وزير الطاقة لـ«صدى الوطن»: لا مساومة .. والتنقيب سيبدأ في ٢٠١٩
يواجه لبنان في هذه المرحلة تحدياً وطنياً من الدرجة الأولى، يتمثل في حماية ثروته النفطية من الخطر الإسرائيلي الذي تمدد من البر إلى البحر، مع ادعاء الاحتلال ملكيته لبلوك الغاز اللبناني «رقم 9» الواقع في أقصى الجنوب على تخوم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، ملمحاً إلى أنه لن يسمح للبنان باستثمار هذا الحقل الغازي.
ويعكس هذا الموقف الإسرائيلي –برغم التراجع عنه لاحقاً– أطماع كيان الاحتلال في الثروة النفطية اللبنانية، امتداداً لأطماعه التاريخية في الأرض والمياه، ما يؤشر إلى أن الغاز الكامن في قعر البحر سيكون قابلاً للانفجار وبالتالي إشعال حرب واسعة، إذا لم يتم تفكيك صواعق التفجير.
ولئن كانت الأطراف الداخلية اللبنانية تختلف حول أمور كثيرة وتتنازعها مصالح متضاربة، إلا أن اللافت للانتباه أنها توحدت جميعها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية وفي الدفاع عن الملكية الوطنية للـ«بلوك 9»، متجاوزة انقساماتها واصطفافاتها المعتادة، الأمر الذي عزز الموقف الرسمي للدولة، على مستوياتها كافة، إزاء هذا التحدي لسيادتها على مياهها الاقليمية وثروتها الطبيعية.
ويمكن القول إن تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ضد لبنان شكلت حافزاً أساسياً لتجاوز الأزمة الأخيرة التي نشبت بعد تسريب كلام الوزير جبران باسيل ضد الرئيس نبيه بري، إذ استشعر المسؤولون خطراً داهماً بدت معه التفاصيل الداخلية صغيرة وهامشية، فكان أن بادر الرئيس ميشال عون إلى الاتصال بالرئيس نبيه بري الذي لاقاه في الإيجابية، والتقاه في قصر بعبدا بمشاركة الرئيس سعد الحريري.
وبينما كانت الثقافة الرسمية السائدة في السابق تروج لمعادلة أن قوة لبنان تكمن في ضعفه، بدا أن السلطة الحالية مصممة على خوض معركة الدفاع عن المخزون النفطي بكل الوسائل الممكنة، من سياسية ودبلوماسية، وصولاً إلى الاستعداد لاحتمال المواجهة العسكرية إذا قرر العدو الإسرائيلي التمادي في عدوانيته ومنع لبنان بالقوة من بدء التنقيب عن الغاز في البلوك الخلافي.
وليس خافياً أن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة كانت ترمي إلى تحقيق هدفين:
الأول، دفع تحالف الشركات الدولية الذي سيتولى العمل في هذا البلوك إلى التراجع عن توقيع العقود مع الدولة اللبنانية، بعد تخويفه والتهويل عليه، وهذا ما لم يتحقق بل إن احتفالاً كبيراً جرى يوم الجمعة الماضي في قاعة «البيال» لمناسبة توقيع العقود، مع الاشارة إلى أن هذا التحالف يضم شركات «نوفاتك» الروسية، و«توتال» الفرنسية، و«إيني» الإيطالية.
الثاني، محاولة الضغط على الحكومة اللبنانية لثنيها عن المضي في استثمار «البلوك 9» الذي جرى تلزيمه مؤخرا لتثبيت الحق الوطني فيه، إلى جانب «البلوك 4».
التماسك الرسمي
وكان واضحاً أن التهديدات الإسرائيلية التي أطلقها الوزير أفيغدور ليبرمان قد أعطت مفعولاً عكسياً، إذ أن الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري الذين فرقتهم الخلافات الجانبية في الفترة الاخيرة بادروا إلى الرد الفوري على تلك التهديدات مؤكدين الإصرار على مواصلة العمل في «البلوك 9»، أياً كانت الضغوط.
ولاحقاً، جرى تطوير هذا الموقف الرسمي عبر اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة والوزراء المختصين وقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية.
