كمال ذبيان – «صدى الوطن»
تتّجه الأنظار نحو مخيم عين الحلوة، بالقرب من صيدا عاصمة جنوب لبنان، الذي يُعتبر الأخطر أمنياً فـي لبنان، بعد عرسال التي يتواجد داخلها عشرات آلاف النازحين السوريين يضمون آلافاً من المنتمين فكرياً وتنظيمياً وقتالياً الى «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، اللذين يقبع مسلحوهم فـي جرود البلدة عند السلسلة الشرقية لجبال لبنان على الحدود السورية، ويقف بمواجهتهم الجيش اللبناني الذي يمنع تقدمهم، ويصد محاولات تسللهم بإتجاه بلدات البقاع الشمالي والهرمل.
فمخيم عين الحلوة يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني فـي لبنان، ويضم حوالي 120 ألف نسمة على مساحة كيلومتر مربع، وهو الأكثر إكتظاظاً بالسكان فـي العالم العربي وربما فـي العالم، ولا يمر أسبوع إلا ويقع فـيه حادث أمني بإغتيال شخص أو أكثر أو تفجير سيارة، وإلقاء قنبلة، وإطلاق النار ترهيباً، وانتشار مسلح، ولم تنفع كل محاولات التهدئة، وتشكيل لجان أمنية، وأخرى للمصالحة، وإنشاء قوة أمنية مشتركة من الفصائل لوقف مسلسل التفجيرات الأمنية المتنقلة بين أحياء وشوارع المخيم الذي فـيه نسبة فقر عالية، وإيواء مئات المطلوبين بجرائم متنوعة، حيث لم يعد السكن فـيه آمناً، وأن النزوح عنه الى أماكن أخرى أكثر أمناً بات دورياً وبارتفاع مضطرد، إضافة الى الهجرة خارج لبنان، وقد سُجل سفر نحو 20 ألف مواطن من المخيم، ومنهم عدد كبير من نازحي مخيم اليرموك فـي سوريا أو مخيمات أخرى.
عين الحلوة تحت المجهر
وقد عرف المخيم تبدلاً سياسياً ونفوذاً تنظيمياً إذ كانت حركة «فتح» لها الوزن الشعبي والحجم المسلح فـيه، إلا أنها ومنذ إتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات والعدو الصهيوني، بدأ نفوذها يتراجع، لصالح قوى فلسطينية مناهضة للحل السلمي، ومتحالفة مع النظام السوري ومحور المقاومة، وعُرفت بـ«قوى التحالف الفلسطيني» التي وقفت بوجه منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة «فتح»، لكن تحالف القوى سيطرت عليه حركة «حماس» التي تنتمي الى «الإخوان المسلمين» وتمكّنت بدعم من «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» واحتضان النظام السوري لها ومساندة حزب الله، من أن تشكل مرجعية سياسية منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، وهو ما ساهم فـي نمو الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل «جند الشام» و«عصبة الأنصار» التي اغتالت الشيخ نزار الحلبي رئيس جمعية «المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) فـي بيروت بسبب الصراع الديني بين الجمعية و«الوهابيين»، وألقت القوى الأمنية القبض على القتلة وأعدم القضاء أربعة منهم، فـيما فرّ زعيمهم أحمد السعدي المعروف بـ«أبي محجن»، والذي يشاع أنه قُتل فـي العراق بعد غزو القوات الأميركية له، وقاتل مع زعيم تنظيم «القاعدة» فـي بلاد الرافدين «أبو مصعب الزرقاوي»، وقد جاء الرد من «عصبة الأنصار» باغتيال أربعة قضاة لبنانيين على قوس المحكمة فـي صيدا.
