خزينة خاوية .. ودولة على شفير الإفلاس
كمال ذبيان – «صدى الوطن»
«لا توجد ليرة في احتياط الموازنة».
هذا ما صارح به وزير المال علي حسن خليل، النواب في الجلسة التشريعية الأخيرة للمجلس التي كانت تبحث في إقرار قانون يسمح لوزارة الصحة، أن تصرف من احتياط الموازنة، لشراء أدوية للأمراض المزمنة، لاسيما السرطان، بقيمة 70 مليار ليرة، وحصلت الموافقة على ذلك، لكن الوزير الخليل، كشف عن أن لا أموال احتياطية أصلاً في خزينة الدولة.
ما أعلن عنه وزير المال، أكد عليه الرؤساء الثلاثة، ميشال عون ونبيه برّي وسعد الحريري، الذين يحذّرون من انهيار الوضع الإقتصادي، بسبب استمرار العجز في الموازنة، التي فشلت محاولات تخفيفه لتعتبر هذه السنة المالية، الأسوأ في تاريخ الجمهورية اللبنانية، وهو ما ينذر بأزمة مالية متفاقمة لاسيما مع تراجع الواردات وزيادة النفقات وصولاً إلى خطر توقف دفع الرواتب والأجور في القطاع العام.
مؤشرات خطيرة
إذ أن الوزير الخليل، حذّر من أن احتمال عدم تمكن الحكومة من تسديد الرواتب والأجور لموظفيها في كل الأسلاك الإدارية والعسكرية والقضائية والدبلوماسية، وارد جداً، إذا لم تتم الاستدانة لها، لأن النفقات الحكومية قاربت 29 بالمئة في حين حصل تراجع في الواردات بنسبة 2 بالمئة، وهذا ما انعكس على الخزينة، إذ سجل عجز بحوالي 3 مليار دولار مع الأشهر الستة الأولى من العام 2018، مما أثر على النفقات التي ستتوقف حكماً، ومنها الرواتب والأجور، إذا لم تحصل استدانة لها من أجل تأمين الموارد وتسديد المستحقات التي يمكن أن تتوقف مع مطلع العام الجديد.
أما المصارف فتمتنع عن تأمين الأموال من ودائعها للدولة التي تطالب الاستدانة بفائدة قليلة وهذا ما ترفضه جمعية المصارف، مما استدعى تدخّل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من أجل إيجاد حل بين وزارة المال والمصارف التي تخشى بدورها أن لا تتمكن الحكومة من تسديد مستحقاتها. وهذه المصارف لطالما استفادت من استدانة الدولة منها بسندات خزينة، من خلال «اليورو بوند»، محققةً أرباحاً كبيرة من ذلك، في وقت كان اللبنانيون يتابعون عداد الدين العام الذي يرتفع عاماً تلو آخر، وقد يصل في نهاية السنة الحالية إلى ما يقارب المئة مليار دولار، فيما يذهب بعض الخبراء الماليين إلى التحدث عن 125 مليار دولار، مع خدمة فوائد الدين بحوالي خمسة مليارات دولار سنوياً، مما يشكّل عبئاً متزايداً على الموازنة العامة.
العجز المالي
التقارير العالمية التي تصدر عن البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، أو خبراء ماليين واقتصاديين، تحض الحكومة اللبنانية على المباشرة بخفض العجز المالي تدريجياً، ولو بنسبة 1 بالمئة سنوياً. لكن ما حصل، أن العجز قارب 33.8 بالمئة من حجم الموازنة، وهي أعلى نسبة عجز تسجل منذ مؤتمر «باريس–2»، حيث كانت نسبة العجز 11 بالمئة عام 2002، ليتضاعف ثلاث مرات دون أن تتمكن الحكومات المتعاقبة من خفضه أو السيطرة عليه، حتى جاءت أرقام هذا العام مخيفة، وتؤشر إلى أن لبنان قادم على إفلاس إذا لم يقم بإصلاحات جذرية فورية.
وكان «مؤتمر سيدر» الذي انعقد في نيسان (أبريل) الماضي في باريس لمساعدة لبنان على إنقاذ اقتصاده، طلب من الحكومة أن تقوم بعملية إصلاح واسعة، بدءاً من ضبط الإنفاق العام ووقف الهدر في مؤسسة كهرباء لبنان، حيث تكلّف الكهرباء سنوياً أكثر من ملياري دولار، ومازال انقطاعها قائماً والتقنين مستمراً، ولم تقم الحكومات بوقف هذا الهدر الفادح عبر الاتجاه نحو حل جذري يقوم على بناء معامل إنتاج، وهي خطة بوشر بها ببطء ودون تقدم جدي منذ إقرارها عام 2010.
ترشيد الإنفاق العام
الإصلاح المطلوب دولياً، يبدأ من ترشيد الإنفاق العام الذي يؤدي إلى خفض نسبة العجز المالي، واحتواء تفاقم الدين العام. وبالفعل لجأت الحكومة الحالية –التي تواصل تصريف الأعمال– إلى إقرار إصلاحات ضمن موازنة 2018، ومنها تخفيض الإنفاق عبر وقف التوظيف الحكومي، قبل أن يتبيّن أنه تمّ توظيف نحو 5 آلاف شخص جديد خلال فترة الانتخابات!
