ثلاثة أقانيم لن توفر انتخابات حرة: المال والإعلام والطائفية
دخل اللبنانيون موسم الانتخابات النيابية، وباتت مواقف السياسيين وتصريحاتهم تتعلق بها، وأصبح الخطاب السياسي يقترن بها، وقد بدأ يتهاوى نحو اللغة الطائفية والمذهبية، لأن العودة إلى قانون الانتخابات الذي صدر عام 1960، سمحت بصعود اللهجة الغرائزية، لأن تقسيم الدوائر الانتخابية على أساس القضاء، هو الذي أعطى زخماً لذلك، وهذا ما دفع بالنائب محمد كبارة وهو من النواب المخضرمين إلى أن يعلن أن طرابلس هي عاصمة السنة في لبنان، وهو لا يستطيع أن يتفوه بمثل هذا الكلام لو كانت الدائرة الانتخابية على أساس المحافظة، كما نص اتفاق الطائف وتم التراجع عن أهم بند إصلاحي فيه لتطوير النظام السياسي، وهو ما أغضب الرئيس حسين الحسيني فأعلن استقالته من مجلس النواب، لأنه يرى في العودة نصف قرن إلى الوراء، لاعتماد قانون يعزز الطائفية والمذهبية، إشعالاً للحرب الأهلية من جديد، التي باتت كل أدواتها موجودة.
ولم يعد باستطاعة مجلس النواب تعديل القانون، لأن اتفاق الدوحة ألزم الأطراف اللبنانية التي وقعت عليه أن تطبقه كما فعلت في البنود الأخرى منه، وقد أقرت لجنة الإدارة والعدل بند توزيع الدوائر كما عُرض في اتفاق الدوحة، وقد حدد الرئيس نبيه بري تاريخ 25 أيلول موعداً نهائياً لإقرار القانون متكاملاً، أي في شقيه: التقسيمات على أساس القضاء، مع بقاء أقضية مدموجة كما في قانون 1960، والإصلاحات للعملية الانتخابية التي وردت في مشروع الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب الذي وضعته برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس، وهي إصلاحات لو تحققت كاملة لجهة توزيع الدوائر واعتماد نظامي الأكثرية والنسبية، ثم آلية الانتخاب، فإنها تكون وضعت لبنان أمام قانون انتخاب متقدم على قوانين سابقة، وإن كان لم يحقق كل الأهداف الإصلاحية، لكنه خطوة متقدمة على طريق الإصلاح، وصولاً إلى لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية، مما يشجع على قيام أحزاب لا طائفية.
لذلك فإن لجنة الإدارة والعدل النيابية التي تناقش الجانب الإصلاحي من مشروع فؤاد بطرس تراجعت لأسباب سياسية وإدارية وقانونية وفنية عن تطبيق الكثير من بنوده، فهي اعتمدت بطاقة الهوية للناخب بدلاً من البطاقة الانتخابية، وستحاول إشراك المغتربين في العملية الانتخابية إذا تأمنت لوائح الشطب لهم وإرسالها إلى السفارات، كما تسعى إلى الحد من الإنفاق الانتخابي، وحددت مبلغ 150 مليون ليرة مع ثلاثة آلاف ليرة لكل ناخب على لوائح الشطب كمصاريف للانتخابات، على أن يوضع المبلغ في مصرف، ولا تحسب الخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية من ضمن هذه المصاريف التي حُدّد شهران قبل الانتخابات لتبدأ عملية الصرف على الإعلان والنقليات وما تطلبه العملية الانتخابية شرعياً، لكن ضبط عملية الصرف صعبة في ظل الظروف اللبنانية المعقدة، إذ يمكن التحايل على القانون، إلا إذا وُضع مراقبون على الصرف ورُفعت السرية المصرفية، لأن تأثير المال في الانتخابات أساسي في لبنان، حيث إن أصحاب الرساميل هم الذين يتمثلون في مجلس النواب، ويسمي الرئيس عمر كرامي هؤلاء «بحيتان المال»، حيث يواجه في طرابلس ثلاثة أطراف مليئة مالياً وهي: «تيار المستقبل»، الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي وحليفه النائب موريس فاضل.
وما يعاني منه كرامي، هو ما عانى منه الرئيس سليم الحص عندما كان يترشح للانتخابات، والمرة الأخيرة كانت عام 2000، حيث أسقطه المال والإعلام والعصبية الطائفية، وهذه الأقانيم الثلاثة ما زالت تفعل فعلها ولها تأثيرها في الانتخابات، وقد جرت محاولات للحدّ منها، لكن يبدو أنه لم تحصل في هذه الدورة الانتخابية مفاجآت، إذ بدأ المال يلعب دوره، ويُوزّع من خلال المنح المدرسية والقرطاسية والمازوت والحصص التموينية، إضافة إلى المساعدات المالية والاجتماعية.
أما الإعلام فإن تأثيره يوازي المال او أكثر، لا سيما في هذه المرحلة التي تسود فيها اللغة الطائفية والمذهبية، وتمتلك القوى السياسية والطائفية الأساسية وسائل الإعلام، وتحديداً المرئية منها، التي تحرك الغرائز وتحرّض على الفتنة، وهذا ما لمسه اللبنانيون في الاعلام منذ أربع سنوات تاريخ دخولهم الأزمة السياسية والدستورية واندلاع معارك عسكرية نتيجة الاحتقان السياسي وأحياناً انسداد أفق الحل.
لذلك فإن لجنة الإدارة والعدل تحاول قدر المستطاع «لبننة الإصلاحات» في مشروع بطرس، وإسقاطها على الواقع وعدم الامتثال إلى المثاليات والمبادئ التي قد تصلح لدول ومجتمعات يسودها الاستقرار السياسي وانتظام عمل مؤسسات الدولة، وعدم وجود فوضى أمنية، التي قد لا تمكن اللبنانيين من ممارسة حقهم الانتخابي، إذ لم يُضبط الوضع الأمني، ولم يلغِ الجيش وقوى الأمن بقرار سياسي كل المظاهر المسلحة ولم يزِل كل أشكال «الأمن الذاتي».
فالانتخابات التي ستجري في ربيع عام 2009، لن تكون مثالية، بل هي ستحصل على أساس قانون يكرس الطائفية والمذهبية، بما يعاكس تطلع اللبنانيين نحو إلغاء الطائفية كما نص اتفاق الطائف، وهي لن تكون خارج تأثير المال والإعلام، لأن من يتحكمون بمصير لبنان يملكون المال والإعلام واللغة الطائفية.
لقد كان اتفاق الطائف منصّة للانتقال بلبنان من مرحلة الاضطراب الأهلي إلى السلم الأهلي الذي كان التطلع إلى تثبيته، بإلغاء الطائفية، وقد فتح اتفاق الطائف الباب للوصول إلى ذلك، ومنها قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وهذا لم يحصل وقد لا يحصل.
Leave a Reply