وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بإصرار وبلغة الواثق تحدث الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن مسألة التعاون الاقتصادي مع الصين، مؤكداً أن فكرة التوجه شرقاً لم تكن ارتجالية أو وليدة اللحظة، بل فرضتها ظروف المرحلة السابقة، والتي تضمنت ضغوطاً شديدة ومتدرجة على البيئة الحاضنة للمقاومة، وها هي الإدارة الأميركية تتوعد بتوسيعها يوماً بعد يوم، فضلاً عن تبعات «قانون قيصر» الذي لن يقلّ تأثيره على لبنان أقل مما هو على سوريا.
تحدث السيد نصرالله في خطابه الثلاثاء الفائت عن دراسات معمقة واتصالات جدية ولقاءات مع مسؤولين صينيين، بغرض تفعيل خطوة «الانفتاح شرقاً» التي تنادي بها قوى عديدة في لبنان لاسيما في محور «الممانعة» المعادي لأميركا.
الانفتاح شرقاً لا يقتصر على التعاون مع الصين، بل يشمل كلاً من سوريا وإيران وروسيا، لكن الحديث عن الصين ارتفعت أسهمه في الفترة الأخيرة، بالنظر إلى القدرات الاقتصادية الهائلة التي تمتلكها بكين، والتي تخوّلها دخول أية ساحة جديدة كعملاق اقتصادي، فضلاً عن كل ذلك، فإن التوتر القائم في العلاقات الصينية الأميركية والذي تزداد وتيرته يوماً بعد يوم يمنح التنين الصيني دافعاً إضافياً للتوسع والإحلال محل الأميركيين مستغلاً الهزائم المتعددة التي تلقتها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة من سوريا إلى لبنان واليمن وصولاً إلى إيران.
آخر الأوراق الأميركية تُرمى اليوم على الطاولة، بعد أن استنفدت كل الوسائل العسكرية والسياسية. آخر هذه الأوراق، هو «قانون قيصر» الذي سيدفع حتماً لبنان إلى البحث عن مصادر بديلة لدى كيانات قادرة على تخطي العقوبات الأميركية، ولعل إيران كانت السباقة في هذا المجال، فقد كسرت الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على فنزويلا بإرسالها خمس ناقلات للنفط متحدية التهديد والوعيد الأميركيين، وها هي سفنها في طرقها إلى سوريا لدعمها بشتى أنواع السلع والحاجات التي تفتقر إليها الأسواق السورية واعدة بتوجه المزيد من تلك السفن إلى اليمن أيضاً بل وبالعودة إلى كراكاس.
طموح مشروع
لا شك في أن العلاقات الصينية اللبنانية هي علاقات قائمة فعلاً، إذ تمثل السوق اللبنانية العديد من الفرص للمستثمرين الصينيين وخاصة في قطاع التكنولوجيا والبنى التحتية والطاقة والموراد الطبيعية والقدرات الإنتاجية والأنشطة التجارية، هذا ما يؤكده الخبير في الشأن الاقتصادي والأستاذ في «الجامعة اللبنانية» الدكتور نبيل سرور.
وقد أنهت شركات صينية، مؤخراً، استطلاعاً أولياً في السوق اللبنانية بخصوص جدول استثمار في قطاعي التكنولوجيا والنفط في لبنان. ويرى الدكتور سرور أن من الضروري البحث عن سبل تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الدولتين وأيضاً تعميق التعاون الاستراتيجي في شتى المجالات، لاسيما لجهة تشجيع الصادرات اللبنانية تجاه الأسواق الصينية. كما ينصح سرور بالمشاركة الحثيثة والفعالة في مختلف المعارض الصينية التجارية التي تفتح الآفاق أمام مبادلات مفيدة للجانبين اللبناني والصيني.
يؤكد سرور أيضاً أنه يمكن للبنان أن يستفيد من التكنولوجيا الصينية المتقدمة لإعادة بناء البنى التحتية والجسور والمباني وكذلك في مجال المعلوماتية وما إلى هنالك من سلع ومواد غذائية يحتاجها لبنان، كما يمكن للبنان أن يصدّر إلى الصين مجموعة من المنتجات الزراعية كزيت الزيتون وغيره من المواد العضوية التي يحتاجها الجانب الصيني مثل خشب الأرز والخمور وغيرها.
وفي السياق عينه، يرى الخبير الاقتصادي أن ما تحدث به السيد نصرالله لجهة استفادة لبنان من الصين مع إقامة شبكات مواصلات تربط الشمال بالجنوب وجسوراً وأنفاقاً وبنى تحتية، هي أفكار في معظمها طموحات اقتصادية قابلة للتحقيق خاصة في ظل العروض المشجعة التي تقدمها بكين. ويلفت الأستاذ الجامعي إلى أن ما يميز الصين هو العقلية المتواضعة والفكر الاستراتيجي والجسور، وهذه نقطة يتميز بها الصيني عن الأميركي، الذي لديه عقلية الاستثمار والهيمنة.
الهاجس الدائم
لكن ثمة هاجس أساسي ومهم، وهو ألا يكون هناك توظيف إسرائيلي واستغلال للعمال والمشاريع الصينية من خلال العلاقات الإسرائيلية مع الصين، للإفادة من دخول التنين الآسيوي إلى لبنان وتوظيف هذه العلاقات وهذه المشاريع لصالح الكيان الصهيوني.
هذا الأمر يحتاج إلى مراقبة ومتابعة بحسب سرور، كما لا بد من متابعة الحضور الصيني أثناء عرض أو تنفيذ أي مشروع أو خطة اقتصادية استثمارية في البنى التحتية. لكن المهم في هذا الأمر أن هناك طرحاً تقدم به السيد نصرالله، وفقاً لسرور، والمطلوب من الحكومة اللبنانية الآن أن تبادر إلى دراسة العروض الصينية والسعي إلى إقامة اتفاقيات مع الصين، أو بحث سبل التعاون معها.