خلال الاجتماع، شدد عون على ملكية لبنان للـ«بلوك 9» الذي يقع ضمن المياه البحرية اللبنانية، لافتاً الانتباه إلى أن السيادة الوطنية على المياه هي كما على الأرض، واحدة لا تتجزأ، والتهديدات الإسرائيلية مرفوضة وهي تشكل حالة عدائية، فيما قرر المجلس منح التغطية للجيش اللبناني من أجل التصدي لأي اعتداء إسرائيلي على الحقوق النفطية اللبنانية.
ويُستنتج من مسار المواقف المعلنة، أن لبنان الرسمي كان مبادراً ومتقدماً هذه المرة في مواجهة الخطر الإسرائيلي، الأمر الذي سمح للدولة أن تتصدر خط المواجهة، مستندة إلى وحدة وطنية من جهة وإلى جهوزية الجيش والمقاومة من جهة أخرى.
توازن الردع
وليس خافياً في هذا الاطار، أن توازن الردع الذي صنعته المقاومة ساهم في تحصين الموقف الرسمي ولجم النزعة العدوانية للاحتلال الذي انخفضت نبرته، بعد التهديدات التي اطلقها ليبرمان والرد اللبناني المتماسك والموحد عليها.
وقد أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شاينتس، عن ضرورة إيجاد حل دبلوماسي لمشكلة الغاز بين لبنان وإسرائيل مبدياً أمله في التوصل إلى مثل هذا الحل ومؤكداً الاستعداد لقبول وساطة في هذا الشأن. وأشار إلى أنه مقتنع بأن اللبنانيين لديهم اهتمام بالتنقيب عن الغاز والنفط، وهذا حق من حقوقهم، لكن عليهم فقط ألا يهددوننا وألا يتجاوزوا مياهنا الإقليمية.
أما رئيس معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل، اللواء عاموس يدلين، فحذر من احتمال ضرب منصات الغاز الإسرائيلية في عرض البحر، مشيراً إلى أن «حزب الله» يملك صواريخ دقيقة جداً من طراز« ياخونت» روسية الصنع، حصلوا عليها من سوريا، وفي حال قرروا اطلاق هذه الصواريخ فباستطاعتهم إصابة منصات التنقيب واستخراج الغاز الإسرائيلي في البحر.
ومع ارتفاع منسوب التوتر الغازي زار مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد بيروت، حيث التقى عدداً من المسؤولين اللبنانبيين، وبحث معهم في ملف الحدود البحرية والبرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، من دون أن يتوصل إلى نتائج إيجابية.
وفق الروزنامة المحددة
وتعليقاً على الهمروجة الإسرائيلية، قال وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل لـ«صدى الوطن» إن لبنان مصمِّم على المضي حتى النهاية، ووفق الروزنامة المحددة، في مسار التنقيب عن الغاز واستخراجه ضمن الحقول التي تقع في مياهنا الإقليمية، مشيراً إلى أن الحفر في البلوكين «4» و«9» سيبدأ بالتأكيد عام 2019.
وأوضح أن الشركات النفطية التي فازت بحق التلزيم لم تتاثر بالتشويش الإسرائيلي، لأنها كانت تعلم منذ البداية حساسية الحدود البحرية والإشكاليات التي تواجهها، وبالتالي فلم يظهر عليها أي تردد في مواصلة تحضيراتها لاستثمار «البلوك 9».
ويشدد وزير الطاقة اللبناني على أن ملكية لبنان لهذا البلوك غير قابلة للنقاش أو للتفاوض، لأنه لا يوجد أي التباس في هذا الشأن. وأضاف: لم يسجل على لبنان في الماضي أنه اعتدى على محيطه في حين أنه لا يُسجل لإسرائيل سوى إمعانها في الاعتداء على لبنان، ولكننا لن نسمح بانتهاك سيادتنا البحرية وحقوقنا النفطية ولن نقبل بأن يتمددوا في اتجاه «البلوك 9».
وتابع: «نحن لا نطمع في ما يقع خارج حدودنا وفي الوقت ذاته ليس مسموحاً لهم بأن يطمعوا في ثروتنا الطبيعية التي نرفض المساومة عليها».
Leave a Reply