كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يزداد الوضع في لبنان تدهوراً، في كل نواحيه المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية وحتى الأمنية، متجهاً إلى كارثة إنسانية ستضع اللبنانيين في مصاف الشعوب المنكوبة، وفق تقرير منظمة الغذاء العالمي، وذلك بالتزامن مع دخول رفع الدعم التدريجي للسلع الأساسية –أو ما يصفه المسؤولون بـ«الترشيد»– حيّز التنفيذ، والذي من المتوقع أن يشعل الشارع الغاضب من الأوضاع المزرية التي وصلت إليها البلاد، في ظل انسداد أفق الحل السياسي القريب لأزمة تشكيل الحكومة، التي لم تعد توجد مبادرات فعلية لحلحلتها، سوى ما تردد عن أن الرئيس المكلف سعد الحريري، قد يعتذر، لكن بعد تقديم صيغة جديدة لحكومة من 24 وزيراً، تقوم على سداسية توزيع الحقائب.
الهبوط إلى القعر
دخل لبنان مرحلة الهبوط إلى القعر، مع فقدان المواد الأساسية والحيوية، كالمحروقات التي أذلّ شحها اللبنانيين في طوابير البنزين والمازوت، فاصطفت السيارات أرتالاً أمام محطات الوقود لمسافات طويلة وساعات ثقيلة، بانتظار تعبئة عشرين ليتراً.
كما راجت السوق السوداء لترفع سعر غالون البنزين إلى أضعاف سعره الرسمي، فتجاوز المئة ألف ليرة، وهذا ما دفع بالحكومة المستقيلة إلى أن ترضخ لرفع الدعم تدريجياً عن المحروقات، حيث ستقوم في المرحلة الأولى، التي من المتوقع أن تستمر لفترة ثلاثة أشهر، بتوفير الوقود بسعر صرف الدولار عند 3,900 ليرة، ما رفع سعر صفيحة البنزين إلى نحو 62 ألف ليرة والمازوت إلى 46 ألف ليرة وقارورة الغاز إلى 37 ألف، وهذه الأسعار متحولة وقد تتبدّل أسبوعياً بهامش تحرك سعر النفط العالمي.
ولا شك أيضاً أن هذه الأسعار لن تعود إلى الانخفاض بعد اعتماد هذا «التدبير المؤقت» الذي يهدف إلى تمرير الصيف بأقل أضرار ممكنة للمغتربين اللبنانيين الذين يقضون الموسم في بلدهم، ويُعوّل عليهم لتحريك العجلة الاقتصادية، عبر إنفاق الدولارات «الفريش» لتخفيف الضغط عن الليرة اللبنانية.
وفي حين أن هذا التدبير المؤقت، لن يحل الأزمة، ولن يسهّل على المواطنين العاديين الحصول على المحروقات، فإن الأزمة بدأت تطال أيضاً مولدات الكهرباء الخاصة التي دخلت مرحلة التقنين بقطع التيار عن المشتركين لنحو 15 و20 ساعة يومياً، وسط ارتفاع الرسوم التي وصلت إلى أكثر من مئة ألف ليرة للأمبير الواحد. وهذا الرقم خاضع للزيادة كلما ارتفع سعر المازوت، فيما بات اشتراك المولّد لخمسة أمبير يتجاوز الحد الأدنى للأجور، 675 ألف ليرة.
غلاء المعيشة
القرار الذي تهرب منه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، عبر تمنعه عن رفع الدعم الحكومي للسلع الأساسية قبل إصدار بطاقة تمويلية للأسر الفقيرة، عاد ووقّع مجبراً على المرسوم في ظل العجز المالي، ليبدأ بيع المحروقات بسعر صرف الدولار عند 3,900 ليرة بدلاً من 1,500 ليرة، على أن يتحمّل «مصرف لبنان» تمويل الجزء المتبقي. ومن شأن هذه الخطوة أن تخفض الفاتورة النفطية المدعومة بنحو 40 بالمئة.
بذلك، بوشر العمل على تحرير سعر المحروقات، وهو مطلب صندوق النقد الدولي الذي طالب برفع كامل للدعم عن الوقود، كما عن الكهرباء، التي سيتوقف دعمها تدريجياً، دون أن يُعرف حتى الآن ما سيكون سعر الكيلوواط، الذي سيعتمد في المرحلة الأولى. إذ أن تسعيرة المولدات الخاصة، باتت بنحو 1,700 ليرة للكيلو الواحد، وقد يكون هذا هو الاتجاه الرسمي بعد أن يعتاد المواطنون على السعر الجديد الذي على الأرجح لن يبقى ثابتاً عند هذا المستوى طويلاً، وقد يصبح قريباً جداً، بعيداً عن متناول اللبنانيين… إلا إذا حدثت معجزة مفاجئة بتشكيل حكومة جديدة تباشر بعملية إصلاح شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد وترشيد الإنفاق، ومحاربة الفساد والهدر… والجميع يدرك أن هذه أمور لن تحصل بين ليلة وضحاها، بل ستستغرق سنوات عديدة في أقل تقدير قبل أن يعود لبنان مجدداً إلى سكة التعافي والنهوض بقطاعاته المدمرة اقتصادياً ومالياً ومصرفياً وصحياً وتربوياً وخدماتياً إلخ…
لامبالاة
الواقع المأساوي الذي يمرّ به لبنان، لم يدفع المسؤولين فيه إلى التنازل أو التسوية لانتشال السفينة المحكومة بالغرق، كما حذر سابقاً وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الذي شبّه حال لبنان بغرق سفينة «التايتانيك» «لكن من دون موسيقى».