وفي السنوات الثلاث الأخيرة، تمّ توظيف نحو 23 ألف موظف في مختلف الإدارات، وهؤلاء رفعوا كلفة الرواتب إلى حوالي 6.8 مليار دولار سنوياً، وصناديق التقاعد إلى 1.9 مليار دولار، بما مجموعه 8.7 مليار دولار، أي ما يوازي 65 بالمئة من إجمالي الموازنة، وهذه نسبة كبيرة، طالب المجتمعون في «مؤتمر سيدر» من المسؤولين اللبنانيين، أن يعملوا علي خفضها فوراً.
وهو ما دفع برئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير للمطالبة بوقف العمل في سلسلة الرتب والرواتب، التي قدّرت تكاليفها بحوالي 800 مليون دولار، ليرتفع الرقم لاحقاً إلى حوالي مليار دولار.
وقد سبّب موقف شقير خلافاً مع رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر الذي طالب بوقف الهدر والإنفاق غير المجدي بدلاً من تخفيض الرواتب. ويقدر عدد موظفي الدولة اللبنانية بحوالي 300 ألف موظف، بمن فيهم العسكريون، الذين يحصلون على تعويض وراتب تقاعدي عن خدماتهم. ويُحسب عام الخدمة بثلاثة أعوام، وهو ما يرهق الخزينة، كما أن المتقاعد يحصل على 85 بالمئة من راتبه عند التقاعد، وهو ما رفع أعباء التقاعد، وقد حاول الرئيس فؤاد السنيورة أن يخفض النسبة إلى 50 بالمئة، لكنه لم ينجح.
انحفاض الواردات
إن العجز في الموازنة ناتج عن ارتفاع النفقات وانخفاض الواردات، وقد كشف تقرير مالي مؤخراً عن أن الإنفاق زاد بنسبة 5.8 بالمئة في حين تراجعت نسبة الواردات بحوالي 3.3 بالمئة، وهو ما أدّى إلى تفاقم العجز في الموازنة الحالية، في ظل تسجيل انخفاض في ضريبة الأملاك بنسبة 16.82 بالمئة، والضريبة على المبيعات انخفضت أيضاً إلى 11.27 بالمئة، كما أن الزيادة المحققة على القيمة المضافة بـ9.7 بالمئة لا تعكس تحسن الاستهلاك بل إلى رفع الضريبة من 10 بالمئة إلى 11 بالمئة، فيما تمّ تسجيل تراجع الإيرادات في وزارة الإتصالات بحوالي 26 بالمئة، والضريبة على الدخل بحوالي 10.12 بالمئة، والضريبة على الأرباح 38.57 بالمئة.
هل لبنان مفلس؟
وأمام أرقام الإنفاق والواردات، يبدو لبنان على طريق الإفلاس، بالرغم من محاولات بعض المسؤولين التقليل من ذلك، وضخ مواقف تفاؤلية. إلا أن الأرقام هي التي تفضح الواقع المالي للدولة، وقد عكسه الوزير خليل الذي يحاول من وقت لآخر إشاعة أجواء إيجابية أمام الرأي العام، ويبث أملاً في أن الأوضاع ستتجه نحو الأفضل. لكن التقارير المالية والاقتصادية تعكس دائماً نتائج سلبية قد تصل إلى حد الكارثة، إذا ما استمر لبنان، خارج عملية الإصلاح المالي المرتبط بالاستقرار السياسي وانتظام عمل مؤسساته الدستورية ومنها تشكيل الحكومة التي دون وجودها، لا يمكن أن ينال لبنان، القروض والهبات المقررة له في «مؤتمر سيدر»، وإظهار جدية الدولة في محاربة الفساد واعتماد الشفافية في الشؤون المالية.
وقد تمّ مؤخراً إقرار قوانين في مجلس النواب ذات توجه إصلاحي، مثل إنجاز التلزيمات عبر ديوان المحاسبة. إلا أن غياب التوافق السياسي عن تشكيل الحكومة يزيد الوضع الاقتصادي تعقيداً، فيما النمو يكاد يلامس 1 بالمئة، وهنا يبرز الخطر حول الوضع النقدي وسعر صرف الليرة الذي يطمئن حاكم مصرف لبنان بأنه مستقر وسيبقى كذلك، و«لا خوف على الليرة» التي يفتقدها وزير المال في صندوق الخزينة، وهي الليرة نفسها التي يفتش عنها اللبنانيون في جيوبهم فتتبخر بسبب ارتفاع الأسعار التي وصلت هذا العام نسبة 7 بالمئة، في ظل غلاء المعيشة التي تدفع المواطنين إلى التقشف في نفقاتهم والاكتفاء بالضروريات مثل المأكل والمسكن والتعليم والصحة، مبتعدين عن الكماليات، مما يفاقم ركود الأسواق ويبطئ عجلة الاقتصاد.
فهل يصبح لبنان يونان الشرق في الإفلاس؟
Leave a Reply