فالوضع اللبناني لم يعد محصَّناً كما في السابق بعد عودة الخرق الأمني الإسرائيلي الذي حاول اغتيال قائد فلسطيني، عدا عن التحالفات التي «تخربطت» بينما البلد مقبلٌ على استحقاق انتخابي تشوبه الشكوك وكأن قدر هذا البلد أن تكون الانتخابات فيه أمر مصيري قد تحصل أو لا تحصل تحت ذرائع واهية أو كأنها «تربيح جميلة» للشعب من قبل الحكام الأبديين!
فحوادث السير المميتة تقع يومياً في لبنان ويراها كل العالم على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب وجود سيارات أكثر من عدد السكان مع إفتقار البلد للتخطيط المدني والمديني والهندسي وقيام السائقين بقيادة سياراتهم بسرعة جنونية وكأنهم في بلد أوروبي يتحلى بشبكة اوتوسترادات عريضة واسعة وحديثة، كما أن جرائم القتل أخذت تتفشى بشكل يومي وخطير خصوصاً تلك التي يرتكبها الرجال بحق زوجاتهم بحيث أصبح الإجرام عادة طبيعية بعرف الإعلام الأحمق في لبنان الذي استصرح أحدهم وهو يمثِّل جريمته بحق زوجته من دون وازع وكأن هذا الإعلام يشجع على هذا العمل الشنيع طلباً للإثارة المبتَذَلة. بالمناسبة، تمثيل الجريمة في موقع الجرم أمر لا يسمع به العالم إلا في بلد العجائب. أفلا يكفي إعتراف المجرم بتفاصيل جريمته حتى يتم تمثيلها في مسرح الجريمة بشكل مازوشي سادي وتحت أعين الإعلام الرخيص؟! قتل الزوجات (في يوم واحد قتلت ثلاث نساء من قبل أزواجهن) تخطى الجنون وفاق عن الحد بحيث أضحى ظاهرة خطيرة بالطبع لا تهم وحوش السياسة في لبنان. والأمر بالطبع ليس مقتصراً على قتل الزوجات فقط فهناك مجرمات ارتكبن نفس الفعل الشائن مثل تلك المرأة التي قتلت زوجها في حي السلم وقطعته إرباً مع عشيقها.
وفِي الوقت الذي ينذر فيه الوضع المعيشي والاجتماعي بالشر وهو يشكل 99 بالمئة من هذه الجرائم، يتلهى السياسيون والشعب بالقشور ويختلفون حتى على أبسط البديهيات مثل العمالة ومقاطعة العدو الإسرائيلي. فقد برز تيار متحمس جداً من بقايا مجلس قيادة الثورة في 14 آذار، للرفيق ستيڤن سبيلبيرغ الذي نزل له فيلم «البوست» في بيروت وسط مطالبة مؤيدي مقاطعة إسرائيل بمنعه من العرض بسبب تبرعه شخصياً للعدو بمليون دولار من ماله الخاص خلال حرب تموز 2006. فتحت ستار الفن والثقافة والعلوم يريد فريق الدروندي فارس سعيد و«قرطة حنيكر» تمييع وحتى إلغاء المعركة الثقافية مع العدو الذي لم يكتف بسرقة الأرض فقط بل حتى الطعام من فلافل وحمص وتبولة لدرجة أن الطهاة في أميركا يصفون هذا الصنف من الطعام بأنه إسرائيلي، فأين حماسة أنصار الفينيقية اللبنانية المتفاخرة بأكبر صحن فول وحمص وأين حميّتها؟
لا شيء جديد على أحصنة طروادة ومشجعي العمالة مثل الدويري ومن لف لفه بل بلغت الصفاقة ان هذا النظام المهتريء حتى النخاع يريد مقاضاة الإعلامي هشام حداد بسبب «تنفسه» ضد بن سلمان، بينما تُشتم سوريا وإيران وحتى فريق وازن كبير في البلد هو المقاومة كل يوم، ولا يحرّك هذا النظام ساكناً. بل أن هذا القانون الملتويء الذي قاضى مارسيل غانم على مضض ولَم يبق أحد إلا ودافع عن دفاعه عن السبهان ومملكة الرمال ضد رؤساء بلده وعن حقه في استخدام إصبعه الأوسط، يحاكم إعلامياً لم تغره أموال بني سعود ورشواتهم وهو بذلك يستحق ميدالية على ذلك بسبب ندرة مثل هذه المواقف الحرة.
