عماد مرمل – «صدى الوطن»
جرفت سيول العاصفة «نورما» أشلاء الدولة اللبنانية، وفضحت مرة أخرى هزالة البنى التحتية وهشاشة السلطة المترنحة التي تغرق في شبر ماء. وما زاد الطين بلة، غياب الحكومة الأصيلة القادرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فانكشف البلد أمام العاصفة وضاعت المسؤوليات، بل ذهب بعض المسؤولين في هروبهم إلى الأمام نحو تحميل المواطنين التبعات عن جانب كبير من الخسائر التي ترتبت على «نورما»، بحجة تسببهم في تراكم المخالفات والتعديات على الأملاك العامة!
وحتى الآن، لم تنجح التحديات المتلاحقة في دفع المعنيين بتأليف الحكومة إلى إنجاز مهمتهم المؤجلة، وسط الاستمرار في تبادل تهمة التعطيل بين القوى السياسية التي تتصارع على الحصص والأحجام فوق «الأنقاض»، من دون أن يهتم أحد بالتحذيرات من وقوع المحظور وحصول الانهيار الكبير، علماً أن أصحاب التحذير ليسوا سوى «المتورطين» في تأخير تشكيل الحكومة.
لا رياح الأنفاق المزعومة التي هبت من الحدود مع فلسطين المحتلة، ولا المخاوف من انهيار اقتصادي–مالي، ولا مشاريع مؤتمر «سيدر» المجمدة، ولا القمة الاقتصادية التنموية العربية المقرر انعقادها في بيروت في 19 كانون الثاني الحالي، ولا ضغوط الطبيعة وأهوال عواصفها.. كل هذه العوامل لم تتمكن بعد، من «استفزاز» المتحكمين بأزرار ماكينة التأليف، وحضهم على التعجيل في إتمام ولادة الحكومة، كأن كل طرف يراهن على أن يحصل التنازل من الجهة الأخرى، لعله ينجح في إعفاء نفسه من المساهمة في تسديد فاتورة التأليف وتحمل أكلافها.
ولادة الحكومة المتعثرة
من العقد التي لا تزال تستعصي على المعالجة وتؤخر الولادة، تمسك فريق رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» بنيل الثلث المعطل المكوّن من 11 وزيراً، الأمر الذي أدى إلى «احتراق» طبخة التسوية التي كادت تتحقق حول اسم المدير العام لشركة «الدولية للمعلومات» (المتخصصة بالإحصاءات واستطلاعات الرأي) جواد عدرا لتمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين، بعدما أصر الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل على أن يكون عدرا جزءاً من الحصة الرئاسية في مجلس الوزراء، بحيث يقتصر دور اللقاء التشاوري على القبول بتسميته ثم يتم «تجييره» إلى كتلة عون.
لكن الرئيس نبيه بري و«حزب الله» اللذين توليا تأمين «التغطية السياسية» لاسم عدرا وضغطا على النواب السنة الستة لاعتماده على رغم عدم اقتناعهم به، سحبا لاحقاً هذه التغطية وانسحبا من مشروع الحل الذي جرى «تحويره»، بعدما اكتشفا أن نيّة عون وباسيل ضم عدرا إلى الحصة البرتقالية، ما يعني سقوط مبدأ تمثيل النواب السنّة من خارج تيار المستقبل و«تطويق» حقهم في نيل مقعد وزاري يكرس حيثيتهم السياسية والتمثيلية في الطائفة السنية، علماً أن بري والحزب واللقاء التشاوري يعتبرون أنهم قدموا تنازلاً كبيراً وتضحية سياسية لتسهيل التسوية، بمجرد أن قبلوا بعدم تسمية وزير من النواب الستة.
