عماد مرمل – «صدى الوطن»
إذا كانت مبادرة الرئيس سعد الحريري الى ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، باتت بحكم المجمدة او المحنطة سياسيا، بعد العقبات التي اعترضتها فـي الرابية ومعراب، إلا انها أفضت على ما يبدو الى اطلاق دينامية داخلية، خلطت الأوراق وجعلت ما بعد المبادرة ليس كما قبلها.
وبهذا المعنى، فان طرح الحريري أدى الى تعديل جذري فـي قواعد الاشتباك الرئاسي، تمثل فـي تكريس أحقية انتخاب شخصية من «8 آذار» للرئاسة، وصولًا الى تثبيت هذه القاعدة الجديدة، كمعيار للاختيار، بحيث انه لم يعد بإمكان رئيس «تيار المستقبل» التراجع عنها، بل هو ألزم أيضاً حلفاءه فـي «14 آذار» بها، بمعزل عما إذا كان فرنجية قد استطاع الوصول الى قصر بعبدا أم لا.
وانطلاقا من هذه المعادلة المستجدة، حصل فـي معراب حيث مقر قيادة حزب «القوات اللبنانية» ما لم يكن متوقعاً. لقد أصبح المنافس اللدود لسمير جعجع فـي الساحة المسيحية وبطل حرب الإلغاء ضد «القوات» عام 1990، العماد ميشال عون، الخيار الرئاسي المتقدم لدى جعجع الذي لم يعد يفصله عن ترشيح الجنرال رسميا سوى أمتار سياسية قليلة.
وإذا اكتملت استدارة جعجع، غير المسبوقة، فانه يكون بذلك قد قاد انتفاضة مدوية- وهو صاحب تاريخ حافل فـي هذا المجال- من شأنها ان تحقق نوعا من توازن الردع او الرعب مع ترشيح الحريري لرئيس تيار المردة، وان تدفع نحو تحويل معراب الى ممر إلزامي للرئيس المقبل، وشريك أساسي فـي صناعته، بعدما تأكد جعجع من ان مبادرة الحريري قضت على أي إمكانية لانتخاب رئيس ينتمي الى صفوف قوى14آذار او الوسطيين.
ولكن، لماذا يفضل جعجع انتخاب عون على فرنجية لرئاسة الجمهورية، برغم الماضي الدموي الحافل الذي يُثقل تاريخ علاقتهما؟
يفترض جعجع انه إذا كان عليه فـي نهاية المطاف الانتقاء بين السيء والاسوأ، فلا مفر أمامه من اعتماد الخيار الأول الذي يمثله عون، للحد من الخسائر السياسية، مادام ان تفاديها بالكامل أصبح متعذراً.
ويعتبر جعجع ان عون يظل أقل خطرا من فرنجية للأسباب الآتية:
– إن عون حليف مستجد لفريق «8 آذار»، بدءا من عام 2005، بعدما كان يتموضع على الضفة الاخرى قبل هذا التاريخ، فـي حين ان فرنجية مكوّن عضوي وعتيق فـي هذا الخط، ويندرج فـي صلبه، منذ نشأته السياسية.
– إن لدى الجنرال كتلة نيابية وازنة وقاعدة مسيحية واسعة، تسمحان له بهامش من استقلالية القرار، أوسع من تلك التي يحظى بها رئيس «المردة» الذي يفتقر الى الحجم ذاته فـي الشارع المسيحي نيابياً وشعبياً، ما يقلص- برأي «القوات»- حرية حركته ويضعه تحت التأثير المباشر للمحور السوري-الإيراني.
– إن عون شريك لجعجع فـي ورقة إعلان النيات التي تتضمن مقاربة مشتركة للعديد من المسائل الجوهرية، بينما «القوات» وفرنجية لم يخرجا بعد من أزمة الثقة المزمنة، وإن كانا يسعيان الى إبقائها تحت السيطرة.
-ان فرنجية مصنف لدى «القوات» على أساس انه «توأم سياسي» للرئيس السوري بشار الأسد وحليفه الاستراتيجي المتأصل فـي لبنان، بينما لا يصل التقارب بين عون ودمشق الى هذا الحد.
– إن جعجع متهم من قبل فرنجية بالوقوف وراء اغتيال والديه وشقيقته خلال الحرب الاهلية، وهو اتهام لا يزال يرخي بظلاله الثقيلة على العلاقة بينهما، برغم انه سبق لفرنجية أن أعلن عن طي هذه الصفحة سياسياً.
– إن ما بين بشري مسقط رأس جعجع، وزغرتا مسقط رأس فرنجية، حساسيات وخلافات تاريخية تضرب فـي الجذور، على الصعيدين المناطقي والسياسي، وتمنع انصار «القوات» فـي الشمال اللبناني، الذي يشكل أحد روافدها، من تقبل فكرة وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية.
– إن جعجع شعر بإهانة سياسية كبرى، جراء تجاهل الحريري له، ومبادرته الى التفرد بالتفاوض مع فرنجية وابداء الاستعداد لترشيحه الى الرئاسة من دون ان يتشاور مع حلفائه فـي «14 آذار»، وفـي طليعتهم «القوات»، وبالتالي فإن سيد معراب أراد ان يرد الصاع صاعين لرئيس «المستقبل»، وان يبلغه رسالة مفادها انه لا يستطيع ان يفرض عليه خياره الرئاسي بحكم الأمر الواقع، وان لدى «القوات» القدرة على قلب الطاولة وتحويل المستحيل الى ممكن «حيث لا يجرؤ الآخرون» عبر دعم ترشيح عون.
ولكن هناك فـي المقابل من يتساءل عما إذا كان جعجع سيذهب بالفعل حتى النهاية فـي مغامرة تأييد عون رئاسياً ولو لم يرشّح الحريري رئيس «المردة» رسميا، أم انه سيكتفـي بالمناورة والتلويح بهذه الورقة فقط من باب الضغط والتهويل على الحريري لدفعه الى التراجع عن ترشيح فرنجية؟
ثم هناك سؤال آخر يتصل بموقف السعودية من اندفاعة جعجع فـي اتجاه عون، وهل أن رئيس «القوات» قادر على المضي فـي هذه الاندفاعة الى خواتيمها خلافا للإرادة الملكية التي يفترض أن يكون الحريري «وكيلها المعتمد»، علماً ان جعجع يعتمد كثيراً على الدعم السعودي ولا يمكن الاعتقاد ان بإمكانه أن يجازف بخسارته كرمى لعيون الجنرال، وما هي حقيقة الفرضية القائلة بأن الرياض لن تتدخل حاليا لقول الكلمة الفصل وحسم التجاذب بين حليفـيها، ما دام ان المرحلة الراهنة ليس مرحلة اتخاذ القرارات أو صناعة التسويات، على مستوى الملف الرئاسي اللبناني، فـي ظل ارتفاع حدة الصراع بين السعودية وإيران؟
Leave a Reply