إذا كانت القمة العربية التي انعقدت في الأردن لم تخرج بنتائج نوعية تتناسب مع التحديات التي تواجه المنطقة وبالتالي فهي بدت عادية في لحظة تاريخية، إلا أن لبنان الرسمي عاد من هذه القمة بمردود إيجابي، تمثل في أمرين يُسجلان له:
الأول، نجاحه في «انتزاع» بند ضمن البيان الختامي يدعم حقه في استعادة أراضيه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر بكل الوسائل المشروعة، ويميّز بين الإرهاب والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعدما كانت السعودية وبعض الدول الحليفة لها قد لوّحت سابقاً برفض التضامن مع لبنان على هذا الصعيد ربطاً بموقفها السلبي من «حزب الله».
الإنجاز اللبناني الثاني، هو الحضور المشترك والمنسجم للرئيسين ميشال عون وسعد الحريري اللذين قدما أمام القمة– المبعثرة الصفوف– صورة متماسكة عن الحكم اللبناني، بدءا من دلالات الشكل عبر ترافقهما معاً إلى عمان، وصولاً إلى المضمون المدروس من خلال تفاديهما للنقاط الخلافية وتركيزهما على القواسم المشتركة، ما يعكس سعيهما إلى انجاح اختبار التعايش بينهما، في السلطة، خلافاً للتجربة المتعثرة التي خاضها في الماضي الرئيسان إميل لحود والشهيد رفيق الحريري.
وقد أتى الخطاب «المحبوك» لرئيس الجمهورية أمام القادة العرب ليترجم حرص عون على عدم نشر الغسيل اللبناني على حبال القمة العربية، إذ أنه تجنب الخوض في الملفات الخلافية التي تنقسم حولها المكونات الداخلية، وحَصَر كلامه في المساحة التوافقية التي تتسع للجميع، خصوصاً أن الحريري كان يجلس خلفه على مسافة أمتار قليلة.
وتفيد معلومات «صدى الوطن»، أن الحريري كان مهتماً بأن يسلك خطاب عون في قمة عمان الدروب الآمنة، بحيث لا يحرج أحداً في الداخل والخارج، والأرجح أنه ناقشه مسبقاً في ذلك، مفترضاً أن هذه هي فرصة لمعالجة التداعيات المحلية والعربية للموقف الشهير الذي أطلقه رئيس الجمهورية في مقابلة أجراها مع إحدى المحطات المصرية واعتبر فيها أن سلاح المقاومة مشروع ولا يتعارض مع منطق الدولة.
ويؤكد العارفون أن عون يتطلع بدوره إلى بناء ثقة عميقة مع الحريري، وهو يعرف أنه توجد مصلحة وضرورة في أن يكون هناك تعاون وتناغم بينه وبين رئيس الحكومة، لأن من شأن ذلك أن يساهم في انجاح العهد وتفعيل شراكتهما، في حين أن أي توتر في العلاقة بين قطبي الحكم سيؤدي إلى تعطيل انتاجية الدولة، والادلة على ذلك عديدة.
ويبدو أن عون الذي سجل موقفاً للتاريخ في المقابلة مع تلفزيون «سي بي سي» المصري، كان ميّالاً إلى الاستفادة من انعقاد قمة عمان ليحاكي اللبنانيين والعرب من موقع الحَكَم المتوازن، متجنباً في الوقت ذاته أن يظهر بمظهر المحايد السلبي، فاعتمد الصراحة التي تعاين الجرح ولا تحفر فيه، ولجأ إلى استفزاز الوجدان العربي وليس هذه الدولة أو تلك.
وبهذا المعنى، نجح عون خلال القمة العربية في أن يحاذر وحول صراعات المحاور العربية وتجاذبات الداخل، محاولاً استعادة الدور التاريخي الذي عُرف به لبنان، قبل الحرب، على مستوى صناعة الجسور ومدها بين المتصارعين، داعياً إلى تعميم طاولة الحوار التي تخصص بها اللبنانيون على المنطقة، حتى بدا بمثابة «عون» للعرب في مواجهة خلافاتهم.
تشويش الرؤساء السابقين
ويمكن القول إن خطاب عون عطل كلياً مفاعيل الرسالة التي وجهها الرؤساء الخمسة السابقون إلى القمة العربية، عبر «الخط العسكري» الذي مرّ خلف ظهر عون والحريري، في نوع من التشويش على حضورهما في قمة الأردن، باعتبارهما يمثلان الدولة اللبنانية ويعبران عن خياراتها وسياساتها أمام المحافل الإقليمية والدولية.
ولعل الاشارة الاوضح إلى انعدام الجدوى السياسية للرسالة التي وقّعها الرؤساء سليمان والجميل والسنيورة وميقاتي وسلام، تكمن في غياب اي تأثير لها على الفقرة اللبنانية في البيان الختامي، الذي أكد– برغم كل محاولات التحريض والتأليب– حق لبنان في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته ولم يُصنف «حزب الله» إرهابياً كما حصل في مناسبات عربية سابقة، بل أنه لم يُؤت على ذكره أساساً.
وأكثر ما أثار الاستغراب هو وجود توقيع الرئيسين ميقاتي وسلام على الرسالة التي استهدفت سلاح «حزب الله»، من غير أن تسميه، إذ أن وزراء الحزب كانوا شركاء في حكومتي الاثنين، وساهموا في تأمين الحد الأدنى من شروط عملهما، بل أن حكومة ميقاتي كانت محسوبة في السياسة على «حزب الله» و«8 آذار».
ومن دواعي الاستغراب أيضاً أن سلام الذي وصل إلى رئاسة مجلس الوزراء بتسمية من الحريري، وافق على أن يكون شريكاً في رسالة تصيب شظاياها رئيس «تيار المستقبل». والمفارقة الاكبر، هي أن الرئيس فؤاد السينورة كان من المساهمين في اطلاق «النيران الصديقة»، برغم انه رئيس كتلة المستقبل النيابية، ما يطرح علامات استفهام حول واقع العلاقة بينه وبين الحريري في هذه المرحلة.
Leave a Reply