كمال ذبيان – «صدى الوطن»
شارف آب على نهايته، ولم ينتخب رئيس للجمهورية في لبنان، حيث روّج «التيار الوطني الحر» وحلفاؤه، أن العماد ميشال عون، سيكون في قصر بعبدا هذا الشهر، مستندين الى أن الأطراف السياسية الداخلية، ليّنت موقفها من انتخاب عون، بدءاً من النائب وليد جنبلاط الذي لم يمانع من وصول جنرال الرابية لرئاسة الجمهورية إذا ما حاز على توافق مسيحي، كما أن الرئيس سعد الحريري جمع كتلته النيابية وطرح أمامها فكرة انتخاب عون، لكن باستثناء 3 نواب، أجمع 23 نائبا على رفض الاقتراح.
ومع دخول آب، دون أن يحصل انتخاب رئيس للجمهورية، توقع الرئيس نبيه برّي أن ينجز الاستحقاق مع نهاية العام الحالي، وكان قد سبقه في الموقف نفسه وزير الداخلية نهاد المشنوق، دون أن يعرضا للأسباب والتطورات، التي أدّت بهما الى هذا الاحتمال، سوى أن رئيس مجلس النواب، الذي أكّد أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي، لم يعد يسمح باستمرار الشغور الرئاسي، وشل المؤسسات الدستورية، إضافة الى أن الانتخابات النيابية تصبح على الأبواب، ولا يمكن تأجيلها والتمديد الثالث لمجلس النواب، بعد إجراء الانتخابات البلدية والإختيارية، وأن القوى السياسية الداخلية عليها أن تقرر، فإما الاتفاق على رئيس للجمهورية، أو أن الحرب الأهلية التي يتجنبها اللبنانيون ستدق أبوابهم.
من هنا، فإن رئاسة الجمهورية، باتت تقرر مصير الوضع السياسي والدستوري والأمني في لبنان، الذي تأتيه النصائح الدولية، بأن يُسرع في إنتخاب رئيس للجمهورية من دون أن تدخل الدول بأسماء مرشحين، وأن يترك للبنانيين صناعة رئيسهم، لكنهم لم يفعلوا، ومازال الخيار أمامهم بين مرشحَين هما العماد عون المدعوم من «حزب الله»، والنائب سليمان فرنجية الذي رشّحه الرئيس سعد الحريري، ونال تأييد الرئيس برّي والنائب جنبلاط، وحظي على أصوات تؤمن له الفوز، لكن فرنجية آثر أن لا يغضب حليفه «حزب الله»، فلم يحضر جلسات الانتخاب، كحسن نية منه على تحالفه مع المقاومة، وكي يحفظ لنفسه أن يكون مرشح الخطة «ب»، لو انسحب العماد عون، الذي يبدو أنه مازال مصرّاً على أن يبقى في المنافسة، متّكلاً على وقوف «حزب الله» المتشدد معه.
ولقد كان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، صريحاً في خطاب الذكرى العاشرة للانتصار في حرب تموز، عندما أعاد التأكيد على ترشيح عون، حيث فتح ثغرة في جدار الاستحقاق الرئاسي، بأن أعلن دون أن يسمي، أن العبور الى رئاسة الحكومة يمر من الرابية، وفق تفسير يقول، عون في قصر بعبدا، والحريري في السرايا، وعلى الأخير أن يقرر، ويتوقف على قراره حل أزمة انتخاب رئيس للجمهورية، حيث تشير مصادر قيادية في «حزب الله»، إلى أن الحريري لا يمكنه أن يسمي هو رئيس الجمهورية، ويكون رئيساً للحكومة وأن العتب على النائب فرنجية، أن الحريري سماه، بما يضمن له أن يكون الآمر الناهي، وهذا لا يحصل مع عون الذي بما يمثل من حجم مسيحي، أن يفرض الحريري سياسته، كما كان يفعل والده الرئيس رفيق الحريري مع الرئيس الياس الهراوي، وهذا الوضع تبدّل مع انتخاب العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، إذ كان يمارس دوره وصلاحياته، ويمنع تفرّد الحريري الأب بالقرار في مجلس الوزراء، ويرفض له مشاريعه، ولم يقبل به رئيساً للحكومة في أول عهده، وشكّل الرئيس سليم الحص حكومة، كانت رسالة الى الحريري الأب، أن زمن إضعاف رئاسة الجمهورية تغيّر.
وهذا السيناريو يستعيده «حزب الله»، ويريد عون في رئاسة الجمهورية، لإقامة توازن في السلطة، بالإضافة الى الإلتزام الأخلاقي الذي قطعه السيد نصرالله لرئيس «تكتل التغيير والإصلاح» في أن يكون رئيساً للجمهورية حيث كشف أن هذا الوعد أعلنه على طاولة الحوار عام 2006، وبعد حوالي الشهر على توقيعه ورقة التفاهم مع العماد عون.
والكرة رماها السيد نصرالله في مرمى الحريري الذي عليه أن يحسم أمره، ويعيد الحوار مع عون الذي كان توصل معه الى تفاهم حول انتخابه رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة، لكن «الفيتو» السعودي أسقط هذا التفاهم كما يقول عون الذي تنظر إليه المملكة على أنه ينفذ السياسة الإيرانية في لبنان، بتحالفه مع «حزب الله» الذي يقع تحت تأثيره، ويخشى منه أن ينقلب على اتفاق الطائف الذي عزّز صلاحيات رئيس الحكومة.
