بيروت – لا يكاد ينتهي لبنان من خضّة أمنية حتى يُجابه بأخرى تهدد بانزلاقه الى المجهول. فبعد جولة آل المقداد المعلقة بانتظار الوساطات، انفجرت طرابس بمواجهات دامية انحصرت في منطقة باب التبانة-جبل محسن موقعة عدة قتلى وعشرات من الجرحى، قبل أن تعود المدينة الشمالية الى حالة الهدوء النسبي.
وإذا كانت القيادات الطرابلسية على اختلافها بدأت تستشعر الخطر المحدق بالمدينة وتحاول تجنب التفجير، فإن المشهد الشمالي ابرز الخشية الدولية من تمدد نيران الازمة السورية الى كل لبنان، وهو ما عبر عنه، وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس بقوله «إن هناك مجموعات في سوريا ولبنان تعمل على نقل العدوى السورية الى لبنان وينبغي منعها من ذلك».
الدخان يتصاعد من بناية في باب التبانة في طرابلس تحترق بعد اصابتها بقذائف. (رويترز) |
وهذا الواقع عبر عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتأكيده أن عناصر التفجير موجودة و«لكن نسعى إلى ابعاد هذه الكأس عن طرابلس»، وتمنى بعد الاجتماع الموسع الذي عقد في منزله في طرابلس، على مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار «اطلاق مبادرة لاكمال المصالحة التي بدأت في العام 2009».
وتطلب الانفلات الأمني تدابير من الجيش اللبناني من غير المعروف إن كانت ستتمتع بأي تأثير إذ أكدت مصادر عسكرية لبنانية أن أحدا لا يريد مصادرة دور القيادات السياسية، إلا أن المسؤوليات الملقاة على المؤسسة العسكرية تدفعها بعض الأحيان الى اتخاذ مبادرات من نوع محاورة الكوادر والقيادات المتحاربة على الأرض.
وأشارت المصادر الى أن قيادة الجيش ستسعى بداية الى وقف دائم لاطلاق النار، ثم العمل على تهيئة الأجواء الملائمة لكسر الحواجز النفسية والمعنوية المرفوعة بين التبانة وجبل محسن، ومن ثم عقد لقاءات مشتركة مصغرة بين كوادر وفاعليات ما يعرف بـ«فوق (الجبل) وتحت (التبانة)».
من جهة ثانية، تقدم الاشتباك السياسي بين قيادة الجيش وعضو كتلة «تيار المستقبل» النائب معين المرعبي الى واجهة الحدث الداخلي، عبر إحالة وزير العدل شكيب قرطباوي طلباً الى مجلس النواب لرفع الحصانة النيابية عن المرعبي تمهيداً لمحاكمته على خلفية حملاته المتتالية على المؤسسة العسكرية واتهامه باثارة النعرات الطائفية.
واللافت للانتباه أن «قوى 14 آذار»، وتحديدا «تيار المستقبل»، قابلت طلب قرطباوي بحملة دفاعية عن المرعبي وهجومية على وزير العدل واصفة خطوته بانها «غير دستورية»، وطالبت رئيس المجلس النيابي نبيه بري برد الطلب.
وفي كل الحالات، فإن اتفاق وقف إطلاق النار الجديد الذي دخل حيز التطبيق في طرابلس، يشكل اختباراً جديداً لمصداقية الأطراف السياسية، ولمدى التزام المجموعات المسلحة بالتهدئة، بعدما حصدت الاشتباكات النهارية المتقطعة المزيد من الضحايا، علماً أن البيان الصادر عن قيادة الجيش، كان لافتاً للانتباه بمضمونه الذي تضمن رسائل واضحة الى السياسيين، موحياً بأن المؤسسة العسكرية قررت انتزاع المبادرة منهم، بعدما ثبت بالتجربة الحسية عجزهم أو تواطؤهم مع المجموعات المسلحة، فكان لا بد للجيش من ان يوسّع مهامه ويجتهد في صلاحياته، بما يتجاوز العمل الميداني المحض، الى معالجة أسباب التوتر وجذوره الضاربة في عمق جبل محسن وباب التبانة.
وجاء في البيان أن قوى الجيش تتعاطى مع الوضع بحكمة وتبصر لمنع تحويل المدينة إلى ساحة للفتنة الإقليمية، داعية القيادات السياسية إلى عدم التدخل في ما يحصل ميدانياً على أرض المدينة، وعدم المساهمة في إذكاء الخلافات.
Leave a Reply