بقاء لحود حتى اخر ولايته اعطى ورقة لسوريا مؤثرة فـي الاستحقاق الرئاسيبري متفائل بعد الاجماع على مبادرته.. وحذِر من الموقف الاميركي
منذ العام 1943، وانتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان، لا يمكن ان تحصل دون ان يواكبها تدخل خارجي، او يرافقها حصول ازمة سياسية ووطنية، او التأسيس لانفجار امني وحرب اهلية.فكل العهود بدأت بأزمات وانتهت فيها، هذا ما حصل منذ اول عهد نشأ وفق ما قيل انه استقلال لبنان، ولكنه في الحقيقة كان نتيجة صراع بريطاني-فرنسي، حيث اطيح باميل اده المرتبط بفرنسا، وجيء ببشارة الخوري القريب من الانكليز رئيساً للجمهورية، ولكن عهده انتهى بـ«ثورة بيضاء» اسقطته بعد التجديد له، واستبدله البريطانيون بكميل شمعون الذي خرج بـ«ثورة حمراء» من القصر الجمهوري، ليخلفه قائد الجيش فؤاد شهاب بتوافق اميركي-مصري، وسيطرت اجهزة المخابرات على عهده حيث سعت الى التمديد له، ولكنه سمى شارل حلو بعد ان كان يرغب بان يكون قريبه عبد العزيز شهاب رئيساً، وهذا ما فتح النار السياسية على الشهابية وحكم «المكتب الثاني» (المخابرات)، وبدأت الدولة تتفكك مع ظهور العمل الفدائي الفلسطيني المسلح من لبنان بعد هزيمة الانظمة العربية امام اسرائيل في حرب 1967 وخسارة بعض الاراضي.مع سقوط مرشح الشهابية، الرئيس الياس سركيس بوجه الرئيس سليمان فرنجية، ودخول العامل الفلسطيني على المعادلة اللبنانية، اشتعلت حرب اهلية، وتداخلت فيها عوامل اقليمية ودولية، فتم انتخاب الياس سركيس رئيساً في اجواء اقتتال داخلي وبتوافق اميركي-سوري، وخلفه بشير الجميل الذي انتخب في ظل الاحتلال الاسرائيلي، وبقرار اميركي-اسرائيلي بعد اخراج سوريا من لبنان، ولم يتمكن من الوصول الى قصر بعبدا اذ اغتيل بعد اقل من شهر على انتخابه، ليخلفه شقيقه امين، الذي انتهت ولايته من دون انتخابات رئاسية و تصاعد الخلافات الداخلية وحرب اهلية، فسلم السلطة الى حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون، تقابلها حكومة كانت قائمة برئاسة سليم الحص.ومع اتفاق الطائف، وصدور قرار عربي-اقليمي-دولي، بوقف الحرب الاهلية في لبنان، بعد غزو العراق بقيادة صدام حسين للكويت، وشن حرب دولية لاخراجه منها، ووقوف سوريا مع التحالف الدولي، فاعطيت دوراً دولياً في تطبيق اتفاق الطائف ومساعدة اللبنانيين للدخول الى السلم الاهلي وبناء مؤسساتهم واستعادة وحدتهم، وهذا التفويض الدولي المغطى عربياً، سمح لها بان تكون صاحبة الكلمة الاولى في اختيار رئيس الجمهورية الى جانب شركائها الاخرين، فانتخب رينيه معوض رئيساً للجمهورية، لكن اغتياله شكل صدمة للبنانيين وللدول التي رعت الحل للازمة اللبنانية، فتم انتخاب الياس الهراوي بعد 24 ساعة من جريمة الاغتيال، لتصبح سوريا الناخب الاول، وصاحبة الكلمة الاولى في لبنان، والراعي الاساسي لشوؤنه، مما وضعها في خانة المتدخلة في اوضاعه، كما ان البعض اتهمها بانها «دولة محتلة»، ورغم ذلك فان القيادة السورية تمكنت من ان تواجه مخطط تقسيم لبنان او ضرب مقاومته، التي دعمتها بكل قوة فواجهت الاحتلال الاسرائيلي وفرضت عليه الانسحاب من الجنوب والبقاع الغربي.