بيروت – خاص «صدى الوطن»
يُعتبر نهار الأحد نهار راحة واسترخاء في لبنان، إنما الأحد الفائت لم يكن كذلك أبداً. وعلى الرغم من أنّ الروايات عادةً ما تتعدّد وتتضارب حول حدث مُعيّن، إلا أنّ هناك ثوابت يتّفق عليها الجميع، وقد كانت الثوابت في هذه الحالة كالتالي: إطلاق نار، ثلاثة قتلى وستة جرحى، فتنة طائفية ومذهبية كادت، لو وقعت، أن تأخذ صيدا ولبنان الى نواحي مجهولة، ودفنٌ في أرض ليست بمقبرة.
مسلحون يرافقون الشيخ أحمد الأسير والفنان المعتزل فضل شاكر في صيدا الأسبوع الماضي. |
بحسب أولى الروايات، توجّه الشيخ أحمد الأسير مع مُرافقيه الى «الحي التحتاني» في تعمير عين الحلوة على الرغم من أنّ الأعلام واليافطات المُرتبطة بعاشوراء والتي كان في وقت سابق قد طالب بإزالتها، تمّت إزالتها. وبحسب الرواية ذاتها، كان الشيخ زيد ضاهر، مسؤول «حزب الله» في المنطقة، قد بدأ بإقناع السكان بإنزال صورة تجمع الشهيدين المجذوب والسيد حسن نصر الله، إلا أنّه لم يتمكّن من إكمال مساعيه حتى فوجىء بوصول عناصر «أسيرية» بدأت بإطلاق النار عشوائياً لتُصيب الفتى المصري علي الشربيني. حاول ضاهر مُساعدته فتلقى طلقات من مُرافقي الأسير في بطنه وكتفه متبوعة بإطلاق نار من داخل الحي أصاب ثلاثة من المرافقين. وفي المحصّلة، توفي الفتى وإثنان من مُرافقي الأسير. فيما زادت رواية أخرى على ذلك موضحةً أنّ الشيخ الأسير كان قد دعا مُناصريه من خلال «فيسبوك» للتجمّع، مُبرراً الدعوة بمعلومات عن شبان يرفعون رايات سوداء في حارة صيدا ليتبيّن لاحقاً أن هذه الدعوة لم تكن سوى وسيلة تغطية لهجوم الشيخ على دورية لقوى الأمن الداخلي أوقفت السيارة ذات الزجاج العازل والتي كان يقودها ابنه الذي لا يتجاوز عمره 15 عاماً.
وقد أصرّ الأسير في روايته الخاصة على أنّ من دعاهم بـ«حزب إيران» هم الذين بدأوا بإطلاق النار. وفي اليوم التالي، يوم التشييع، تجمّع المشيّعون قرب مسجد الشهداء وسط المدينة ليفاجئهم الأسير بقراره دفن مُرافقيه الإثنين في «دوّار الكرامة»، حيث أقام إعتصامه في شهر رمضان، على الرغم من أنّ الدوار هو مكان عام وليس مقبرة.
وما بين الاستنكارات والصدمة والإجراءات التي اتّخذها الجيش فيما بعد لجهة فرض الأمن في صيدا، حمّل والدا علي الشيخ الأسير المسؤولية الكاملة لموت ابنهما. أما المواقف المتعلّقة بتصرفات الأسير الأخيرة فقد تعدّدت. ففي حين أكّدت النائبة بهية الحريري على أهمية العدالة موجهة رسالة الى المسؤولين الأمنيين بالتحقيق في الحادثة وتقديم المسؤولين عنها الى القضاء وأضافت مُنسقية تيار المستقبل على أنّ الأحداث تؤكّد على انتشار السلاح غير الشرعي، عبّر الأمين العام «للتنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد عن إستنكاره الشديد لما حصل مُشيراً الى تحذيرات سابقة من خطابات الشحن المذهبي، ومتسائلاً اذا كان هناك خطة لتحويل صيدا الى ساحة للصراعات التي تخدم المشروع الأميركي-الصهيوني، بينما أكّد لقاء الأحزاب اللبنانية على رفضه لاستغلال ما حصل للكلام عن سلاح المقاومة. أما الدكتور عبد الرحمان البزري فقد اعتبر أنّ ما حدث هو نتيجة لعدم توفّر خطاب وطني جامع ودعا وزير الداخلية الى الإستقالة كما أشار إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود الى أنّ التحرّك الذي قام به الأسير لم يكن بسلمي.
