وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بينما يعيش الواقع اللبناني حالة من التخبط، وسط تراكم الملفات الضاغطة، بدءاً من السعي إلى تمرير الاستحقاق الانتخابي مروراً بالمفاوضات المتعثرة مع صندوق النقد الدولي، وصولاً إلى التدهور الأمني، شهد الأسبوع الماضي توتراً سياسياً مرتفعاً وصل إلى حد طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طرح الثقة بحكومته، فيما تواترت أنباء عن عودة خليجية قريبة إلى لبنان عقب الزيارة الرسمية الأولى لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، محملاً بعروض سخية التي ما برحت تقدمها طهران ويرفضها اللبنانيون متذرّعين بالعقوبات.
دول الخليج استشعرت خطر الحضور الإيراني في لبنان، في ظل الحديث عن اتفاق نووي وشيك، فسربت عبر قنوات دبلوماسية رفيعة تابعة لها أمر عودتها الوشيكة إلى بيروت لتنهي القطيعة المستمرة منذ أشهر، علماً بأن رئيسي الجمهورية والحكومة كانا قد رحّبا بالعروض الإيرانية، ولا سيما تلك المتعلقة بالكهرباء والغاز لكنهما ربطاها برفع العقوبات.
في الداخل، رفض رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، طرح الثقة بحكومة ميقاتي خلال الجلسة الأخيرة بذريعة أنها جلسة تشريعية فقط. وكان بري قد طلب من اللجان النيابية المشتركة معاودة الاجتماع لمناقشة مشروع «الكابيتال كونترول» الذي أُسقط سابقاً، ما دفع رئيس الحكومة إلى طلب طرح الثقة بحكومته.
وكان غالبية أعضاء البرلمان قد رفضوا مشروع الكابيتال كونترول، سابقاً كونه يعطي اختصاصات تشريعية للجنةٍ تمدد لنفسها وتتحكم في ودائع الناس وتريد تقسيطها على سنوات.
البعض رأى في خطوة ميقاتي مناورة مكشوفة هدفها ليّ ذراع المعترضين على «الكابيتال كونترول»، فيما غمز آخرون من قناة رئيس البرلمان متهمين إياه بتنسيق الخطوة مع ميقاتي قبل طرح الأخير لها.
يُذكر أنه بعد ظهر الأربعاء الماضي، أقرّ مجلس الوزراء مشروع «الكابيتال كونترول» معدلاً تمهيداً لإرساله إلى مجلس النواب لإقراره. وفي شأن مالي مرتبط، وأثناء إعداد هذا التقرير صدر قرار قضائي بإخلاء سبيل رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لكن القاضية غادة عون التي كانت قد أصدرت أمراً بتوقيفه تقدمت بطعن في قرار إخلاء السبيل. وكان قد حُكي سابقاً، عن اتفاق ضمني بين الرئيسين ميشال عون وميقاتي مع بداية تسلّم الأخير مهامه في رئاسة الحكومة، على إقالة سلامة، لكن رئيس الحكومة استمهل عون ثلاثة أشهر إلى حين جلاء الصورة، وانقضت الأشهر الثلاثة، ولم ينفّذ ميقاتي الاتفاق، بل وصل الأمر إلى التهديد العلني بالاستقالة في حال المسّ بحاكم المصرف، متذرّعاً بمقولته: أثناء الحرب لا نستطيع تغيير الضابط! فيما بقي الرئيس عون على موقفه المتشدد في إقالة سلامة مرتكزاً على ملاحقة عدد من الدول الأوروبية للرجل.
وبذلك، تكون الأمور ذاهبة باتجاه خيارين أحدهما الإبقاء على سلامة الذي يعني إضعافاً لموقف الرئيس والقضاء، والثاني إقالته المرتبطة باستقالة ميقاتي، التي عاد واستبعدها المراقبون نظراً للإشارات الإيجابية التي تلقّفها ميقاتي من بعض الدول الخليجية، ليثبت في مكانٍ، ما قدرته على تحقيق بعض الإنجازات التي عجز الحريري عن تحقيقها، مثل أنه «سيعيد العرب إلى لبنان»، لكن هذا لا يعني توقف المسار القضائي ضد سلامة، الذي يُتوقع أن يستكمل في الأيام المقبلة.