فمنذ التسعينات ومخيم عين الحلوة يتحول نحو «القوى الإسلامية المتطرفة»، التي بدأت عملية قضم لأحيائه، فبدأت تتمدّد فـيها على حساب وجود حركة «فتح» التي انقسمت على بعضها، وعانت من تعدد المرجعيات داخلها وفـي ظل ضعف «قوى التحالف الفلسطيني»، ووضع خط أحمر أمام القوى العسكرية والأمنية اللبنانية من دخول المخيم وإنهاء ظاهرة الجماعات الإسلامية المتطرفة، لأسباب داخلية لبنانية، وظروف إقليمية كانت تمنع حصول عملية عسكرية فـي المخيم.
وفـي ظل هذه التطورات، كان المخيم يشهد بين وقت وآخر، أعمالاً أمنية، إذ كان هدف الإسلاميين إنهاء وجود «فتح» فـي عين الحلوة، وهي التنظيم الأقوى تسليحاً والأكثر عدداً بالمقاتلين، وقد تصدى محمود عيسى المعروف بـ«اللينو» وهو ضابط برتبة عميد فـي «فتح» للمجموعات الإسلامية، ونسّق مع مخابرات الجيش، ونجح فـي مرحلة من المراحل، بوقف توسعهم، حيث حاصرت قوات «الكفاح المسلح» مجموعات تابعة لـ«عصبة الأنصار» التي تسلمها أبو طارق السعدي، و«القوى الفلسطينية المجاهدة» بقيادة الشيخ جمال الخطاب، لكن تمّ عزل «اللينو» من منصبه كقائد للكفاح المسلح فـي المخيم، بسبب خلافات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإنحيازه الى جانب محمد دحلان القيادي فـي «فتح» الذي لمع اسمه كمسؤول أمني فـي غزة، وكبديل عن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (أبو مازن)، وقد أثّر هذا الخلاف والإنقسام على الساحة الفلسطينية فـي لبنان وتحديداً مخيم عين الحلوة، فإستغلت الجماعات الإسلامية ذلك لتقوم بعمليات تصفـية لعناصر «اللينو» الذي اتّهم حركة «فتح» بالتواطؤ مع الإسلاميين، لا سيما العميد منير المقدح الذي شغل منصب قائد القوة الأمنية فـي عين الحلوة.
فمن معركة الى أخرى، وتصفـيات بين التنظيمات الفلسطينية، تشجع الإسلاميون فـي تكوين مجموعاتهم المسلحة، وإعلان إنتمائهم الى تنظيمي «النصرة» و«داعش»، حيث يتوزعون بينهما على الشكل الآتي:
– بلال بدر (النصرة) خمسون عنصراً
– هيثم الشعبي (النصرة) أربعون عنصراً
– أسامة الشهابي (النصرة) ثلاثون عنصراً
– محمد الشعبي (داعش)
– جمال الرميض (داعش)
– هلال هلال أمير «داعش» فـي المخيم ومرجعها الشرعي ويترأس مجموعتها العسكرية.
– توفـيق طه (حي حطين) ورائد جوهر فـي الحي نفسه، وهما ينتميان لـ«داعش» ولكن مجموعتيهما صغيرة.
هذه الجماعات التي يراوح عددها ما بين 300 و500 عنصر تسيطر على أحياء المنشية-الصفصاف-الطيري، وقسم من حطين والطوارئ، بحيث بات كل من «داعش» و«النصرة» يسيطران على نصف مخيم عين الحلوة، إضافة الى وجود حوالي 300 عنصر ينتمون الى «عصبة الأنصار» بقيادة أبو طارق السعدي.