خلال المرحلة التي كانت سوريا تساهم في تطبيق اتفاق الطائف رفضت ان يِشاركها اي طرف خارجي في ذلك، وقبلت ان يكون رفيق الحريري رئيساً للحكومة كأحد الوسطاء الاساسيين الذين كان لهم الدور الفاعل في انجاز اتفاق الطائف بدعم من السعودية التي كان الحريري يتوسط باسمها وموفداً من قبل ملكها وقيادتها، منذ مؤتمري الحوار في لوزان وجنيف في العامين 1983 و1984.كانت سوريا صاحبة الكلمة الفصل في ترشيح الشخص الذي لا يقف ضد سياستها في لبنان التي تصب في استراتيجية مقاومة اسرائيل ومواجهة المخطط الاميركي، وهكذا مددت للرئيس الهراوي، ورشحت قائد الجيش العماد اميل لحود لرئاسة الجمهورية واوصلته باغلبية نيابية، الا انها عندما ارادت التمديد له، اصطدمت بقرار دولي رافض لذلك، بعد انقلاب فرنسا على موقفها من قضايا المنطقة، وانحيازها الى جانب الولايات المتحدة، وقيام تحالف بين الرئيسين جورج بوش وجاك شيراك انتهى الى صدور القرار 9551 الذي في احد بنوده رفض لتعديل الدستور، والطلب الى سوريا سحب قواتها، واستند هذا القرار الذي صدر عن مجلس الامن الى جو داخلي لبناني، بدأ بالانقلاب على سوريا ووجودها في لبنان، منذ الغزو الاميركي للعراق، وصدور اشارات اميركية ان النظام في سوريا سيكون مصيره مثل نظام صدام حسين في العراق، وهذا ما اعطى دفعاً لاطراف لبنانية لا سيما وليد جنبلاط للمجاهرة بطلب انسحاب القوات السورية، وبدّل في تحالفاته، واصبح حليفاً «للقاء قرنة شهوان» الذي بدأ بتحريك الشارع المسيحي ضد الوجود السوري ويطالب بانهائه.ومع التمديد للحود اتخذ القرار الاميركي-الفرنسي باخراج سوريا من لبنان وتعطيل اوراقها فيه فكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري المدخل للضغط عليها للاسراع بمغادرة لبنان، وهذا ما حصل، لكن لم تستطع اميركا وفرنسا وحلفاؤها في لبنان مع مجموعة «ثورة الارز» باسقاط لحود او تقصير ولايته وتنفيذ القرار 1559، بالرغم من محاولات عزله ومحاصرته والتضييق عليه ومنع التواصل معه، لكنه صمد وواجه مع حلفاء له القرار الدولي، وسيبقى حتى اليوم الاخير من ولايته.وبقاء لحود في الفترة الممددة له في القصر الجمهوري، اعطى سوريا ورقة قوية انها ما زالت مؤثرة في لبنان، وقد اعترف لها بذلك كل الموفدين الدوليين بانها هي جزء من الحل و ان الحل يمر عبرها، في حين ان اخرين خصوم لها اعتبروها جزءاً من المشكلة.والاعتراف بالدور السوري في الاستحقاق الرئاسي على كل المستويات اللبنانية والعربية والاقليمية والدولية، هو ما يقلق قوى في 14 شباط وتحديداً ابرز رموزهم النائب وليد جنبلاط ثم سمير جعجع وسعد الحريري، حيث يقف الاول ضد اي اتجاه توافقي في رئاسة الجمهورية، لانه في رأيه سيكون لسوريا حصة فيه.لذلك كان الرفض الجنبلاطي لمبادرة الرئيس نبيه بري الذي دعا الى الحوار على مرشح توافقي، لان طرفي الازمة الموالاة والمعارضة لا يمكنهما ان يوصلا مرشحهما لرئاسة الجمهورية لاسباب دستورية، اذ لا يملك الفريق الحاكم ثلثي عدد اعضاء مجلس النواب لتأمين النصاب القانوني بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، كما ان المعارضة لا تملك الاكثرية المطلقة لايصال مرشح منها والذي يبدو انه العماد ميشال عون.