أما قائد الجيش العماد جان قهوجي فقد أكّد على وقوف الجيش بالمرصاد بوجه إشعال الفتنة في لبنان فيما شدّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لقاء جمعه بالمفتي الشيخ محمد رشيد قباني على أنّه لا خوف من فتنة في صيدا طالما هناك قرار بالسيطرة على الوضع. وعلى الرغم من أنّ القضية باتت الآن في يد القضاء، الا أنّ آخر تطوّر برز أن وفداً من المبادرة الفلسطينية-الإسلامية وفي لقاء مع الأسير، قال بأنّ هناك إمكانية أن يُسلّم الأسير المتهمين بإطلاق النار اذا قام الطرف الآخر بتسليم عناصره المُتهمين.
وفي الموضوع ذاته، دعا الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، من خلال إطلالته التلفزيونية في مناسبة «يوم الشهيد»، الجميع الى التصرّف بحكمة مُشيراً الى الوعي الكبير الذي يمتلكه الشعب اللبناني للإبتعاد عن الفتنة والتحريض المذهبي. أما في موضوع الحوار فقد أكّد على الجهوزية التامة في حال قرّر الفريق الممانع لهذا الأمر الإنضمام الى الطاولة. وكردٍ على ما تضمنته الإطلالة، فقد عقد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع مؤتمراً صحفياً فنّد من خلاله ما قاله السيد متهماً الحزب بمحاولة إلغاء «القوات اللبنانية» وبالإغتيالات التي حصلت في لبنان، مشيراً الى أنّ فريق «14 آذار» ليس هو المسؤول عن الفتنة السنية– الشيعية. وفي نهاية كلمته، جاء على ذكر قانون الـ50 دائرة الذي يضمن صحة التمثيل.
زار الوفد القيادي في «حزب الله» برئاسة السيّد ابراهيم أمين السيّد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في زيارة على الرغم من أنّها شكّلت دليلاً على انفتاح «حزب الله» على بكركي وجميع الأطراف الا أنّها كانت مصدر علامات استفهام كبيرة لقياديي «14 آذار» الذين استغربوا اللقاء بين الإثنين. وفي حين أبدت بكركي رفضها لـ«قانون الستين» وتأجيل الإنتخابات، أكّد الحزب على لسان السيّد الذي نقل الى البطريرك تحيات السيد نصرالله عدم تبنيه لحكومة حيادية وإنما لحوار بناء وهادف. من جهته، وجّه البطريرك الراعي دعوة الى الحزب للمُشاركة في حفل تنصيبه كاردينالاً في الفاتيكان في الرابع والعشرين من هذا الشهر. وفي هذا الموضوع، أكّد جعجع على أنّ مؤيدي الإرشاد الرسولي لا يُمكن أن يكونوا مع النظام السوري.
وفي سياق آخر، شغلت فضيحة الأدوية المزوّرة اللبنانيين هذا الأسبوع. فقد تمّ إدخال أدوية لعدد كبير من الأمراض، منها أدوية شرايين وسكري، الى لبنان دون تمريرها كما تقتضي الإجراءات عادة، وذلك بعد تزوير توقيع وزير الصحة وختم وزارة الصحة وأوراق مختبر «جامعة بيروت العربية». وقد أصدر النائب العام التمييزي القاضي حاتم ماضي، بلاغ بحث وتحر في حق عبد اللطيف عبد المطلب فنيش المعروف باسم محمود، وفؤاد أحمد وهبي قبل أن يتم إرسال محققين إلى وزارة الصحة للإطّلاع على الملفات. أما وزير الصحة علي حسن خليل فقد أكّد أن اكتشاف هذه الفضيحة هو حقاً إنجاز لوزارة الصحة في حين قالت مصادر في «14 آذار» أنّ هذه الفضيحة تُضاف الى لائحة الفساد الحكومي.
أخيراً، لا يزال موضوع سلسلة الرتب والرواتب عالقاً في أُفق لا يعلمه أحد. ويؤكّد رئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب أنّ التأجيل الدائم لا يعني سوى أمراً واحداً الا وهو إلغاء السلسلة، مضيفاً أنّ موضوع السلسلة قد تحوّل الى معركة بدأت بالإعتصامات والإضرابات ولن تنتهي حتى يتم أخذ التدابير اللازمة التي تُعطي اللبنانيين حقوقهم المسلوبة. وهنا، شدّد النائب وليد جنبلاط على أهمية أخذ سياسة التقشّف بعين الإعتبار قبل فوات الأوان.
Leave a Reply