بري حذر من الطلاق وحكومة جديدة من قبل المعارضة لردع الطرف الآخرفريق 14 آذار ينتقل من صيغة «لا غالب ولا مغلوب» الى مقولة «يا قاتل يا مقتول
عندما قدم وزراء حركة «امل» و«حزب الله» والوزير يعقوب صراف استقالاتهم من الحكومة التي يترأسها فؤاد السنيورة، حذر الرئيس نبيه بري الذي كان في زيارة الى ايران، من الطلاق، اذا لم يتم التجاوب مع مطلب المشاركة في القرار ضمن مؤسسة مجلس الوزراء.
نازحون فلسطينيون من مخيم نهر البارد في شمال لبنان |
هذا التحذير لم يؤخذ به من قبل السنيورة وفريقه في 14 شباط، وتم التعاطي معه بأنه يقع في اطار التهويل، وقد دفعت الولايات المتحدة الاميركية ايضاً، بإتجاه عدم الخضوع لشروط المعارضة التي كانت بدأت تظهر بعد شهرين على تشكيل الحكومة، واول اشاراتها في اعتكاف وزراء «امل» و«حزب الله»، في نهاية العام 2005، وسعى الرئيس بري لإمتصاص الازمة ودعا الى طاولة الحوار، التي قصفها العدوان الاسرائيلي في تموز من العام الماضي، ثم استعادها بري بأسلوب آخر عبر التشاور الذي اطاح به قانون انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد ذلك حصلت الاستقالة وبدأ اعتصام المعارضة في ساحة رياض الصلح، و لم يرف جفن للسنيورة وتجاهله على ان الوقت كفيل بإنهائه، فتحركت جامعة الدول العربية فأطلقت مبادرة لإستعادة الحوار وقدمت حلاً يقوم على التوازي بتشكيل الحكومة واقرار المحكمة، على ان يكون الوزير الملك في الحكومة من خارج الموالاة والمعارضة.سقطت المبادرة العربية بسبب الخلافات العميقة بين اللبنانيين، واعلن عمرو موسى انه ينتظر توافق القوى السياسية اللبنانية على الحل، وترك مبادرته في نهاية كانون الاول من العام الماضي في بيروت ورحل ولم يعد، وتجمدت المساعي العربية، وكان يدخل على خطها السعودية احياناً عبر اتصالات مع ايران لمنع الفتنة المذهبية، او عبر تشجيع الاطراف اللبنانية على الحوار، وعمل السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة على محاولات تقريب وجهات النظر بينهم، وامّن عقد لقاءات حوار بين الرئيس بري ورئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، لكنها توقفت، بسبب رفض الفريق الحاكم اعطاء الثلث الضامن للمعارضة في الحكومة اذا لم يضمن المحكمة ثم رئاسة الجمهورية.وهكذا تبخرت كل المبادرات والمساعي والوساطات الداخلية والعربية والدولية، وباتت الازمة اللبنانية في عنق الزجاجة، والحلول امام طريق مسدود، بسبب تعنت كل طرف في مطالبه، ووقوفه عند شروطه، وتقديم الاولويات عند البحث في الحلول.بعد اقرار المحكمة فتحت نافذة للحوار، فوقعت احداث مخيم نهر البارد، فتقدم فريق 14 شباط بما سماه مبادرة سياسية تقوم على انتخاب رئيس للجمهورية ثم تشكيل حكومة، على ان يكون المرشح منه، واعتبرت المعارضة ان ما تطرحه قوى السلطة ليس مبادرة بل شروطا تعجيزية، برفض المشاركة والاستئثار في السلطة، وهو ما عبّر عنه الرئيس بري صراحة، واكد في اكثر من موقف وتصريح ان المسألة ليست المحكمة بل الحكومة والسلطة، والدليل هو انه وبعد اقرار المحكمة في مجلس الامن الدولي، فان الاغلبية النيابية تطالب برئاسة الجمهورية ولا تقدم الحكومة مجاناً، فهي اذا وافقت على اعطاء الثلث الضامن فانها تريد ضمانات لتأمين انعقاد جلسة انتخاب رئاسة الجمهورية وعدم تعطيلها وحصول فراغ فيها.