ووقف «صقور» الموالاة في مواجهة مبادرة بري واعتبارها انها تعطل الديمقراطية وتفرض «دكتاتورية الاقلية»، ولم يتم الرد عليها بشكل ايجابي، وتم وضع شروط عليها، وهو ان لا يتم فرض الثلثين في جلسة الانتخاب، والاخذ بتفسير جنبلاط وجعجع للدستور على ان الجلسة يمكن عقدها بالنصف زائد واحد، او حتى انتخاب رئيس الجمهورية بمن حضر في دورات لاحقة.وهذا الاجتهاد الدستوري لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وقائد «القوات اللبنانية» لا يوافقهما عليه اطراف في 14 شباط كالتكتل الطرابلسي (يضم اربعة نواب) والنواب بطرس حرب وروبير غانم وبهيج طبارة الذي قدم دراسة دستورية قانونية مسندة تؤكد على ان جلسة الانتخاب يجب ان يحضرها كنصاب قانوني الثلثين، وقد خسرت قوى 14 شباط الاكثرية المطلقة ولم يعد بامكانها انتخاب مرشح منها دستورياً، وهي امام مأزق، سيفرض عليها رغم تصعيدها السياسي والاعلامي، ان تقبل بتسوية ما، اشار اليها جنبلاط عندما قال انه قد لا يقف بوجه اية تسوية يجري طبخها اقليميا ودوليا، وسيمتنع هو ونواب حزبه عن الاقتراع لاي مرشح ليس من «الفريق الاستقلالي» ويحمل شعارات ومبادىء السيادة والاستقلال والقرار الحر والعدالة في اشارة الى المحكمة الدولية باغتيال رفيق الحريري.وما قاله جنبلاط يبدو انه على علم بما يحصل من اتصالات عربية واقليمية ودولية حول الملف الرئاسي، الذي تم تدويله، وحاول الرئيس بري «لبننته» من خلال الاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية بين القوى السياسية اللبنانية، يلقى الدعم الخارجي، وهذا التوجه لدى رئيس المجلس، قابله تأييد عربي واوروبي، ان يتوافق اللبنانيون على مرشح، وهو لم يقطع الامل بالوصول الى ذلك، ويأمل ان يتفق مع البطريرك الماروني نصرالله صفير عليه، في اللقاء الذي سيجمعهما بعد عودة صفير من الفاتيكان التي لقي فيها كل الدعم لاجراء الانتخابات الرئاسية والاتفاق على مرشح.ويبدي رئيس المجلس تفاؤلاً بامكانية التوصل الى حل لبناني، مستنداً بذلك الى وصول كل الاطراف الى مأزق دستوري وسياسي، وهو «الشر المستطير» الذي حذر منه ونبه اليه من ان يقع لبنان فيه، فيدخل في المجهول وتسقط مؤسساته وتنهار وحدته ويتهاوى سلمه الاهلي.وينتظر بري موقف قوى 14 شباط لتقول كلمتها، ولكن هذه القوى تنتظر بدورها الموقف النهائي للولايات المتحدة الاميركية من هذا الاستحقاق الذي تربطه بازماتها في العراق والمنطقة، وهي لن تفرج عنه قبل ان تعرف اتجاه الرياح في العراق، الذي يحاول الرئيس بوش ان لا يظهر انه يخسر فيه، وجاء تقرير قائد القوات الاميركية دايفيد بترايوس والسفير رايان كروكر ولم يطلب انسحاب القوات ليعطي جرعة دعم للرئيس الاميركي في وجه خصومه داخل الحزبيين الديمقراطي والجمهوري، وهو لذلك لن يفرط بالوضع في لبنان، ويسلمه من جديد لسوريا، فطلب من حلفائه اللبنانيين الصمود، لان ثمة تطورات ستحصل خلال الشهرين المقبلين، وهو الموعد الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية، سواء في سوريا وايران، وان الخرق الاسرائيلي للاجواء السورية، وقصف احد المواقع داخل سوريا، كان بمثابة رسالة لقوى 41 شباط، للصمود وهو ما دعا اليه جنبلاط مؤخراً طالباً من زملائه في «ثورة الارز» عدم التفريط بمبادئها، فكما صمدت قوى السلطة في وجه المعارضة ولم تمكنها من اسقاط فؤاد السنيورة او فرض حكومة لها فيها الثلث المعطل، فانها لن تسمح لها بان تأتي برئيس للجمهورية يعيد النفوذ السوري الى لبنان.