بعد قرار ترامب وقف تمويل «الأونروا»
يستكمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ مشروعه التصفوي للقضية الفلسطينية في إطار ما يسمى «صفقة القرن»، بإيقاف بلاده عن دفع ما يتوجب عليها دولياً لوكالة «غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأنروا)، والبالغ 365 مليون دولار، من أصل حوالي مليار و200 مليون دولار هو المبلغ المقدر كموازنة سنوية للوكالة التي تتولى مساعدة حوالي أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني موزعين على مخيمات في الضفة الغربية وغزة والأردن وسوريا ولبنان.
تأسيس «الأونروا»
تأسست «الأونروا» كوكالة مؤقتة في أيار من العام 1951 وبقرار من الأمم المتحدة، لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وجمع التبرعات لهم، حيث تمّ تعريف اللاجئ الفلسطيني بأنه الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال الفترة ما بين 1 حزيران 1946 وحتى 15 أيار 1948، وهذا اليوم هو الذي حصلت فيه نكبة فلسطين واحتلّت من قبل عصابات الصهاينة، وصدر قرار التقسيم 181، وفقد اللاجئ منزله ومورد رزقه نتيجة نكبة 1948.
وتمّ تسجيل حوالي 950 ألف شخص كلاجئين فلسطينيين، من قبل «الأونروا» في أيار عام 1951، ثم قلّصت العدد بعد أربعة أشهر ليبلغ 860 ألفاً، وقد ارتفع عدد اللاجئين على مدى سبعين عاماً ليبلغ نحو خمسة ملايين شخص موزعين في دول الشتات، بمن فيهم مَن تركوا فلسطين بعد حرب العام 1967.
دور الوكالة
أنشئت «وكالة غوث اللاجئين» من أجل وقاية وتعزيز حقوق لاجئي فلسطين، حيث تقدّم خدماتها بطريقة تعمل على احترام حقوق المستفيدين، وتضمن الاستجابة لاحتياجات الحماية في كافة برامجها وسياساتها وإجراءاتها، وهي تدافع في بياناتها العامة وفي مداخلاتها الخاصة في مختلف الميادين والمواقع العالمية عن حقوق اللاجئين، وهي ليست لها صفة أو مهمة إدارة المخيمات، بل إدارة برامج التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الإجتماعية الموجودة داخل وخارج المخيمات، كما أن الوكالة ليست مسؤولة عن الأمن أو تطبيق القانون والنظام في المخيمات، وليست لديها قوات شرطة أو جهاز أمن (مخابرات)، لأن هذه القضايا هي من مسؤولية الدول المضيفة، وليس «الأونروا» التي حصرت مهامها وصلاحياتها بالإغاثة، كما أنها لم تكن مسؤولة عن مكان المخيمات التي أمنتها الدول المضيفة وقدمت الأرض المملوكة من الدولة، أو تلك المملوكة من القطاع الخاص، لأن مهمة الوكالة مؤقتة، بين مرحلتي النزوح والتهجير القسري، ثم العودة التي اعترفت الأمم المتحدة بحقها للفلسطينيين اللاجئين، من خلال القرار 194، والذي لم ينفذ منذ عام صدوره في العام 1948، واستمرت «الأونروا» في دورها، الذي تحاول الإدارة الأميركية الحالية إلغاءه، كما سعت إدارات سابقة من خلال تخفيض مساهمتها في تمويل «وكالة غوث اللاجئين»، بهدف منع وجود غطاء دولي يكرّس حق عودتهم.
