بيروت – كمال ذبيان
الخلاف السعودي – الإيراني عاد الى الظهور مع التصعيد الكلامي لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفـيصل بأن إيران تحتل سوريا، وهي تتوسع فـي اليمن ولها نفوذ فـي لبنان والعراق، بعد أن كانت الأجواء إيجابية بين الدولتين برزت من خلال لقاء الوزير الفـيصل بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف فـي نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحدث الدبلوماسي السعودي العريق عن تعاون بين البلدين لإحلال الأمن والسلام فـي المنطقة، وأن لقاءات ستجمع بين مسؤولي البلدين، وقد استبشر اللبنانيون بالتفاؤل الذي خرج به الوزيران من اجتماعهما، وأن لا بدّ أن ينعكس ذلك على الأزمات والحروب الدموية المدمّرة التي تعصف بالعالم العربي وتهدّد السلم والأمن العالميين، وأن لبنان سيكون له نصيبه من أي تقارب وتفاهم سعودي – إيراني، كما عوّل قبل سنوات على تعاون سوري – سعودي وما سمّاه الرئيس نبيه برّي «س – س».
وزير الداخلية والبلديات اللبناني نهاد المشنوق |
إلا أن التفاؤل اللبناني لم يدم طويلاً، فقد تسبّب تصريح الوزير الفـيصل بأجواء تشاؤمية من جديد، كما تمّ التعبير عن التباعد السعودي – الإيراني فـي الموقف الذي أصدره الرئيس سعد الحريري واعتبر فـيه أن عملية المقاومة فـي مزارع شبعا المحتلة ضد دورية إسرائيلية، هي «مغامرة»، وهو يشبه موقف السعودية من خطف المقاومة جنديين إسرائيليين عند السياج الحدودي فـي عيتا الشعب فـي 12 تموز 2006 ووصفت العملية بالمغامرة، وردّت «إسرائيل» بحرب على لبنان استمرّت 33 يوماً، خرجت منها مهزومة والمقاومة منتصرة فـي تصديها للعدوان.
فموقف الحريري يعكس توجهاً سياسياً تعبّر عنه دول عربية عدة استسلمت لـ«إسرائيل» وأقامت سلاماً معها، دون أن تمنع استمرار حروبها على غزة ولبنان، أو توقف استيطانها للضفة الغربية والقدس، وهو ما يعيد أساس الأزمة فـي لبنان التي لم تنتهِ بعد، حتى ما بعد اتفاق الطائف، والتي تتعلق بموقف لبنان من الصراع مع العدو الإسرائيلي بالرغم من أن الطائف أقرّ حق اللبنانيين باسترجاع أرضهم المحتلة بشتى الوسائل والأساليب ومنها المقاومة التي كانت جزءًا من استراتيجية وطنية هي الجيش والشعب، أدّت الى تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي باستثناء مزارع شبعا التي لم يستعدها لبنان بالقرارين 425 و1701. وقد جاء موقف الحريري من المقاومة، كأنه إعادة الى تأجيج الخلاف بعد أن تمّ ربط نزاع مع «حزب الله» ليتشاركا فـي حكومة برئاسة تمام سلام، ووضع المواضيع الخلافـية جانباً كمشاركة «حزب الله» فـي القتال الى جانب النظام فـي سوريا الذي يقف «تيار المستقبل» موقفاً معادياً منه ويدعو لإسقاطه ويدعم مَن يعمل لهذا الهدف بشتى الوسائل التسليحية والمالية واللوجستية والسياسية والإعلامية، وقد توقع كل من الطرفـين أنه سيحقق انتصاراً فـي سوريا، ومن وجهة نظر مختلفة.
إلا أن ما أعلنه الحريري تم تخطيه، ولم ترد المقاومة عليه، لأن ما قصدته من عمليتها لا يتعلّق بالشأن الداخلي اللبناني، بقدر ما هي رسالة الى «إسرائيل» ومعها «جبهة النصرة» التي تتمدّد على أعين قوات الاحتلال فـي الجولان أنه ممنوع إقامة «شريط حدودي» جديد، الذي سيكون هدفاً دائماً للمقاومة حيث تلقّت الدولة العبرية الرسالة بجدية .
لكن التفجير السياسي المفاجئ، جاء من وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي لم يكن أحد ينتظر منه أن يصدر عنه موقف تصعيدي فـي وقت تهدّد الجماعات التكفـيرية الإرهابية لبنان وتقف عند حدوده، وأقامت لها خلايا نائمة، حذّر منها قائد الجيش العماد جان
قهوجي الذي يُقتل ويُخطف العسكريون على يد هذه العصابات التي تغرّر أيضاً بعسكريين وتعمل على استدراجهم للإلتحاق بها، للتأثير على معنويات الجيش والضرب
على وتر المذهبية وتحريكها، من خلال تسجيلات صوتية لجنود فرّوا، لأنهم يرفضون أن يُذل السّنّة على يد «حزب الله».