لكن هذا كله «كوم» و«كوم» قيام النظام الموبوء بإرسال حصته لتمويل المحكمة الدولية التي مازالت «تحقق» في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبهذا يكون شبه الوطن الواقع تحت عجز قيمته 80 مليار دولار ولَم يعلن موازنة منذ 12 عاماً، قد دفع للمحكمة الميليسية الإسرائيلية 550 مليون دولار من ضمنها مصاريف شهود الزُّور حسب تقدير اللواء جميل السيّد. كان الحري بشبه الوطن أن يستثمر هذا المال لإزالة النفايات التي طمرت الشواطيء ولوثت الأنهار والبيئة ووجه لبنان السياحي والتي أدت للشماتة من قبل إعلام الغرب. للأسف أن يتم هذا التمويل في عهد الرئيس ميشال عون بينما عندما حصل هذا الخطأ في السابق كان التيار الوطني الحر في صف المعارضة أيام السيء الذكر نجيب ميقاتي، وكان موقفه متقدماً حتى على المقاومة نفسها في رفضه تمويل المحكمة الدولية. سقى الله أيَّام زمان ما قبل السلطة!
من يصدِّق أن بلداً منهوكا إقتصادياً ويضرب فيه الانحلال الاجتماعي بكل أطنابه وتفتك به الفوضى المرورية والآفات السياسية، يقوم بصرف هذا المبلغ الهائل على محكمة متآمرة ضد لبنان ومقاومته، بينما لا توجد فيه كهرباء ولا ماء والنفايات عادت لتدفن ما تبقى من حضارة. في سوريا التي صدت هجوماً كونياً عليها زهاء خمس سنوات، ما زالت تولد الطاقة الكهربائية وتبيعها للبنان كما ان الرئيس بشار الأسد أرسل وزراءه إلى المناطق المحررة لإعادة الخدمات اليها في حين أن الحرب في لبنان انتهت عام 1989. وبالمناسبة ثبتت صحة سياسة الأسد الذي تتعرض بلاده لعدوان عثماني مجرم وسافر في عفرين وسط موقف روسي مبهم، ولمؤامرة توسيع منطقة إسرائيلية آمنة قرب الجولان المحتل، ومؤامرة مسرحية الكيماوي من جديد للضغط عليها، في الإصرار على تحرير كل حبة تراب في سوريا ومنع التقسيم الاستعماري الجديد.
كما ثبت أن تجربة الأكراد الذين وثقوا بترامب ورفضوا التنسيق مع حكومتهم الشرعية في دمشق، هي درسٌ جديد لمن يريد أن يضع يده بيد حاكم مستهتر أرسل نائبه للرقص على جراح العرب من مسلمين ومسيحيين بعد قرار القدس وبعد إعلانه من جديد سحب ورقة القدس من التفاوض وابتزاز السلطة الفلسطينية بالمال.
فسوريا الأسد بجيشها وشعبها ومحور مقاومتها هي الجديرة بالحياة أما الأهوال التي مرت عليها لو خبرتها دول أخرى لأصبحت في خبر كان وكما انتصرت سوريا على الهجمة الكونية عليها ستنتصر أيضاً ضد غزو تركيا وإسرائيل، وعلى لبنان أن يلحق بركب سوريا ويعيد وصل ما انقطع بسرعة لا أن يفتش عن مصالحه بلا طائل في لاهاي أو في دافوس.
Leave a Reply