بيروت – كمال ذبيان
في الوقت الذي كان اللبنانيون ينتظرون حصول لقاء سعودي-إيراني، يكون فاتحة للإستقرار في المنطقة ومنها لبنان، جاءت الأحداث في العراق لتخلط الأوراق وتبعثر الملفات وتزيل الحدود الجغرافية مع إنتشار تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، في محافظة نينوى وتمدّدها في كل من محافظتي صلاح الدين والأنبار، وتهديم الحدود بين العراق وسوريا، والزحف نحو بغداد وسامراء ومحافظة ديالى، الذي دعا إليه أمير التنظيم «أبوبكر البغدادي» الذي إنشقّ عن تنظيم «القاعدة» بزعامة أيمن الظواهري، مما أدّى الى استنفار طائفي ومذهبي، مع دعوة المرجع الشيعي في العراق آية الله علي السيستاني الى الدفاع عن المقدسات والمقامات الشيعية، ومنع إستباحتها من قبل القوى التكفيرية التي أعلنت أنها ستدمرها، وهي ما فعلته قبل سنوات في العام 2006 عندما استهدفت بالتفجير مرقد الإمامين العسكريّين في سامراء.
هذا التطوّر في الأزمة العراقية التي تدور حولها صراعات خارجية، وتحريك للإنقسام المذهبي بين مكونات المجتمع العراقي، إذ يطالب بعض السّنّة بالإنفصال عن الحكومة المركزية، كما فعل الأكراد في الشمال بإقامة «حكم ذاتي» لهم، قد بدأ يرسم خارطة جديدة للعراق المهدّد بالتقسيم، ثمّ في إعلان تنظيم «داعش» عن إقامة «الخلافة الإسلامية» من العراق وصولاً الى الشام ولبنان وفلسطين، في كل المشرق العربي أو بلاد الشام والعراق، وفق أدبيات القوى الإسلامية، فإن لبنان قلق مما حصل في العراق الذي كان احتلاله من قبل القوات الأميركية وحلفائها وإسقاط الدولة بحل الجيش بعد إسقاط نظام حزب «البعث العربي الإشتراكي»، وصوغ دستور فدرالي يسمح بتقسيم العراق الى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، وهو ما قد تكون له إنعكاسات على الجوار، يساعد على ذلك أيضاً إستمرار الأزمة السورية التي تركت تداعياتها على الدول المجاورة، وتاثر لبنان بالأزمتين السورية والعراقية.
وكانت الأحداث التي تجري في العراق أو سوريا، لها فعلها في لبنان، فعند إنهيار النظام الملكي في العراق 1958، وسقوط حلف بغداد الذي كانت ترعاه أميركا، وكان نظام الحكم برئاسة كميل شمعون في لبنان جزءاً من هذا الحلف، إندلعت أزمة سياسية، تمّت ترجمتها بمعارك عسكرية بين مؤيدين لشمعون ومعارضين له إنضووا في تحالف مضاد مثّله الزعيم جمال عبدالناصر، وأدّى الإنقلاب في بغداد الى طلب الرئيس شمعون مساعدة أميركية لحماية عهده، فجاء الأسطول السادس الى الشاطئ اللبناني، وأمّن إنتقالاً للسلطة بإنتخاب الرئيس اللواء فؤاد شهاب بالتفاهم الذي حصل بين عبدالناصر والمبعوث الأميركي ريتشارد مورفي.
والحدث العراقي الثاني الذي حصل، هو دخول القوات العراقية الى الكويت عام 1990، فتشكّل تحالف دولي لإخراجها، وكانت سوريا من ضمن قوات التحالف، فنالت مكافأة بأن عُهِد إليها تطبيق إتفاق الطائف الذي تمّ التوصل إليه نهاية عام 1989، لكن العماد ميشال عون تمرّد عليه، واعتصم في قصر بعبدا، فجاء الغزو العراقي للكويت، ليعطي لسوريا برئاسة حافظ الأسد، إشارة مرور دولية وأميركية تحديداً لإنهاء تمرّد عون ورعاية تنفيذ ما إتّفق عليه اللبنانيون في الطائف، فتمّ حل الميليشيات وأعيد بناء الدولة ومؤسساتها، ونَعِم لبنان بالإستقرار والأمن وإعادة الإعمار نحو عقدين في ظل القوات السورية، وإدارة دمشق للوضع الداخلي اللبناني، كان من إيجابياته حماية المقاومة وتأمين الدعم لها وتحقيق الإنتصار في تحرير الجنوب في 25 أيار عام 2000.
وكان الحدث العراقي الثالث، الغزو الأميركي للعراق، وإسقاط نظام صدام حسين، ومعه بدأت سوريا ولبنان يعيشان تداعياته لجهة فرض شروط أميركية عليهما تتماشى و«الشرق الأوسط الجديد»، فكان الرفض السوري مع حلفائه في لبنان لإنهاء المقاومة وتسليم سلاحها، فصدر القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي الذي أخرج القوات السورية من لبنان، وبدأ بحصار المقاومة سياسياً، وإعطاء الضوء الأخضر الأميركي لإسرائيل لشن الحرب على لبنان صيف 2006، بهدف تدمير المقاومة وسلاحها وهو ما لم يتحقق، لأن سوريا والمقاومة احتاطا للأمر، بالتمديد للرئيس إميل لحود الذي كان وجوده في قصر بعبدا مسانداً للمقاومة، مما عطّل عملية تصفيتها سياسياً وعسكرياً وشعبياً.