صندوق النقد… والمسار المتعثر
بدأ صندوق النقد الدولي زيارة عمل جديدة إلى لبنان، وُصفت بأنّها الأكثر أهمية بين سابقاتها. وقد اعتبر الوفد أن الوقت يضيق أكثر فأكثر أمام لبنان. ولفتت المصادر إلى أنّ المسار مع صندوق النقد يبدو طويلاً، وقد طلب التزاماً من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء، بالسير نحو إنجاز الإصلاحات المطلوبة للخطة كاملة، ولا سيما منها إقرار «الكابيتال كونترول» وإدخال تعديلات على قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي بما في ذلك مصرف لبنان، ليكون على مستوى معايير الحوكمة.
وصباح الخميس الماضي، اجتمع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، بحضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، مع بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة إرنستو راميريز ريغو في السرايا. كما شارك في الاجتماع مستشارا الرئيس ميقاتي، النائب نقولا نحاس وسمير الضاهر. وعُرضت خلال الاجتماع المراحل التي اجتازتها المفاوضات بين لبنان والصندوق بشأن برنامج التعاون المالي.
وفي سياق متصل، وعقب جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء المنصرم، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي أن «التعديلات على قانون الكابيتال كونترول تعديلات بسيطة وليست في الجوهر، وقد شملت تركيبة اللجنة، فبدل أن تتألف من رئيس الحكومة أو من ينتدبه ووزير المال والاقتصاد ومصرف لبنان، أصبحت تتألف من مصرف لبنان ووزارة المال وخبيرين اقتصاديين وقاضٍ.
المشهد الانتخابي
منتصف ليل 30 آذار الماضي، انتهت مهلة سحب الترشيحات للانتخابات النيابية المرتقبة في 15 أيار المقبل، بعد أن وصل عدد المرشحين إلى 1,043 مرشحاً يتنافسون على 128 مقعداً، وهو أكبر عدد من المرشحين يُسجل في تاريخ الانتخابات النيابية اللبنانية.
ومنتصف ليل الإثنين 4 نيسان الجاري، سيقفل باب تأليف اللوائح الانتخابية، ومن سيتعذّر عليه الانضمام إلى لائحة معينة، سيُشطب اسمه من قائمة المرشحين.
حماوة المشهد الانتخابي ستشتد في المقبل من الأيام، ووتيرة اللقاءات والمشاورات سترتفع بهدف البلورة النهائية للوائح، تمهيداً لانطلاق المرحلة الثانية والفعلية من الانتخابات، والتي ستمتد على مدى أربعين يوماً، قبل اليوم المحدد للمعركة الانتخابية في 15 أيار المقبل.
إلى حينه، بورصة تداول الأسماء ستشهد زحمة وخلط أوراق خلال الأيام المقبلة، فمن انسحاب البعض إلى استبدال آخرين، وصولاً إلى العزوف النهائي عن الترشح أو حتى الانتقال من لائحة إلى أخرى، بفعل المصالح الانتخابية التي تستلزم أحياناً عقد تحالفات هجينة من خارج السياق، وأحياناً بفعل التدخلات السياسية والمحاصصة وتبادل المواقع. وبالتالي فإن موعد الرابع من نيسان هو التوقيت المفصلي والحاسم لاكتمال اللوائح كي تأخذ شكلها النهائي.
الجوع يطرق أبواب اللبنانيين
الصيدليات في طريقها إلى الإقفال وأدوية الأمراض المزمنة مفقودة… لا سبيل لتعداد أصناف الأدوية غير المتوافرة لأنه كبير والوضع خطير جداً وبالتحديد بالنسبة إلى مرضى السرطان، بحسب كلام أحد مالكي الصيدليات في بيروت، وهو يظهر بوضوح عمق الأزمة وكيف باتت تنخر عظام اللبنانيين مهددة حياتهم على مختلف الأصعدة. فمن الهم الصحي إلى الهم الغذائي، وعلى أعتاب شهر رمضان المبارك، تبرز إلى الواجهة، الأزمة المعيشية الخانقة، وسؤال كبير يُطرح: كيف للعائلات الفقيرة والتي باتت تمثل الأغلبية من اللبنانيين، أن تتمكن من توفير إفطار ولو بسيط لأبنائها الصائمين مع الارتفاع الجنوني للأسعار الذي بلغ حداً قياسياً؟
Leave a Reply