التمويل
تتموّل «الأونروا» من التبرعات الطوعية، وهي تأتي في غالبيتها من الدول المانحة، وتعتبر الولايات المتحدة المانح الأكبر إذ سجّلت المبلغ الأعلى الذي قدمته، ووصل إلى 130 مليون دولار في العام 2013، وتلاها الإتحاد الأوروبي بـ106 ملايين دولار، أي ما يوازي حوالي 45 بالمئة من إجمالي الدخل الذي حصلت عليه «الأونروا» من أجل موازنتها لبرامجها الرئيسية، حيث تقلّصت موازنة «الأونروا» منذ ذلك العام لتبلغ 675 مليون دولار، تتوزّع النسبة الأكبر منه على التعليم بحوالي 392 مليون دولار، ومبلغ 118 مليون دولار لحياة مديدة وصحية، و86 مليون دولار لمشاريع اجتماعية.
الهدف الأميركي
وقف دعم وكالة «الأونروا» أميركياً مرتبط بقرار سياسي، تعبر عنه «صفقة القرن»، وهو إلغاء ومنع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بعد قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، التي قامت بإصدار قانون «يهودية الدولة»، كتعبير عنصري، يمهّد لإخراج الفلسطينيين الذين صمدوا وبقوا في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، من خلال عملية ترحيل أو ما يُعرف بـ«الترانسفير»، ليصبح الكيان الصهيوني دولة عنصرية بامتياز، يشبه دولة «الأبارتهايد» العنصرية في جنوب أفريقيا والتي أسقطها نضال شعبها بقيادة الرلحل نيلسون مانديلا.
وأمام قرار الرئيس الأميركي بتجفيف تمويل «وكالة غوث اللاجئين» تلوح بوادر مواجهة بين الدول المضيفة واللاجئين الفلسطينيين لديها، لفرض توطينهم، وقطع حق العودة عليهم، وهو مشروع أميركي–إسرائيلي قديم بدأ في الأردن من خلال «مشروع آلون للوطن البديل» للفلسطينيين، ثم مخطط الوزير الأميركي الأسبق هنري كيسنجر لتوطين الفلسطينيين في لبنان، والذي كان من أسباب تفجير الفتنة فيه، واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية.
لبنان يتحرك
تنبّه لبنان إلى خطورة المشروع الأميركي الهادف إلى توطين الفلسطينيين، وإسقاط حق العودة لهم، حيث أظهرت الوقائع والممارسات، أن ما سمي مشاريع سلام للقضية الفلسطينية وللصراع العربي–الإسرائيلي، لم تكن سوى عمليات تصفية لما تبقى من حقوق الفلسطينيين التي تنازل عنها مَن ذهب إلى توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، والذي كان بداية للاعتراف الفلسطيني بوجود الدولة العبرية، ليتحول الصراع معها إلى صراع حدود بدلاً من صراع وجود، عبر تكريس اغتصاب فلسطين، عبر حل سُمي مجتزأ في أوسلو، فيما الحل النهائي بقي معلقاً ببنود خلافية عميقة، كالقدس والتمدد الاستيطاني وحق العودة. فجاء ترامب برؤيته للسلام، من خلال إخراج بنود الحل النهائي من التداول، باعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والتمهيد لمنع حق العودة، وإعطاء شرعية للمستوطنات اليهودية، إضافة إلى التخلي عن مقترح الدولتين الذي تبنته واشنطن منذ عقود دون أن يصبح واقعاً.
سياسات إدارة ترامب أشعرت المسؤولين اللبنانيين لاسيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، إضافة إلى قيادات وطنية لبنانية أخرى، بخطر المشروع الأميركي على لبنان، حيث سيحمّله أعباء أكثر من 400 ألف فلسطيني نازح على أرضه، في وقت يعمل لبنان على معالجة موضوع النزوح السوري الذي هو ثلاثة أضعاف الفلسطيني. الفلسطينيون في لبنان من جهتهم يؤكدون كذلك رفضهم للتوطين، وتمسكهم بحق العودة، في تلاقٍ للطرفين على رفض الانصياع للقرار الأميركي لا بل مواجهته، فاجتمع وزير الخارجية جبران باسيل بسفراء الدول، محذّراً من قرار ترامب، وداعياً إلى تمويل بديل كما طالب الرئيس بري الجامعة العربية للقيام بواجباتها.
Leave a Reply