لم تقبل المعارضة بهذه الشروط، واكدت على ان مطلب حكومة الوحدة الوطنية هو المدخل للوصول الى رئاسة الجمهورية من خلال التوافق على مرشح لها، لان تقديم الرئاسة الاولى دون ضمانات ايضاً سيعطي الاكثرية توقيع رئيس الجمهورية الذي سيكون منها على حكومة لا تكون القوى السياسية وممثلي الطوائف من المعارضة شريكة فيها.وهكذا تسلح كل طرف بموقفه، بالرغم من ان نصائح دبلوماسية عربية واقليمية ودولية وصلت الى اطراف السلطة، ان لايقفوا حجر عثرة في وجه تشكيل حكومة وحدة وطنية، واعتبروها مطلب محق، لا يجب ان يسقط، لان مثل هذه الحكومة تعزز الاستقرار السياسي وتدعم السلم الاهلي، وتؤمن المشاركة من كل الجهات، وقد شجعت السعودية وايران وفرنسا (مع بداية عهد الرئيس الجديد نيكولا ساركوزي) على تأليف حكومة تضم كل الاحزاب والطوائف، وايدت سوريا قيام حكومة وفاق وطني.فمع رفض الموالاة تقديم حكومة وحدة وطنية، تمسكت المعارضة برفضها تأمين النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي عدم القبول ايضاً بأن تستلم الحكومة الحالية برئاسة السنيورة الحكم بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود الذي اكد انه لن يسلم السلطة لحكومة غير موجودة لأنها فقدت وجودها الميثاقي وشرعيتها الدستورية، وهدد باللجوء الى تشكيل حكومة جديدة، كانت المطالبة من بعض اطراف في المعارضة بالإعلان عنها بعد حوالي الشهر من الاعتصام، الا ان رئيس الجمهورية وبعض اقطاب المعارضة مثل الرئيس بري والنائب ميشال عون والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، والرئيس عمر كرامي والوزير سليمان فرنجية، تريثوا في الموافقة على مثل هذا العرض، واعطوا فرصة للحوار والمساعي، وتم لجم «صقور المعارضة» وتم وقف التداول بحكومة جديدة.مثل هذا الطرح يكون طبيعياً في بلد لا يقوم نظامه على اساس طائفي، ولكن في لبنان وبما ان الديمقراطية هي حالة خاصة فيه، وتسمى «الديمقراطية التوافقية»، فان تركيبة مؤسساته الدستورية، تقع تحت هذا العنوان، وكيف والانقسام السياسي عميق والخلاف على القضايا الوطنية يصل الى اساس نشوء الكيان وهويته وموقعه في العلاقات العربية والمحاور الاقليمية والدولية، وفي الصراع العربي-الاسرائيلي.لذلك فان هوية رئيس الجمهورية المقبل السياسية، هي التي ستتحكم بالانتخابات الرئاسية لهذا الفريق او ذاك من قوى 14 شباط و8 آذار.واذا كانت الموالاة تقدم الاستحقاق الرئاسي على ما عداه وتعتبره الاولوية، فلأنها تخشى ان تخسر هذه المعركة، ويؤتى برئيس للجمهورية من غير لونها السياسي، فتعيش معه الازمة نفسها القائمة الآن مع الرئيس لحود، وهي تريد رئيساً من فريقها السياسي، كي لا تفقد السلطة، لا سيما وان ولاية رئيس الجمهورية ستشهد انتخابات نيابية بعد عامين، قد تطيح بالاغلبية الحالية، وتقلب المعادلات السياسية والموازين الداخلية.