لكن لماذا يتمسك عون وباسيل بالاستحواذ على الثلث المعطل في الحكومة المقبلة، إلى حد أن كل الاقتراحات التي عرضها وزير الخارجية على الرئيس المكلف سعد الحريري للخروج من المأزق الحالي تضمنت ثابتة أساسية وهي منح رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» 11 وزيراً؟
الثلث ليس للتعطيل
يعتبر قيادي في التيار البرتقالي أن فريقه يستحق أن ينال 11 مقعداً وزارياً، ليس بدافع انتزاع الثلث المعطل، ولكن لان الحجم النيابي لتكتل «لبنان القوي» يعادل تلقائياً هذه النسبة الوزارية، لافتاً إلى أن التيار لا يحتاج أصلاً إلى الثلث المعطل في ظل وجود الرئيس ميشال عون الذي يستطيع بصلاحياته ووزنه أن يمنع إقرار أي أمر لا يعجبه في مجلس الوزراء، ويكفيه أن بمقدوره تأجيل الجلسة أو الاعتراض على جدول الأعمال.
ويشدد القيادي على أن المعارضة هي التي تطالب في العادة بالثلث المعطل لتحمي دورها في الحكومة، وليست الموالاة التي تفعل ذلك، «مع العلم أنه لا يمكن أساساً للتيار الوطني الحر أن يعطل العهد ورئيس الجمهورية المنبثقين منه، بل هو صاحب المصلحة الأكبر في نجاحهما».
ويشير القيادي في التيار إلى أن أحد مكامن الأهمية لوجود كتلة من 11 وزيراً تحت مظلة رئيس الجمهورية يتمثل بقدرتها على المساهمة في إعطاء الأرجحية للمشاريع والقرارات المدعومة من عون، عند الاضطرار إلى اعتماد التصويت داخل الحكومة إذا تعذر التوافق، وهذا من شأنه إعطاء قوة دفع للقطار الإصلاحي الذي يُفترض أن ينطلق بقوة مع ولادة الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية، خصوصاً أن عون كان قد اعتبر أن الانطلاقة الحقيقية لعهده تبدأ مع وضع تلك الحكومة في الخدمة.
ويلفت القيادي ذاته إلى أن الطموح الإصلاحي لعون في مواجهة الفساد المستفحل يتطلب «عدّة شغل»، ما يفسر رفض رئيس الجمهورية التنازل بالكامل عن مقعد وزاري للقاء التشاوري، مفترضاً أنه أبدى مرونة كافية عندما قبل بأن يختار النواب السنة الستة اسماً لتمثيلهم في الحكومة، على أن يحتسب هذا الاسم من ضمن حصته وليس خارجها.
ارتياب
إلا أن هذه الدوافع التي يسوقها التيار لتبرير مسعاه إلى انتزاع الثلث المعطل لا تقنع قوى داخلية عدة ترتاب في النيات الحقيقية الكامنة خلف هذا المسعى، وسط شعور لدى «المرتابين» في أن باسيل تحديداً يصر على الـ11 وزيرا، لتحسين مواقعه في المعركة الرئاسية التي فتحت باكراً من جهة، ولتأمين «الاكتفاء الذاتي» في الحكومة من جهة أخرى بحيث يستطيع لوحده التحكم بالقرارات ومنع صدور ما لا يتناسب مع حساباته ومصالحه.
ولئن كان بري صريحاً في معارضته لمحاولة باسيل «اقتناص» الثلث المعطل، هناك من يشير إلى أن «حزب الله» والحريري يرفضان بدورهما ذلك ولو ضمنا، كلٌ انطلاقاً من اعتباراته ودوافعه الخاصة، وإن كانا يتجنبان في العلن، المجاهرة بهذا الموقف حرصاً على عدم ضرب التفاهم الذي يجمعهما مع عون والتيار، علماً انه اهتز مؤخراً في أكثر من مناسبة، سواء على خط حارة حريك أو بيت الوسط.
واللافت في هذا السياق، أن الحريري انتقل منذ ظهور العقدة السنية إلى مقاعد المتفرجين، من دون أن يبادر إلى طرح أية اقتراحات لمعالجتها، فيما تولى باسيل ضخ الطروحات الرامية إلى إيجاد مخرج، كأن «الوزير المكلف» حلّ مكان الرئيس المكلف.
Leave a Reply