وهذا بالفعل ما يحصل للبنان اليوم، إذ بدأت السفينة بالغرق دون أي اكتراث من ربابنتها.
فالرئيس المكلّف يجول في الخارج لأغراض شخصية، فيذهب إلى أبوظبي للقاء عائلته، لأنه ممنوع من دخول السعودية، التي أصدرت حكمين بحقه، الأول سياسي، بأنه لن يكون رئيساً للحكومة في لبنان، والثاني قضائي بإعلان إفلاس شركته في المملكة، «سعودي–أوجيه»، وعرض ممتلكاتها للبيع في المزاد العلني لدفع الرواتب المتأخرة وتعويضات موظفي وعمال الشركة. ثمّ يذهب إلى تركيا، ويلتقي رئيسها رجب طيب أردوغان، لترتيب ديونه المستحقة عبر شركته للاتصالات الهاتفية «ترك–تلكوم» حيث تبلغ ديون الحريري نحو ملياري دولار أميركي، وفق ما أكّدت المعارضة التركية في مواجهتها لأردوغان، الذي يحمي الحريري، برأيها. فكيف لزعيم «تيار المستقبل» أن يبالي بإفلاس لبنان، بينما شركاته قد أفلست فعلاً.
جولات الرئيس المكلف المتمسك بعدم الاعتذار، تعكس حالة اللامبالاة التي تحكم تصرفات الحريري تجاه الوضع المزري، أما رئيس الجمهورية ميشال عون، في المقابل، فيتهم بالعناد والتعطيل بسبب تمسكه بـ«الميثاقية» والصلاحيات الدستورية والتمثيل المسيحي في الحكومة، عبر إصراره على تسمية الوزراء المسيحيين، بينما لبنان يعيش أسوأ أزماته التي لم تنفع معها كل المبادرات والوساطات الخارجية أو الداخلية.
حراك الشارع
وفي موازاة الشلل، أو الفشل السياسي في حل الأزمة، رغم دعوات البعض إلى «التسوية»، كما قال وليد جنبلاط، أو إلى «التنازل والتضحية»، وفق دعوة «حزب الله»، أو إلى «لبننة الحل»، كما يقول الرئيس نبيه برّي، فإن اللبنانيين، الذين يعيشون في جهنّم التي أنذرهم بها رئيس الجمهورية، لم يعد أمامهم من خيار سوى الانفجار غضباً، وهذا ما أقدمت عليه مجموعات من المحتجين الذي عادوا إلى إحراق الإطارات ومستوعبات النفايات وصولاً إلى التصادم مع الجيش في طرابلس، وسط توقعات بتفاقم المشهد في ظل استمرار بوادر الانهيار الكلي مع انتشار العتمة وانقطاع الخدمات وارتفاع أسعار المحروقات، وتعطل مؤسسات الدولة التي بدأت تفقد حتى أبسط المستلزمات مثل الأوراق والطوابع… كما دقت المستشفيات ناقوس الخطر، بأن شح المحروقات وعدم القدرة على تشغيل المولدات، يهددان حياة مئات المرضى القابعين في غرف العناية الفائقة، في حين تواصل الخدمات الاستشفائية والطبية تراجعها وسط فقدان الكثير من أصناف الأدوية.
كل ذلك وأكثر، لأن الليرة اللبنانية انهارت، أمام اقتصاد مدولر جعل صحة المواطنين وغذاءهم وخدماتهم مرتبطة بتأمين العملة الأجنبية لشراء السلع من الخارج بسبب غياب الإنتاج المحلي بعد عقود من سياسات الاستيراد المفتوحة. إذ كان اللبنانيون –قبل انكشاف الليرة– يستوردون سلعاً تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار سنوياً، ليجدوا أنفسهم اليوم عاجزين عن شراء أبسط الأشياء التي غابت عن الرفوف بسرعة البرق بعد انهيار الاقتصاد الريعي والخدماتي غير المنتج.
العصر الحجري
هذا واقع لبنان اليوم… المواد الأساسية شحيحة إن لم تكن مفقودة، والقدرة الشرائية للمواطنين في الحضيض، وبلاد النور والمعرفة والثقافة والجمال والسياحة، أصبحت على أعتاب العصور المظلمة أو ربما العصر الحجري… كما هدّده سابقاً رئيس حكومة إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو الذي توعد اللبنانيين بإعادتهم إلى العصر الحجري وقد أوفى بوعيده دون حرب عسكرية بل بألاعيب اقتصادية ومالية آزره فيها مسؤولون فاسدون ادخلوا لبنان في الظلمة دون أن تضطر طائرات العدو الإسرائيلي إلى الإغارة على محطات توليد الكهرباء!
Leave a Reply