ولقد وصّف النائب وليد جنبلاط المعركة افضل توصيف عندما قال نحن في مرحلة «يا قاتل يا مقتول»، وقد سبقه النائب سعد الحريري بالقول: ان تسليمنا السلطة للمعارضة هو انتحار سياسي، واعتبر سمير جعجع المسألة تتعلق بالحياة او الموت. هذه العناوين التي اطلقها قادة 14 شباط، تؤشر الى انهم لن يسلموا السلطة ولن يستسلموا لمطالب المعارضة بالمشاركة، وهم بذلك ينسفون «الصيغة اللبنانية» التي تتحدث عن «لا غالب ولا مغلوب» والتي حاول امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى ان يأخذها عنواناً لمبادرته، لكنه فشل، بسبب اصرار الفريق الحاكم على الغالب والمغلوب وهي المقولة التي تعادل شعار جنبلاط ياقاتل يا مقتول.وبمثل الشعار الجنبلاطي يذهب لبنان الى تجرع الكأس المر وهو الصدام السياسي والدستوري والامني، لان الاغلبية النيابية التي تجاهلت مجلس النواب وذهبت بالمحكمة الى مجلس الامن الدولي، وقبل ذلك رفضت اعطاء وقت لا يتجاوز الثلاثة ايام لدراسة مشروع المحكمة من قبل الحكومة، فانها استمرت في تجاهل موقع رئاسة الجمهورية والقفز فوق صلاحياتها، وتوقيع الرئيس لحود، وانها بذلك تدفع الاوضاع الى مزيد من التأزم والتعقيد، وتحضير البلاد نحو الانفجار الذي سيظهر خلال الاسابيع المقبلة، بعد ان بات قرار تشكيل حكومة جديدة يدعو رئيس الجمهورية اليها من خلال استشارات نيابية، ستضع المؤسسات الدستورية في اشتباك صلاحيات كما في السيطرة على الوزارات والتسابق على المباني، وكل ذلك سيقع من ضمن سحرب وجود لكل طرف» او انقلاب وانقلاب مضاد.ووفق المعلومات فان الحكومة الجديدة قد تبصر النور في منتصف تموز، وهو ما نقله زوار الرئيس لحود عنه، واكدته قيادات في المعارضة التي اشارت الى ان مثل هذا الاجراء لا بدّ منه، اذا ما اصّر الفريق الآخر على ادارة الظهر لمطلب المشاركة، وواصل تمرده على الدستور والوفاق، ولا بدّ من ردعه بقرار صعب، وهو قلب الطاولة واحداث زلزال سيكون مكلفاً للبنان، ولكن لا بدّ من مواجهة هذا الفريق بالدستورفالوصول الى الحكومتين بدأ يتقدم على كل المساعي التي ستعطى الفرصة الاخيرة لها، مع تحرك الجامعة العربية من جديد وارسال وفد منها الى بيروت، والدور الفرنسي في لبنان الذي قدم نفسه على انه على مسافة واحدة من الجميع، ثم استئناف الاتصالات السعودية-الايرانية.هذه المساعي يجب ان تظهر خلال فترة قريبة جداً، فاما ان توفق نحو حل شامل يضمن الحكومة ورئاسة الجمهورية والبرنامج السياسي، او ان الامور ستتجه نحو التصعيد، في ظل قلق من ان يكون لبنان امام مشهد غزة والضفة الغربية، وتقوم فيه حكومتان، سبق للبنانيين ووقعوا في هذه التجربة عام 1988 التي كانت مدمرة لهم، وهي ستكون هذه المرة اكثر تدميراً، لان الانقسام في لبنان شامل كل الطوائف والمذاهب، وهو انقسام افقي وليس عامودياً، اي ان الفرز ليس على قاعدة مسلم-مسيحي او منطقة شرقية وغربية، بل بين نهجين سياسيين، كما هو واقع الحال في «اراضي السلطة الفلسطينية» اي بين المقاومة والتسوية.