لبنان بعرف المصطلحات الغربيَّة يُعتبر بلداً ديمقراطياً ذا نظام برلماني تعدُّدي. ولطالما دُبِّجَتْ فيه القصائد والأشعار والمدائح التي تفخر بهذا النظام «الحضاري» وسط الديكتاتوريات المتخلِّفة الرجعيَّة في الشرق الأوسط، طبعاً باستثناء دولة الإحتلال في فلسطين المحتلَّة.
إلاَّ أنَّ المدقِّق لهذا النظام عن قرب لا يحتاج إلى أكثر من هنيهة لكي يكتشف أنَّه يعيش على حد السكِّين منذ ولادته القيصريَّة المشوَّهَة، كوطنٍ قوميٍّ وُلِدَ من أجل الطائفة المالكة بنظام إستغلالي رأسمالي كومبرادوري إستهلاكي طائفي قمعي للطبقات الفقيرة يحكمه فئة الأربعة بالمئة من السلالات الحاكمة الاقطاعيَّة الغنيَّة التي أنشأتْ نظام خدمات من كل الأنواع وكومسيون وترانزيت ووكر إستخبارات عالمية واستيراد وتصدير دعارة فكريَّة وغيرها.
لقد تغنَّى المطرب الراحل وديع الصافي بلبنان كثيراً لكنه لو قُدِّر له أنْ يشهد الفضائح فيه اليوم لغيَّر أغنيته الشهيرة إلى «لبنان يا قطعة فساد، على الأرض تاني ما إلا».
كنَّا نظُنُّ بعد فضيحة «الهيئة العليا للإغاثة» بتمويل حرب طرابلس بالمليارات وإعطاء مال الشعب للمجرم «معيب» المرعبي وإرهابيي أحمد الأسير وبأمر من نجيب الحريري نفسه، ستقوم قيامة الشعب وسيمرُّ الرمد الربيعي و«الربيع العربي» على لبنان بشكلٍ عاصف بعد اعترافات رئيس «الهيئة» ابراهيم بشير الذي وظَّفه حوت المال نفسه، كما وظَّف سابقاً أشرف ريفي ووسام الحسن وعبد المنعم يوسف وأصبحوا رجال الحريري لكنَّه تمسَّك بهم وأبقاهم في مناصبهم رغم فسادهم واستغلالهم لوظائفهم .
الخبر الذي نشرَتْه «الأخبار»، مثل «ثورة» الشعب، مرَّ مرور اللاكرام في بلد اللئام ولم يحدث أي تحرُّك شعبي أو حتَّى «شعيبيَّة». أمَّا الدولة فمشغولة بمادَّة الإنشاء العربي التي يبدو أنَّ المعاقين المتآمرين من «١٤ عبيد زغار» فشلوا فيها (طلعوا الطُّش في الصف بكل المواد) ولم يتحمّلوا تضمين كلمة مقاومة في البيان الوزاري بل نفوا «أل» التعريف لأنَّهم نكِرة. الأحرى بوطن «الصِّفة المشبَّهة» أنْ يتعلَّم مادة الأخلاق والتربية المدنيَّة، لا الإنشاء التي «طحلونا» بها على مقاعد الدراسة ولم يطبِّقها إلاَّ أشرف النَّاس، لأنَّ وطناً لا يُكرِّم مقاومتَه ويضعها على الرأس والعين، هو وطنٌ لا يستحِقُّ أنْ يُكرَّم أو يُبجَّل أو يُحترم، بل حتَّى غير جدير بالحياة. هذا ناموس كل دول العالم التي قدَّستْ مقاوماتها وأعلَتْ مقامها، لكنَّ المُشوَّهِين خُلُقياً من «صغار ١٤ آذار» يريدون التفريط بعنصر القوَّة والكرامة والشرف والإباء حتَّى لفظيَّاً لأن هذه الصفات هي على تضاد ونقيض من صفاتهم اللاخلاقيَّة.