وجاء الحدث العراقي الرابع، هذا الشهر، بحصول خيانة داخل الجيش والشرطة، وتسليم المؤسسات الرسمية والحكومية الى المسلحين في محافظة نينوى، كرد تركي وخليجي على فوز لائحة رئيس الحكومة نوري المالكي في الإنتخابات النيابية بأكثرية تؤمن له الفوز بولاية ثالثة، وهو ما أغضب دولاً وجماعات في غرب العراق ووسطه، لترفع الصوت محتجة على تهميش السّنّة، وإبعادهم عن العملية السياسية والمشاركة في الحكم والدخول الى الجيش، وفي هذا الكلام نوع من النظر، بسبب أداء المالكي الذي تقف بوجهه أيضاً قيادات شيعية التي تتّهمه بالتفرّد في القرار وبالفساد، كما في الإقصاء، مما رتّب على ذلك حصول تظاهرات شعبية بوجهه في مناطق ذات كثافة شيعية كالبصرة أو سنّيّة كالأنبار.
وهذا الوضع العراقي ، ستكون له إرتدادات على الوضع اللبناني الداخلي، فإما أن تتحرّك إيران والسعودية لمعالجة ملفات المنطقة الساخنة والتي لكل منها دوره وتأثيره فيها دون منازع، مع وجود عوامل أخرى خارجية، إضافة الى المسائل الداخلية لكل دولة، ولبنان هو إحدى الدول المربوط حل أزمته على تطورات سوريا والعراق، والعلاقات السعودية-الإيرانية، والمفاوضات الإيرانية مع الدول الست حول البرنامج النووي السلمي، إذ أن الرهان عند بعض اللبنانيين كان على الحوار السعودي-الإيراني، وحصول تقدّم إيجابي في العلاقة بينهما، مما يسهّل إنتخاب رئيس للجمهورية، وهو النموذج الذي يعمل به لبنان في إستحقاقاته الرئاسية منذ عقود وفي كل العهود، إلا أن أحداث العراق، وضعت لبنان على الرف وفق ما تقول مصادر دبلوماسية، ولم يعد أولوية لدى الدول المعنية فيه، وكل ما تقدمه له، هو الحفاظ على الإستقرار والإسراع في إنتخاب رئيس للجمهورية وعدم إنتظار التطورات الخارجية التي لها تأثيرها، لكن يمكن الفصل بينها وبين الإستحقاقات اللبنانية، ومنها رئاسة الجمهورية التي مازال بالإمكان صناعتها في لبنان، كما أكّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، إنه بتفاهم اللبنانيين وتوافقهم يمكن إنتاج رئيس للدولة، معوّلاً على الحوار الداخلي لاسيما بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، أو إنتظار الإنتخابات النيابية التي ربما تعدّل في موازين القوى الداخلية، وفي تبدّل بالكتل النيابية.
فالخسارة في سوريا، وإعادة إنتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية ثالثة، تمّ الردّ عليها من الدول التي تدعو لإسقاط الرئيس السوري، بتحريك «داعش» في العراق، لقطع الطريق على ترؤس المالكي الحكومة للمرة الثالثة، كما على قطع التواصل مع دول ما سُمّي بـ«الهلال الشيعي»، وإضعاف إيران في المفاوضات مع الغرب، كما في محاصرة سوريا من العراق، وقطع طرق الإمداد للمقاومة في لبنان، إذ ما حصل في بلاد الرافدين وبالمعنى الإستراتيجي تطويق لحلف المقاومة، وهو أمر لن تتركه إيران يمرّ دون ردّ، سواء داخل العراق بإستعادة المبادرة، أو خارجه في تحقيق إنتصارات في سوريا وكان آخرها إسترداد مدينة كسب عند الحدود مع تركيا، أو في لبنان بالتهديد بفرط الحكومة السلامية، أو إنتخاب رئيس حليف للمقاومة، إذ سيشهد لبنان عملية عض أصابع بين إيران والسعودية، وقد سبق للبنان أن عرف ذلك، عندما تمّ منع وصول إياد علاوي المدعوم من السعودية الى رئاسة الحكومة العراقية، وأعيد المالكي بتوافق أميركي-إيراني، واستكمل الموضوع بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في لبنان، والمجيء بحكومة برئاسة نجيب ميقاتي.
فما هو الثمن الذي سيدفعه لبنان، جراء ما حصل في العراق، فهل يكون بإنتخاب رئيس للجمهورية من فريق «8 آذار»، أم بتطيير حكومة المصلحة الوطنية، ودخول لبنان المعطّلة مؤسساته والمؤجلة إستحقاقاته، في مرحلة «الفوضى الخلاّقة» التي إبتدعها الرئيس الأميركي جورج بوش للمنطقة ومازالت فيها، ولبنان من ضمنها وهو يعيشها منذ صدور القرار 1559 ومازال.
Leave a Reply