وجاء تصعيد المشنوق تحت حجة أن «حزب الله» لم يتجاوب مع تنفـيذ الخطة الأمنية فـي البقاع بعد أن طُبّقت فـي طرابلس، ليوجّه انتقاده لمخابرات الجيش بأنها لا تتمتع بـ«الصفاء الوطني» ويشكّك بدورها على أنها منحازة لطرف على حساب آخر، وهو ما أعلنه النائب خالد الضاهر ومنذ سنوات عدة ولمرات متكررة عبر تشكيكه فـي الجيش، ليلاقيه المشنوق فـي خطابه بذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن، ليعتبره البعض بأنه لكسب شعبية داخل «تيار المستقبل» أولاً ثمّ فـي الطائفة السنّيّة، بعد أن اهتزّت صورته خلال دعوته لرئيس لجنة الارتباط فـي «حزب الله» وفـيق صفا الى اجتماع أمني طلب تصويره، ولمنافسة وزير العدل اللواء أشرف ريفـي الذي طُرح اسمه لرئاسة الحكومة من قبل سعد الحريري قبل تكليف تمام سلام، وهو المنصب الذي يطمح إليه المشنوق الذي قرّر التصعيد فـي وقت تزامن مع توتر العلاقات السعودية – الإيرانية، حيث يلتقط المشنوق الخطاب السعودي وهو مقرب من أمرائها وقيادتها، ليعكسه فـي السياسة، فكان تحميله «حزب الله» مسؤولية عدم الإلتزام بوعده المساعدة فـي تطبيق الخطة الأمنية بقاعاً، ولجم عصابات السرقة والخطف وتجارة المخدرات والمساعدة فـي توقيف المجرمين والمطلوبين للقضاء، وهو الأمر الذي حصل فـي طرابلس ولم يحصل فـي البقاع والمناطق الخاضعة لنفوذ «حزب الله»، وكأنه يراد أن تكون المناطق السنّيّة التي لـ«تيار المستقبل» وجوده القوي فـيها، مسرحاً لصدام بين المستقبل والمطلوبين للعدالة أو المخلين بالأمن من تكفـيريين وغير تكفـيريين، ولن يكون تياره السياسي صحوات بمواجهة الإرهابيين كما حصل فـي المحافظات السنّيّة فـي العراق، وهي لن تتكرّر فـي لبنان، إلا إذا قام «حزب الله» بالدور نفسه فـي مناطقه ومساعدة القوى الأمنية والجيش تنفـيذ الخطة الأمنية.
لقد رفع وزير الداخلية من حدة الخطاب السياسي وأراد فـي توقيته أن يلاقي التصعيد السعودي ضد إيران، عبر فك تعاونه مع «حزب الله» فـي التنسيق الأمني، كما فك الحريري ربط النزاع السياسي، حيث باتت الخشية من أن ينفرط عقد الحكومة التي تشكّلت بعد نحو عشرة أشهر من تعثرها، والتي لم تؤلف إلا بعد توافق سعودي – إيراني ورعاية دولية، غير أن الطرفـين «حزب الله» و«تيارالمستقبل» ليس لهما مصلحة بإسقاطها فـي ظل شغور فـي رئاسة الجمهورية، وعدم حصول انتخابات نيابية وتمديد لمجلس النواب، لذلك فإن مواقف الحريري والمشنوق تصب فـي خانة استنهاض الشارع السّنّي أمام تآكل وجود «تيار المستقبل» لصالح المتطرفـين التكفـيريين الذين يقضمونه قطعة قطعة، وأراد وزير الداخلية طمأنة جمهوره بأنه لن يرضى أن تكون الطائفة السنّيّة مكسر عصا، كما السُنّة فـي العراق، وأن يستخدم الجيش لصالح «حزب الله»، كما فعل رئيس الحكومة السابق فـي العراق نوري المالكي ضد المناطق السنية ، وهو ما أفاد تنظيم «داعش» الذي أسقط الموصل ومحافظات فـي غرب العراق، منبهاً من أن الوضع لن يستقيم إلا بحصول توازن أمني، فلا تكون مناطق خاضعة للدولة وتنفذ خطتها الأمنية ومناطق يحميها «حزب الله» وتبقى تحت سيطرة العصابات والخارجين على القانون.
لقد بقّ المشنوق البحصة كما قال، لكنه شنق نفسه فـي خطابه كما علّق عليه الرئيس نبيه برّي، والذي لم يلقَ مباركة النائب وليد جنبلاط الذي لم يرَ لزوماً له، وأن تكون الصحوات فكرية وسياسية، فـي وقت لم يشأ «حزب الله» الرد عليه، واكتفى بالتأكيد أن الحكومة ستستمر، لأن لبنان بحاجة الى الاستقرار، ولن ينزلق نحو الفتنة التي تجرّه إليه بعض مواقف وخطب «تيار المستقبل» وحلفائه فـي 14 آذار، إذ اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» أن عملية المقاومة فـي مزارع شبعا هي «خيانة وطنية»، وتوجّه ضد «حزب الله» شتى الإتهامات لإستفزازه مع قاعدته وجمهوره لكنه يضبط أعصابه وقاعدته كي لا يحصل المحظور الأمني ويقع لبنان فـي حرب يريدها العدو الإسرائيلي والتكفـيريون، ولا يرغب الحزب فـي الذهاب إليها.
إن لبنان مازال يحظى برعاية دولية – إقليمية للحفاظ على الاستقرار، إلا أن تحذيرات تأتيه من مراجع دولية ومنها تيري رود لارسن المراقب لتطبيق القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي قبل عشر سنوات والخاص بلبنان، والمبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا، من أن خطر «داعش» أصبح فـي داخل لبنان، فـي وقت يسأل المشنوق عن خطة أمنية فـي البقاع الذي يقاتل ابناءه التكفـيريين عند الحدود اللبنانية – السورية، وقد حيا المشنوق فـي خطابه الشهداء الذين سقطوا فـي بريتال دفاعاً عن لبنان، معترفاً لـ«حزب الله» بذلك، وهو موقف جريء منه، كان عليه أن لا يشوّهه بمسألة تقنية حول إلقاء القبض على مطلوبين…
Leave a Reply