لن تكون هناك مساءلة في لبنان حول السرقات المالية للإغاثة التي هرَّبَ الحوت الميقاتي المال منها للمحكمة الدولية الإسرائيليَّة الُمهرَّبَة. فالإغاثة الفاسدة التي هي السلاح السري لحوت المال ولكل رئيس حكومة سيء الذِّكر مرَّ على تاريخ هذا البلد العاق، ما عدا صاحب الضمير الدكتور سليم الحص، ماطلَتْ ومنعَتْ الأموال، بأمرٍ من اللص الأكبر فؤاد السنيورة، عن شعب المقاومة البطل الصامد في جنوبه الأشم وبقاعه الأبي الذي خسر كل ما يملك من شهداء وممتلكات وظل على ثباته وصموده وتمسُّكه بالمقاومة كخيارٍ وحيد.
لا نستعرب دعم حوت المال للإرهابيين في طرابلس وصيدا باعتبار أنَّه كرَّم سابقاً الإرهابي شادي المولوي وعلى عينك يا تاجر، فمَن يسائل مَن وأحمد فتفت الخائن مازال في مجلس النوَّاب بعد «تضييف» العدو الغازي البربري المحاصَر، الشاي في ثكنة مرجعيون؟ أمَّا الخائن الآخر «العكيد» عدنان داوود فتمَّتْ ترقيتَه على «شجاعته» في تقديم الشاي مع «سكَّر زيادة»! لا يحدث هذا إلا في «شقفة الوطن»! لهذا السبب لا يطيقون كلمة مقاومة. بإمكان اللانجيب أنْ يبني على سابقة سرقة فؤاد السنيورة لـ١١ مليار دولار لكن العدلية لا تتحرك كونها مشغولة هذه الأيام بمقالة الصحافي المناضل إبراهيم الأمين الذي وعد بمفاجأة نشر وثائق فرنسيَّة تثبِتْ تورُّط ميشال سليمان بتزوير جواز سفر فرنسي وملاحقته من العدالة الفرنسيَّة العوراء التي لا تزال تحتجز المناضل جورج إبراهيم عبدالله. لكنَّ ساعة العدالة آتيةً لا ريب فيها وسليمان ووزير باب التبَّانة «الطاعن بالعدل»، ليسا أفضل من شيراك «زلمة» الحريري المرتشي ولا ساركوزي وكلاهما مازالا تحت المحاكمة والقانون العادل وأهمُّه حُكم التاريخ.
ولا شكَّ أنَّ حُكم التاريخ على عهد سليمان لن ينصفه وسيكون أنَّ حكمه كان «كالتخشيبة» لا إنجاز فيه إلاَّ «إعلان بعبدا» المقيت الذي لا يساوي «قرشين إثنين وقت الغلا». بالمناسبة، كم كان سليمان وحيداً من دون قائد الجيش وهو يزور الجنوب فجأةً وينعم بالأرض التي حرَّرتْها المقاومة الأبيَّة التي نعتَها بالخشبيَّة، لا «قيمه المشتركة» التي تسبِّب «إشتراكات» في الجسم والمنطق.
وهكذا قد يستقيل تمَّام سلام في آخر أيام سليمان بسبب وقف البلد كلّه على جملة واحدة من بيانٍ لا يقدِّم ولا يؤخِّر، مثل هذه الحكومة الصلعاء الشمطاء التي نجمتُها أليس شبطيني ربيبة ميشال سليمان التي تعلَّمَتْ منه أصول الخطابة والكاريزما. لا يهم طالما أن البيك أنقذ آل سلام من غياهب النسيان وانتزع عضويَّة في نادي رؤساء الحكومة وردَّها للبيارتة، «أصحابها الشرعيين»، بعد أنْ صبر ١١ شهراً. لكن بعد ذلك، من بعدي الطوفان!