ففي حال وقوع لبنان في حكومتين، فان الفوضى السياسية والدستورية والامنية سوف تعم، وستفقد السلطة المركزية قرارها الموحد، وستتشرذم المؤسسات وتنقسم على نفسها، وستكون مرحلة خطيرة جداً، وسيكون الكيان امام الانهيار السريع، وشبيه بالعراق، وهو الوصف الذي اطلقه عمرو موسى على مستقبل الوضع في لبنان والاتجاه الذي يسلكه، وحذر منه ايضاً الرئيس بري، مما يشير الى ان الامور في لبنان متجهة الى «العرقنة» لجهة الاغتيالات والانفجارات والوقوع تحت مظلة «الاصوليات الاسلامية» والقوى الطائفية المتطرفة، ونحو «الفلسطنة» عبر حكومتين كما حصل في غزة والضفة الغربية.وبدأ الخوف من هذين النموذجين يتسرب الى اللبنانيين والمسؤولين منهم، اذ هم امام سقوط الجمهورية وليس انتخاب رئيس للجمهورية، فلم تعد رئاسة الجمهورية هي في خطر الوجود بل الجمهورية من الاساس، وقد حذر البطريرك صفير من الوصول الى مثل هذا الاستحقاق، وهو يسعى ليتجنب لبنان الحكومتين، وتمنى على الرئيس لحود الابتعاد عن ذلك، فأجابه بأن مطلب حكومة الوحدة الوطنية هو الحائل دون الانقسام.والحكومتان في ظل التركيبة الطائفية والمذهبية للبنان، تعنيان حروب الغاء وعمليات تهجير واقفال طرق ومعابر واقامة حواجز وانشاء «كانتونات»، وتمزيق اوصال لبنان، وكل ذلك في ظل انهار من الدماء تسيل في كل الارض اللبنانية، التي ما زالت تشهد على معارك الـ15 سنة التي بدأت في 1975 وتوقفت بقرار اقليمي-دولي عام 1990 بعد انتاج اتفاق الطائف الذي ارسى السلم الاهلي، وتبين انه هش، ولم يتم الالتزام به وتنفيذه في اهم بنوده الاصلاحية وهي الغاء الطائفية، حيث دخل لبنان في مرحلة جديدة وهي نشوء المذهبية السياسية، والخلاف الحالي داخل المذاهب الاسلامية وتحديداً بين الشيعة والسنة هو حول المشاركة، وهذا الشعار كان مرفوعاً مع بداية الحرب الاهلية، من قبل السنة لمشاركة الموارنة في الحكم، وان المشهد يقترب من تلك المرحلة.فهل انتهى مفعول اتفاق الطائف الذي هو وليد اتفاق اقليمي-دولي، او توافق سوري-اميركي، ولم تعد صلاحياته قائمة، ولا بدّ من اتفاق جديد، تسبقه حرب اهلية ليصل اللبنانيون اليه، ويأخذ المتغيرات التي حصلت؟هذا السؤال بدأ يطرح، بعد ان طالب الطرف الشيعي في المعادلة السياسية والتركيبة الطائفية، بالمشاركة ومثله ايضاً الطرف المسيحي الاقوى شعبياً اي «التيار الوطني الحر» الذي كانت له ملاحظات على اتفاق الطائف في السابق وهو لا يمانع في اعادة تقويم مرحلة تطبيقه، والبحث في الثغرات فيه.ان لبنان امام مرحلة دقيقة ووجودية، وسيتقرر مصيره ككيان خلال هذا الصيف، فاما ان ينقذه قرار اقليمي-دولي-عربي، بمنع تفجيره وادخاله في اتون حرب اهلية، او ان يترك يواجه قدره بإنقسام داخلي واقتتال بين ابنائه، الى ان يحين اوان الحلول في المنطقة وتفكيك ازماتها.فالامين العام لجامعة الدول العربية يعود الى لبنان من جديد لا ليقدم افكاراً او مبادرة او وساطة، بل نصائح الى اللبنانيين ان يجنبوا بلدهم حروب الآخرين على ارضه، لانه يدرك ان الازمة اللبنانية هي في مبنى من اربعة طوابق محلية وعربية واقليمية ودولية، وان في هذه الطوابق ازمات وحروب، وتتداخل فيما بينها، ولا يمكن ان يكون الحريق في طابق وان لا تأتي نيرانه او لهبه الى الطوابق الاخرى.
Leave a Reply