يأمل د. سرور بأن تلاقي اقتراحات السيد نصرالله صدًى لدى الجانبين الصيني والإيراني، ولدى كل أصدقاء لبنان، مع العلم أن هذه المبادرات يمكنها بالتأكيد أن تسهم في نقل لبنان إلى مستوى «المواجهة» للأزمة التي تهدد استقراره وأمنه السياسي والاقتصادي.
ويختم بالقول إن الطرح الذي تناوله السيد نصرالله حول الاستثمارات الصينية عبر آلية BOT منطقي وقابل للتنفيذ لافتاً إلى أن الصين نفذت الكثير من المشاريع في دول عديدة معتمدة هذه الطريقة.
ما هو نظام B.O.T؟
يعتبر نظام عقد B.O.T من الأنظمة الحديثة التي تعتمدها الدول لتنفيذ مشاريع ضخمة في البنية التحتية وغيرها، مثل الأوتوسترادات والطرقات والجسور والمطارات والاتصالات والمرافىء والماء والكهرباء… فقد تبين أن إشراك القطاع الخاص في هذه المشاريع يؤمن نوعية أفضل ويوفر في الوقت والكلفة. ويعتبر هذا العقد شكلاً من أشكال تحقيق المشاريع وتمويلها، إذ تمنح شركة متخصِّصة امتيازاً لتصميم مشروع معين وتنفيذه وتشغيله بعد أن تكون الدولة قد قررت خطوطه العريضة وأهدافه. وتتولى الشركة القيام بجميع خطوات المشروع من إنشائه إلى تشغيله واستثماره لحسابها الخاص لمدة محدَّدة من السنوات، وفي نهاية مدة الامتياز تقوم الشركة بإعادة أصول المشروع إلى الدولة في حالة جيدة للاستمرار في تشغيله واستثماره، بدون مقابل أو بمقابل متفق عليه.
السفارة الصينية
وتعليقاً على إمكانية دخولها الساحة الاقتصادية اللبنانية، أصدرت السفارة الصينية الأربعاء الماضي البيان التالي: «في الأيام الأخيرة، تتابع وسائل الإعلام اللبنانية باهتمام، التعاون العملي بين الصين ولبنان. وفي الإجابة على الاستفسارات الموجهة اليها، أوضحت سفارة الصين لدى لبنان أن الجانب الصيني على استعداد للقيام بالتعاون العملي بنشاط مع الجانب اللبناني على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة وذلك في إطار العمل المشترك لبناء الحزام والطريق».
وأضاف البيان «تلتزم الصين دوماً في تعاونها مع الخارج بالدور الرئيسي للشركات والدور القيادي للسوق والدور التحفيزي للحكومة والتشغيل التجاري. تظل الشركات الصينية تتابع باهتمام فرص التعاون في البنية التحتية والمجالات الأخرى في لبنان وتبقى على التواصل مع الجانب اللبناني في هذا الصدد».
إذاً هو ترحيب واضح وجاهزية تامة من قبل بكين التي تبدي الرغبة الواضحة في اغتنام فرصة الدخول إلى السوق اللبنانية.
السفارة الأميركية
في المقلب الآخر، كان لافتاً رد السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا على الأمين العام لـ«حزب الله» حيث نفت ضلوع بلادها في التضييق على عملية ضخ الدولار إلى لبنان، معتبرة أن كلام السيد نصرالله هو «تلفيق كاذب وواضح» متجاهلة ما يمثله الأمين العام لـ«حزب الله» من ثقل ووزن سياسي واجتماعي على الساحة اللبنانية.
وكانت شيا قد رأت في حديث تلفزيوني أن «الأزمة المالية سببها عقود من الفساد»، وتوجهت إلى الحكومة اللبنانية بالقول إن «عليها تطبيق الإصلاحات». كذلك رأت أن «انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية يعكس أزمة في الثقة العامة سببت عقوداً من القرارات المالية غير السليمة»، مبيّنة أن «السبب الحقيقي للأزمة هو أن الحكومة بحاجة إلى الدولار لشراء الطعام والفيول ولكن لا توجد دولارات بسبب حجم الدين الكبير، وهو الدين الثالث الأكبر عالمياً».
واتهمت السفيرة الأميركية الصرافين «عديمي الضمير» بمضاعفة الأزمة، وذكرت بأن «الولايات المتحدة هي المتبرع الأكبر للبنان، وأنها قدمت 26.3 مليون دولار لمساعدة لبنان في مواجهة جائحة كورونا، وقدمنا 2.2 مليار دولار كمساعدات إنسانية متعلقة بالأزمة السورية».
الخيار الأخير؟
الأزمة استفحلت وبلغت مبلغاً مدمراً بكل ما تعنيه الكلمة، والشعب اللبناني يئن بطبقاته المختلفة تحت وطأتها وهو الذي بات في معظمه من الفقراء باستثناء قلة قليلة تتحكم في ثروات هذا البلد المنهوب وتتنعم بخيراته، في غياب معالجة حقيقية للوضع الاقتصادي المنهار أو سياسة حكيمة بعيدة عن المحاصصة والمحسوبيات قادرة على مواجهة التحديات والضغوط مهما كان مصدرها.
أما الخطوات الخجولة وغير المدروسة أحياناً التي تتخذها الدولة بين حينٍ وآخر، فهي لا تسهم –ولو بالحد الأدنى– في ما هو مطلوب لوقف عجلة الانهيار على الأقل.
طرح التوجه شرقاً طرح جدير بالتجربة إن لم نقرّ بأنه الخيار الأوحد المتبقي، وإلا…
Leave a Reply