فانتخابات رئاسة الجمهورية مصيرية بالنسبة لجنبلاط، وهي «يا قاتل او مقتول»، وكذلك بالنسبة لجعجع، اما سعد الحريري، فانه ينتظر الموقف السعودي الذي تتلاعب فيه تيارات، وقد ايد وزير الخارجية سعود الفيصل مبادرة بري في حين ان التيار الذي ينتمي اليه الحريري وتمثله المخابرات السعودية ومجلس الامن الوطني السعودي الذي يرأسه الامير بندر بن سلطان، ما زال يرفض اي دور لسوريا في لبنان او اي تساهل معها ومع ايران في لبنان، وتقوية نفوذهما، لذلك تريث الحريري في اعطاء موقف اخير، بالرغم من ان نواباً من كتلته عبروا عن رفضهم ابتزاز بري لهم في مبادرته لجهة فرض نصاب الثلثين، وهم يقبلون التفاوض والتحاور على مرشح من 14 شباط، وهذا ما سبق للحريري ودعا كل من رئيس المجلس والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون للتحاور حول هذا المرشح.وظهور الموقف السعودي الاخير من موضوع رئاسة الجمهورية هو الذي سيحدد اتجاه الفريق الحاكم، وللمملكة مرشحها هو النائب السابق نسيب لحود، وتحاول ان تسوّقه، لكنها ستدفع ثمناً كبيراً للقبول به، وهو التنازل عن رئاسة الحكومة والثلث الضامن داخلها، وهذا ما لا تقبل به، وقد يعرقل الازمة، وهي في هذا الموقف تلتقي مع الاداراة الاميركية التي تريد كامل السلطة مع حلفائها، اي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ولو استطاعت رئاسة مجلس النواب، وقد حاولت اقصاء الرئيس بري عنها بعد الانتخابات النيابية في عام 2005، لكنها فشلت.امام كا هذه التعقيدات للاستحقاق الرئاسي ومعه الازمة اللبنانية، فان الحشود الدبلوماسية التي تأتي الى لبنان، واللقاءات الخارجية حوله، كلها تصب في البحث بعدم حصول فراغ رئاسي في لبنان ودخوله في الفوضى، ويلعب الفاتيكان دوراً اساسياً في تأمين اجراء الانتخابات كي لا يخسر المسيحيون رئاسة الجمهورية، وبالتالي حضورهم في لبنان والشرق الادنى، وتقف فرنسا ودول اوروبية اخرى الى جانب الكرسي الرسولي، حيث تجري اتصالات مع اميركا لاقناعها بحصول تسوية حول انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث يعمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من اجل حصول الاستحقاق الرئاسي من دون توترات سياسية وامنية وخلافات لبنانية.وفي هذا الاطار تشير المعلومات الى ان المرشح التوافقي ما زال يتقدم على المرشح الصدامي، الا اذا حصلت تطورات في الربع الساعة الاخير، قد تدفع بالوضع نحو مزيد من التأزيم، وعندها تكون الانتخابات الرئاسية في هذه الدورة قد اسقطت التوافق الاقليمي والدولي حولها، كما عطلت الوفاق الداخلي، لان الاشتباك الخارجي كبير على الساحة اللبنانية، وتضارب المصالح الدولية والاقليمية يقوى على حساب وحدة اللبنانيين وسلامهم الاهلي ومصلحة وطنهم.
Leave a Reply