أخيرا توّصل اصحاب الربط والحل في النظام اللبناني الى حل الأزمة الحكومية عبر احراج وزير العمل شربل نحاس فإخراجه، بعد أن رست التسوية بين اقطاب الأكثرية ورئيس الوزراء على تمرير مرسوم بدل النقل بصيغة توافقية رفض نحاس التوقيع عليها، فكان أن اضطر نحاس الى تقديم استقالته. استقالة نحاس جاء وقعها أقرب الى نعوة للعملية الإصلاحية في لبنان، نظرا للآمال التي علقها الكثيرون على جهود تيار العماد ميشال عون عموما ونشاط ورؤيوية الوزير الشعبي الذي لم يستطع تسجيل اختراق تاريخي في جدار النظام اللبناني القائم على المحاصصة منذ قيامه.
ولم تكد تمر ساعات على تقديم نحاس استقالته ومسارعة رئيسي الجمهورية والحكومة الى قبولها حتى افتتح أركان الأكثرية “صفحة جديدة في العمل الحكومي المنتج”، بحسب تعبير الرئيس نجيب ميقاتي، استهلوها بتوقيع مرسوم بدل النقل من قبل وزير العمل بالوكالة نقولا فتوش.
سبق ذلك اجتماع بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تكتل “التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون في ساحة النجمة قبيل إنعقاد الجلسة التشريعية للمجلس النيابي بحضور النائب إبراهيم كنعان وعلي حسن خليل وجبران باسيل.
ومارس نحاس مهامه كوزير للعمل حتى اللحظات الأخيرة، فأرسل مشروع قانون حماية الأجر الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأصدر قرار تسهيل إجراءات منح إجازة العمل للعمال الفلسطينيين.
وفي لقاء صحفي في يومه الوزاري الأخير اعلن شربل نحاس، رداً على سؤال عن استقالته، ان “القصة تتخطى الاصطفافات السياسية وأعمق من كل شيء”، مشيرا الى ان “أملنا كبير ان نخرق كل التكتلات السياسية ونفرض ان البلد لا يحكمه عصابات”. وتحدث عن مرسوم النقل الذي قال انه طُلب منه ان يوقعه “بناء على اتفاق بين مجموعة تجار يشترون ويبيعون ومجموعة نقابيين يُشترون ويُباعون وجاؤوا ليخبرونا ان الورقة التي وقعوها يجب ان تمر، وأقول اسرائيل واميركا لا تخيفاننا، وهؤلاء الاشخاص لن يخيفوننا”.
في المقابل، تولى الجنرال عون تخفيف وطأة استقالة نحاس من خلال كلام دبلوماسي لم يقدم اجوبة وافية لأنصار التيار الوطني الحر وحلفائه حول سقف الإصلاح الممكن تنفيذه حقيقة في لبنان، بينما أعرب الوزير جبران باسيل عن اسفه لاستقالة نحاس قبل أن يضيف “لكن من دون قوننة بدل النقل، وإقرار مشروع إنفاق الـ8900 مليار ليرة، وحسم موضوع التعيينات الادارية واعطاء دفع لاستمرار الحكومة بروحية منتجة وفاعلة، قد تكون الخسارة اكبر للبلد”.
الى ذلك، خاضت الأكثرية اختبارا جديدا في جلسة المجلس النيابي بعيد ساعات قليلة من قبول استقالة وزير العمل، حيث حاولت قوى “١٤ آذار” اعاقة محاولات تكتل التغيير والإصلاح تمرير مشروع قانون يكشف الأداء المالي لحكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري، وهو ما كان محط كلام الجنرال عون بقوله إنه لن يوافق على إعفاء العهد السابق من كل المخالفات والاشكالات المالية.
غير أن انسحاب نواب “14 آذار” من الجلسة، أطاح بها بعد أن أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن إرجاء الجلسة التشريعية إلى الخامس من آذار المقبل “نزولاً عند رغبة الأصوات التي انسحبت”. وذلك عند بحث مشروع القانون المتعلق بتخصيص اعتماد قدره 8900 مليار للحكومة لتغطية الانفاق لغاية 31-12-2011، الأمر الذي اعترضت عليه كتلة “المستقبل” بشدّة.
وكان بري قد توجه الى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة بالقول في موضوع الـ11 مليار دولار، “لنعترف ان شيئا حصل خارج إرادتنا وان المجلس النيابي الذي قلتم في ما مضى انه مقفل، وقلتم انكم ترسلون موازنات من حكومة بتراء وبعد ان كان المبلغ 11 مليار دولار اصبح اليوم 22 مليار دولار”.
وبدا واضحاً ان الأكثرية لا تود الخوض في اختبار اصواتها النيابية مع حالة التذبذب في العلاقة مع النائب وليد جنبلاط الذي ذهب بعيدا في المقلب اآأخر، فاعتبر في اخر مواقفه أن “ساعة الفرز داخل طائفة الموحدين الدروز في لبنان وسوريا قد حانت، بين من يدعمون النظام السوري ومستعدون لأن يكونوا بمثابة المرتزقة في خدمته، وبين من يؤيدون الشعب السوري في نضاله المستمر نحو سوريا ديمقراطيّة متنوعة”.
موقف أثار العديد من التساؤلات وردود الفعل من دون أن يبدّل الكثير في تقييم المشهد السياسي الداخلي على عتبة جملة استحقاقات مستجدة من بينها التمديد لولاية جديدة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
Leave a Reply