بيروت – كمال ذبيان
جرت الإنتخابات الرئاسية والنيابية، في دول مشتعلة بالحروب والأزمات، في مصر وسوريا والعراق، إلا في لبنان الذي عُرف عنه في العالم العربي، أنه كان الدولة السباقة الى إعتماد الإنتخابات وتداول السلطة، بالرغم من النظام السياسي الطائفي الذي فجّر أزمات وحروباً أهلية ومازال، لكن صفة الديمقراطية لازمت لبنان، كما إلتصقت الحرية بشعبه.
فلبنان دخل الشغور في رئاسة الجمهورية، ولم تفلح دعوات رئيس مجلس النواب نبيه برّي الى عقد جلسات لإنتخاب رئيس جديد، بتأمين النصاب القانوني، إلا لجلسة واحدة، لم يحصل المرشحان سمير جعجع وهنري حلو على أصوات الثلثين لفوزهما، ثمّ تعطّلت الجلسات فيما بعد، لأن المرشحين للرئاسة لم يؤمنوا الحصول على الأكثرية المطلقة أي النصف زائداً واحداً (65 نائباً) للفوز، فأبقى الإنتخابات في حال من المراوحة، إذ ترفض قوى «8 آذار» ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» وتأمين فوز له، بإعتباره مرشح تحدٍّ، ويريد نزع سلاح المقاومة ورفع العداء لسوريا ونظامها، وأن أكثر من نصف اللبنانيين ليس معه ولا يؤيده، كما أن العماد ميشال عون لا يستطيع تأمين فوزه دون تأييد «تيار المستقبل» له، الذي رمى رئيسه سعد الحريري الكرة في ملعبه، بأن يحصل على تأييد مسيحيي «14 آذار»، قبل أن يطلب منه التوافق معه، وتقديم ترشيحه على أنه وفاقي، وهو ما لا يرى فريق «14 آذار» بأنه يحمل هذه المواصفات، فتمّ تعليق جلسات الإنتخاب على مفاوضات الحريري-عون التي لا يبدو أن في الأفق ما يشير الى تقدم فيها، أو حصول إيجابيات.
وأمام تعطيل جلسات إنتخاب رئيس للجمهورية، وعدم وجود ما ينبئ بحصولها، وصدور دعوات من مراجع دولية، ومنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي زار لبنان، وأكّد على ضرورة إجراء الإنتخابات الرئاسية لحفظ الإستقرار، فإن في لبنان لا يبدو أن السياسيين فيه يحيون أجواء توافق فيما بينهم على مرشح لرئاسة الجمهورية، وهو ما دعا إليه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، عندما قال أن إنتخاب رئيس الجمهورية مازال في يد اللبنانيين، داعياً الى عدم الإنتظار لما سيحصل بين السعودية وإيران، لأنه قد يطول، وأن لبننة رئاسة الجمهورية مازالت قائمة، وأن في الإمكان صناعة رئيس للجمهورية في لبنان، معوّلاً على الحوار بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، الذي لا يبدو أن الإتفاق بينهما قد تقدّم أو اقترب، لأن ما يصدر عن قيادات «المستقبل» لا يوحي عن أن عون سيحظى بتأييد الحريري له كمرشح لرئاسة الجمهورية، وأن موقفه مرتبط بما ستقرره السعودية في هذا الملف الذي لها كلمتها فيه.
فالشغور الرئاسي، بعد التمديد لمجلس النواب، الذي يقترب من إستحقاق إجراء إنتخابات نيابية في الخريف القادم، دون أن يتقدّم البحث في قانون إنتخابات، مع تعطيل جلسات التشريع والتي كانت جلسة سلسلة الرتب والرواتب للموظفين والمعلمين والأساتذة والأجراء والمتعاقدين، نموذجاً بأن فريقاً لا يريد فتح مجلس النواب للتشريع طالما يجري تعطيله لإنتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما حصل أيضاً في الفترة التي كانت فيهاحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وكُلّف الرئيس تمام سلام بتشكيل الحكومة.
عطّل فريق «14 آذار» جلسات التشريع تحت ذريعة، بأنها لا تعقد في ظل حكومة تصريف أعمال، وهذا ما يحصل في موضوع إنتخاب رئيس للجمهورية، إذ يصرّ النواب المسيحيون على أن يبقى مجلس النواب في إنعقاد كهيئة ناخبة، وهذا ما أثار حفيظة الرئيس نبيه برّي الذي هدّد، بأن تعطيل أعمال مجلس النواب، سيؤدي الى وقف أعمال الحكومة لا بل المس بوجودها، لأنه لا يسمح أن تكون السلطة التشريعية رهينة بيد أي طرف سياسي، وهي مصدر السلطات.