اجتثاث التطرف
هذا النمو للمجموعات التي تواجهها منظمة التحرير بحوالي 600 عنصر و«اللينو» بـ350 عنصراً، إضافة الى تحالف القوى الذي لا يبلغ عديد عناصره أكثر من 250 عنصراً، حيث الغلبة مازالت لحركة «فتح» التي قامت بتدريب حوالي 900 عنصر على يد ضباط حضروا من رام الله داخل الضفة الغربية، أوفدتهم السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وبات هؤلاء جاهزين لعمل عسكري يجتث «الحالة الإسلامية المتطرفة» التي ترهب سكان المخيم والجوار، وأن مسؤولي الفصائل الفلسطينية عرضوا أمام مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابرهيم الممسك بالملف الفلسطيني والعالم به، بأن يحصلوا على القرار السياسي من الحكومة اللبنانية للقيام بعمل عسكري يقتلع هذه الجماعات، ولو بكلفة ستكون عالية، لكن يرتاح المخيم أمنياً، وكي لا يتكرر ما جرى فـي مخيم نهر البارد فـي الشمال، الذي خطفه شاكر العبسي رئيس تنظيم «فتح الإسلام» وحاول إقامة إمارة إسلامية فـيه، والتمدد نحو مناطق أخرى، لكن الجيش فـي تصديه لهذه المجموعة، والتي كلفته شهداء وجرحى، أنقذ الشمال من أحداث خطيرة، وقبل أن تندلع الأزمة فـي سوريا، التي دخلت عليها القوى الإسلامية، لا سيما الإرهابية منها، مما عقد الوضع فـيها، وفتح باب تسلل مجموعات إرهابية الى لبنان الذي أراده أيمن الظواهري أن يكون «أرض جهاد»، لا «أرض نصرة»، والتي كانت أحداث مخيم نهر البارد بداياتها، لكنها فشلت، لتبدأ فـي الشمال مع أحداث «باب التبانة» و«جبل محسن» ثم فـي عرسال، وحاول الإرهابيون التمدد بإتجاه لبنان وتحديداً ساحله لربط إمارتهم فـي الرقة والموصل بالساحل اللبناني ليكون لهم منفذاً على البحر، لكن الجيش تمكن منهم فـي الشمال وساعده على ذلك سيطرة الجيش السوري على مناطق تل كلخ وقلعة الحصن، وقطع الإتصال بين مسلحي الشمال والإرهابيين، واقفل عليهم خطوط الإمداد بعد تحرير القصيّر فـي ريف حمص من المجموعات الإرهابية، فتمّ إبعادها عن الحدود اللبنانية، الشمالية ثم الشرقية فـي جبال القلمون والزبداني.
فـيما فشلت المجموعات الإسلامية المتطرفة عن تحقيقه فـي الشمال، ومن ثمّ فـي عرسال والبقاع الشمالي، وقبل ذلك بسنوات فـي مخيم نهر البارد وجرود الضنية، فإن محاولة جديدة بدأوها فـي عين الحلوة، بعد أن فشل الشيخ أحمد الأسير فـي تحريك صيدا، وافتعال صراع سني-شيعي (مع حارة صيدا)، وقطع طريق الجنوب على أهله، وعلى المقاومة، فإن هناك مَن يحاول من بعض الدول العربية وتحديداً الخليجية التي تخوض حرباً ضد «حزب الله»، بأن يقع مخيم عين الحلوة بقبضة «داعش» و«النصرة»، ونقل المعركة الى لبنان، الذي يعمل على الإستقرار فـيه، المجتمع الدولي، إلا أن إمساك «داعش» و«النصرة» بنصف المخيم يؤشر الى أن الأوضاع قد تتجه نحو التفجير، مع عجز القوى الفلسطينية عن التحرك العسكري، وقد كان اغتيال العميد فـي «فتح» فتحي زيدان وقبله قبل سنوات اللواء كمال مدحت، على طريق مخيم الميه وميه الذي لا تحدث فـيه توترات أمنية، رسالة دموية جديدة الى أن «فتح» هي المستهدفة كتنظيم لإستفزازها للرد على عمليات الإغتيال التي تطال قادتها وعناصرها، أو السكوت فتضعف، وهذا هو المطلوب، كي تتمكن القوى الإسلامية المتشددة من التوسع فـي المخيم الذي ليس هو الهدف فقط، بل السيطرة على صيدا والتمدد نحو إقليم الخروب، الملاصق للشوف، والذي يتصل بالبقاع الغربي، المرتبط بسوريا، وان الجنوب هو الهدف ايضا بقطع التواصل بين المقاومة وجمهورها.
Leave a Reply