يجري كل هذا والبلد على كفِّ عفريت. مسلسل الخطف البغيض يطال حتَّى الأطفال وهو مُستنكر ومحرَّم ولو كان المُستهدَف هو إبن ابراهيم صقر، أكبر مموِّل لسمير جعجع. لكن للأسف فإنَّ قناة «المر» الإسرائيلية لم تترك إيحاءاً وتضميناً وتحريضاً مذهبيَّاً على الشيعة إلاَّ واستخدمتْه من دون كلمة من الوزير اللاغي للعدل. أمَّا تحرير راهبات معلولا فقد كان غير ذي شأن لدى هذه القناة المتصهينة لأنَّ الخاطف هو جبهة «النُصرة»، لا جهة تمتُّ بصلة لمناطق المقاومة. وقد كان مستغرباً هذا الهيام والغزل والوئام من الراهبات المُحرَّرات للإرهابيين التكفيريِّين الذين احتجزوا حريَّاتهن أكثر من ٩٦ يوماً وحرقوا مقدَّساتهن وأديرتهن ودنَّسوا مقاماتهن ثم قاموا بإخراج فيلم هوليوودي حول التحرير وقبضوا ١٦ مليون دولار من قطر «المستَقْتِلة» اليوم لرضى محور المقاومة بعد محاصرتها من الوهَّابية التكفيريَّة، فسبحان الله الذي جاء اليوم ليشغل فيه الظالمين ببعضهم البعض. لقد شعر أهلنا من المسيحيين بالغضب على تبرئة ذمة الخوارج الكفَرَة لدرجة رفض سكَّان «صيدنايا» المسيحيَّين إستقبال الراهبات وطالبوا معاقبتهن.
لكن الموقف الطريف يأتي دائماً من أقزام «١٤ عبيد زغار» حيث تساءل فارس سعيد الدروندي بعد تحرير الراهبات عن سبب تدخُّل جهاز لبناني لحلِّ أزمة إنسانيَّة في سوريا؟ لكن هل يمكن أنْ يشرح لنا لماذا تدخل معاقو «١٤ آٓذار» منذ البداية ضد الحكومة السورية وداخل سوريا بالذات (عقاب صقر والصاروخ الضاهر والحجيري والجرَّاح والمرعبي ومشايخ طرابلس السلفيون مثالاً) جنباً إلى جنب مع المجموعات التكفيرية الإرهابية؟ بل هل يشرح لنا كيف يقوم نائب لبناني مركزه في تركيا ولم يدعس برلمان بلده منذ انتخابه وهو مشغول بتوزيع إنساني للحرامات والبطانيَّات والحفَّاضات؟! على مين يا فارس دروندي أفندي؟!
يبدو أنَّ توسُّط قطر قد أثار حنق أسياد «١٤ الشهر» الوهَّابيِّين الذين يتفرَّجون على شعب غزَّة مجدَّداً وهو يواجه وحده عدواناً إسرائيلياً جديداً هو الأخطر في تاريخه لأنه يستهدف تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة المقدَّسة التي نسيها «رعيان الطويسة» ووجَّهوا مجهودهم الحربي إلى سوريا. فهل سيؤلم أشباه الرجال موت وتدمير غزَّة فينصروها كما يدَّعون مناصرة الشعب السوري في «ثورته»؟! إنَّ الصواريخ التي يطلقها ثوَّار فلسطين على الأراضي المحتلَّة من العدو وكل خيرهم هو من «لحم كتاف» سوريا وإيران والمقاومة رغم الهجمة الكونيَّة على دمشق، أمَّا مناصرة العربان فبانت عندما أرادت قطر و«جبَّانة الدول العربيَّة» بيع فلسطين بالتخلِّي عن الأرض وحق العودة في الامم المتحدة. وقد أسفت «حماس» على التفريط بالصواريخ بسبب استشهاد ٦ شباب فلسطينيين ربَّما لأن الصواريخ هذه مخصصَّة للشعب السوري مثل الأنفاق التي حفروها للقاعدة في سوريا. لقد انقلبَتْ الدنيا رأساً على عقب ولم تبق إلاَّ بوصلة محور المقاومة «صاغ سليم»!
Leave a Reply