فمع إصرار «حزب الله» على دعم ترشيح عون، واستمرار فرنجية بترشيحه حتى لو نال أصوات كتلته النيابية فقط، وكلاهما حليفان له، جُمّد ملف رئاسة الجمهورية، الذي يؤكّد الرئيس برّي أنه مرتبط بالعلاقة السعودية – الإيرانية، التي هي على توتر واشتباك في أكثر من ساحة عربية، في سوريا والعراق واليمن، وكذلك في لبنان، المُحيّد أمنياً، والذي تجمع حكومة الرئيس تمام سلام كلاً من «حزب الله» و«تيار المستقبل»، ويقوم بينهما حوار، الهدف منه، هو عدم انزلاق الساحة اللبنانية الى فتنة مذهبية سنّيّة – شيعية، وهذه هي إيجابيات الحوار.
وحتى مطلع العام المقبل الذي وعد الرئيس برّي أن ينتخب رئيس للجمهورية، فإن الأشهر الأربعة ستكون كافية لتظهير إسم مرشح، بدأ الحديث عن أنه لن يكون من الرباعي الماروني الذي إلتقى في بكركي أقطابه أمين الجميّل وميشال عون وسمير جعجع وسليمان فرنجية، وإتفقوا على أن يكون منهم الرئيس، لأن لهم تمثيلهم في بيئتهم المسيحية، أما وأن إثنين خرجا من السباق الرئاسي وهما من 14 آذار، فإن الإثنين الباقيين هما من 8 آذار، وإذا لم ينسحب أحدهما للآخر أي عون وفرنجية، ولم يتمكن «حزب الله» من إقناعهما بانسحاب احدهما للاخر، وهذا لن يحصل، فإن مرشح التسوية أو التوافق سيعود الى الظهور وهذا ما كان يحصل في الانتخابات الرئاسية، وهو ما جرى في العام 2008، إذ تمّ سحب المرشح النائب نسيب لحود من فريق 14 آذار، وتراجع العماد عون من 8 آذار، لصالح مرشح أنتجته تسوية الدوحة عام 2008، هو قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان، الذي حظي بتأييد دولي وإقليمي تُرجم في اتفاق الدوحة مع سلة مطالب أعطيت في قانون الانتخاب على أساس «قانون الستين»، وتشكيل حكومة برئاسة فؤاد السنيورة يكون لـ 8 آذار فيها الثلث الضامن، وهو ما سعى ويحاول الرئيس برّي إنتاجه من خلال «دوحة لبنانية»، لم يتمكّن من إنجازها بعد.
وكانت لافتة زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري للبنان، بعد انكفاء دام خمس سنوات، انشغلت خلالها مصر في قضاياها الداخلية، وهي تعود لتلعب دوراً من الساحة اللبنانية، إذ سبق لها وفي استحقاقات رئاسية سابقة، أنها كانت تبث البشرى، سواء في التمديد للرئيس إلياس الهراوي عام 1995، من خلال معلومات سرّبتها جريدة «الأهرام»، أو في انتخاب العمادين لحود وسليمان، وهو ما ترك الاهتمام بالزيارة التي وإن أعلن الوزير المصري أنها استطلاعية، لكن أوساطاً سياسية، تحدّثت عن أن يكون الدبلوماسي المصري، القريبة بلاده من السعودية، والتي تتمتع معها بعلاقات جيدة، يحمل أفكاراً لحل الأزمة الرئاسية في لبنان.
وحتى تتبلور جولة الوزير المصري، والذي سبقه موفدون دوليون، على رأسهم فرنسيون، فإن ملف رئاسة الجمهورية وُضع في الثلاجة، بإنتظار التطورات في الإقليم، لاسيما في سوريا حيث المعارك في حلب ستقرر مصير المنطقة، ولمن سيكون النفوذ فيها، ولبنان من ضمنها، وهذا ما يقوله الرئيس برّي حول العلاقة السعودية – الإيرانية.
فالاستحقاق الرئاسي الذي مضى عليه 27 شهراً بدأ في التداول بأسماء بارزة، وهي: قائد الجيش العماد جان قهوجي، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، السفير اللبناني في روما العميد جورج خوري، والسياسي المخضرم النائب والوزير السابق جان عبيد، المرشح للرئاسة منذ نهاية الثمانينيات، ولم يحالفه الحظ لأن الظروف الإقليمية والدولية كانت تخالفه، وعاد اسمه ليظهر من جديد، وهو يعتبر مرشح قيادات لبنانية منها الرئيس برّي والرئيس الحريري والنائب جنبلاط، ولا تضع بكركي «فيتو» على اسمه، لكن ثمة عقدة أمامه، وهي علاقته مع سوريا التي كانت تعتبر جيدة، ويُنقل عن زوار دمشق، أن ثمة عتباً من القيادة السورية على عبيد الذي لم يُبدِ موقفاً من الأحداث في سوريا، وهو الصديق لها، كما أن «حزب الله» حذر في التعامل معه، على أنه قريب من آل الحريري، وإن كانت جذوره وطنية وعروبية.
Leave a Reply