فالشغور في رئاسة الجمهورية، بدأ ينعكس على عمل مجلس النواب، وعلى الحكومة التي تولّت الصلاحيات بموجب المادة 62 من الدستور، وقد دبّ الخلاف داخلها حول تفسير هذه المادة، وكيف تطبّق صلاحيات رئيس الجمهورية التي تناط بمجلس الوزراء مجتمعاً، لجهة توقيع المراسيم، أم يطبق المرسوم وفق التصويت عليه داخل مجلس الوزراء، حيث أدّى التباين في وجهات النظر الى شل جلسات الحكومة حتى الإتفاق على الآلية التي ستحكم عملها، وأن وجودها بات مهدّداً أيضاً بالتعطيل إذا لم يحصل توافق على جلسات التشريع في مجلس النواب وعلى ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، ويكون لبنان بسلطاته الدستورية من رئاسة الجمهورية التي تعيش شغوراً، ومجلس النواب الممدّد له والمهدّد بتعطيله، الى الحكومة التي لم يمر على ولادتها سوى أشهر قليلة، بعد تعثّر، فإن الشلل في هذه المؤسسات يصنف لبنان كدولة فاشلة، أسوة بدول أخرى، وهو الذي يعيش أزمات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.
ولقد جاء تحرّك هيئة التنسيق النقابية التي تمثّل الجسم الإداري والتربوي الرسمي، ليكشف عجز الدولة عن تأمين مستلزمات حقوق الأساتذة والمعلمين والموظفين والأجراء، بأن تكون لهم سلسلة رتب ورواتب، بعد أن نالها القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية، وأنشأت فروقاً بينهم، مما حرّك الهيئة لتطالب بالمساواة وعدم التمييز، فوقعت الدولة بأزمة وخلقت طبقية بين العاملين لديها، وهذا يدل على الإرتجال في الأداء، وعلى إتخاذ قرارات غير مسؤولة من قبل حكومات متعاقبة، بحيث باتت المصاريف التي تنفق على القطاع العام بكل تلاوينه تشكّل عبئاً على الموازنة العامة وخزينة الدولة المهدّدة بالإفلاس إذا ما أعطيت السلسلة، ويضع لبنان في مصاف الدول التي شهدت أزمات مالية كاليونان وإسبانيا والبرتغال وقبرص إلخ… وهو ما يتخوّف منه خبراء إقتصاديون وماليون من أن يتّجه لبنان نحو الهاوية المالية، في ظل دين عام بلغ حوالي 64 مليار دولار، وخدمة دين سنوية بحوالي 4,5 مليار دولار، وبتراجع للنمو الى حدود أقل من 1 بالمئة، مما يؤشّر الى أن لبنان بات مفلساً سياسياً ومالياً، ويضعه أمام أزمة صعبة جداً، قد تهدّد بإنفجار إجتماعي، يترافق مع إنقسام سياسي، وشلل للمؤسسات، وتوقّع أن لا يبقى الوضع الأمني تحت السيطرة، والإستقرار ثابتاً بضمانة دولية وإقليمية قد لا تستمر.
ولقد اعتاد اللبنانيون على أن لا تكون لهم دولة، وهم لم يعرفوا عنها سوى أنها في خدمة المافيا السياسية وحيتان المال وأصحاب الشركات الإحتكارية، وقد شهدوا منذ الإستقلال وفي أزمات عديدة إنهيار هيكل الدولة، وإنقسام مؤسساتها وتوزعها على مناطق وطوائف.
ففشل الدولة موجود في ذهن اللبنانيين منذ تكوّنها ككيان سياسي ودستوري وقانوني، إذ توزّعت سلطاتها ومؤسساتها الولاءات وهذا ما أبعدها أن تكون دولة مدنية وعصرية، وأظهرها دولة يحكمها الإقطاع ورجال المال ونفوذ الطوائف ومرجعياتها السياسية والروحية، مما جعل اللبنانيين، يشهّرون بدولتهم ولا يشعرون بالولاء لها، لا بل يذهب بعضهم الى الكفر بها، لأنها لا تؤمن لهم ما هو واجبات المؤتمنين عليها والذين تقدموا لإدارتها، حيث تتعدد الأزمات من الكهرباء الى المياه والطرقات والسير والإستشفاء بما هو ضمان صحي لكل اللبنانيين لا لجزء منهم، والتعليم الرسمي الموصوف بالجيد، والذي يتراجع أمام القطاع الخاص، الى أزمة السكن، وتزايد البطالة.
فالأزمات المتوالدة والتي يعود تاريخها الى عقود، هي نتيجة أزمة نظام سياسي، لا ينتج إلا فساداً وهدراً ومحسوبيات وسرقة المال العام والإستيلاء على الأملاك البحرية والبرية، من قبل أصحاب النفوذ السياسي والمالي، وكل ذلك والطبقة السياسية تنحدر نحو خطاب سياسي طائفي، وتتجه بلبنان الى أن يكون دولة فاشلة بإمتياز.
Leave a Reply