بيروت –
كل تسلح لدولة عربية تعترض عليه إسرائيل، حتى ولو كان النظام الحاكم فيها حليف لها، ويقيم معاهدة سلام وعلاقات طبيعية، وكان آخر ما رفضته تزويد الولايات المتحدة للسعودية بـ84 طائرة حربية من نوع “أف – 15 و16”، بلغت قيمتها حوالي 12 مليار دولار، مما فرض على الإدارة الأميركية، أن تشترط على العائلة الحاكمة في المملكة عدم استخدام هذه الطائرات، أو أي سلاح آخر ضد الكيان الإسرائيلي، وبالرغم من أنها لم تشارك في أية حرب عربية ضد إسرائيل، وأن ما تخزنه من أسلحة هو باتجاه إيران، التي يتم تخويف دول الخليج منها بشكل خاص، والعالم العربي بشكل عام. فإسرائيل تريد أن تبقى الدولة الأقوى في المنطقة عسكرياً، واقتصادياً، وهي تحولت الى ثكنة عسكرية، وتسعى دائماً الى استعطاف بعض الدول الأوروبية ومعها أميركا، من أنها مهددة بوجودها وأمنها، من أجل تأمين وصول السلاح إليها، وهي تحصل سنوياً على مساعدة أميركية بحدود 4 مليار دولار لشراء السلاح أو تطويره وتقوم ببرامج مشتركة مع عدد من الدول.
فقوة إسرائيل هي في الاستراتيجية الأميركية، كما في مقياس علاقاتها مع الدول الأوروبية، التي تتعاطى معها، من عقدة “المحرقة” التي قيل إن الزعيم الألماني هتلر قام بحرق اليهود في أفران في ألمانيا، التي تبتزها الدولة العبرية هي ومعها دول أوروبية أخرى، تفرض عليهم، أن يقدموا لها المساعدات السنوية، كي لا تتكرر محرقتهم من جديد في العالم العربي “المتوحش” برأي القادة الإسرائيليين، الذين يقدمون دولتهم على أنها واحة الحرية، مقابل الأنظمة الظلامية الحاكمة من عائلات وقبائل وطوائف وأمراء وملوك ومشايخ، لا تمت سلطتهم الى الديمقراطية بصلة، وهو ما دفع برئيس وزراء إسبانيا السابق ازنار الى القول، إن نهاية وجود إسرائيل هو نهاية لأوروبا خصوصاً وللغرب والديمقراطية عموماً، ويجب الدفاع عنها ومدها بكل أنواع الحفاظ على وجودها.
هذه العقلية الغربية، هي التي تضع أولوية التسليح لإسرائيل، تحت مزاعم عدة، وأن تبقى الدول العربية الأخرى خارج إطار التسلح ولو في إطار الدفاع عن النفس.
إلاّ أن مشكلة إسرائيل ليست مع وجود السلاح، بل مع قرار استخدامه، وهي لا تخشى منه في أنظمة لا تعتبرها عدوة، بل مشكلتها مع سلاح يصل الى دول قررت التصدي لها ومقاومتها، فهي تقف ضد البرنامج النووي الإيراني للأغراض السلمية، وتهوّل به، وتحرّض أميركا وأوروبا لفرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في الوقت الذي تمتلك هي حوالي 200 رأس نووي، ولديها قنبلة نووية تبرر وجود أسلحتها النووية، بأنها للدفاع عن وجودها من خطر إزالتها، وهي التي تتعرض لتهديدات من هذا النوع.
ولقد أثارت إسرائيل موضوع تسلح الجيش، ورفضت أن يمتلك أسلحة نوعية دفاعية، لأنها تعتبر أن هذه الأسلحة ستصل الى المقاومة، وتحديداً الى “حزب الله” الذي بات لديه ترسانة أسلحة متطورة، ويمتلك صواريخ من نوع “سكود” و”أم – 600” يصل مداها الى 300 كلم، وتطال المستوطنات الإسرائيلية، لا سيما تلك البعيدة، إضافة الى وصول سلاح دفاع “أرض- جو”، لم تنكر المقاومة أنها امتلكته.
وجاء الاشتباك الذي وقع بين الجيش اللبناني والقوات الإسرائيلية عند الشريط الحدودي في بلدة العديسة، ليفتح باب الأسئلة الإسرائيلية، عن دور الجيش في نشوب أية حرب مقبلة مع لبنان، وهل سيكون سلاحه موجهاً ضد الجيش الإسرائيلي، حيث صدرت أصوات من نواب داخل الكونغرس الأميركي، تطالب الإدارة الأميركية بوقف المساعدات للجيش اللبناني، التي تقدمها الولايات المتحدة له، وقد بلغت حوالي 700 مليون دولار، صرفت كلها على تجهيزات عادية وأسلحة فردية وناقلات جند وألبسة ومناظير ليلية، ولم تصل الى مستوى السلاح الدفاعي الذي طلبه لبنان، ورفضته واشنطن، تحت ضغط اللوبي اليهودي، من أن لا يقع هذا السلاح في يد “حزب الله” ويستخدم ضد إسرائيل، التي شنت حملة على الجيش واعتبرته بات يمثل خطراً عليها، وهي لم توفره في اعتداءاتها على لبنان، وتعرضت بعضاً من مقراته وثكناته ومواقعه للقصف أثناء الحرب الإسرائيلية صيف 2006.
فالجيش الذي تريد تسليحه أميركا، مشروطاً أن يكون سلاحه موجهاً الى الداخل لمواجهة “الإرهاب” وهي تعني “حزب الله” وكل طرف مقاوم لإسرائيل، بالرغم من أن الجيش خاض أكثر من معركة ضد الإرهاب بمفهومه التخريبي والتكفيري، الذي مارسته بعض منظمات إسلامية أصولية، في أحداث جرود الضنية نهاية عام 1999، أو في معارك مخيم نهر البارد عام 2007، وفي الحالتين كان الجيش في حالة الدفاع عن النفس وعن المواطنين بعد الاعتداء عليهم من قبل العناصر الإرهابية، وقد وقفت الولايات المتحدة موقف المتفرج، فلم تمد الجيش بالأسلحة والذخيرة، بل ساعدته سوريا للقضاء على تنظيم “فتح الإسلام”، وقد اتهمتها قوى “14 آذار”، بأنه من صنيعتها، وتبيّن أن كل ما روجته كان أضاليل، إذ أثبتت التحقيقات الأمنية والقضائية ضلوع هذا التنظيم بأعمال اغتيال وتفجير، وأصدر القضاء اللبناني قرارات اتهامية تدين عناصر منه باغتيال النائب وليد عيدو وابنه خالد وقبله النائب بيار الجميل، الى تفجيرات عين علق وعاليه والأشرفية وفردان وباصي الجيش في طرابلس والقوات الدولية في الجنوب وغيرها من الأعمال التخريبية، وقد أظهرت الاعترافات أن هذا التنظيم الذي ترأسه شاكر العبسي، هو أحد فروع تنظيم “القاعدة”، وله حضور في المخيمات الفلسطينية ومناطق لبنانية.
فالإرهاب الذي يجب أن يحاربه الجيش وفق المفهوم الأميركي، هو المتمثل بـ”حزب الله”، كمقاوم لإسرائيل، وأن السلاح الذي يجب أن يحصل عليه، يجب أن يكون استخدامه ضد الداخل، ولابأس إن طاول عناصر إسلامية أصولية، لكن الأولوية لمن يزعج أمن إسرائيل، وينتصر عليها، ويتمكن من أن يشكّل في لبنان قوة ردع لها، وهذا ما لا يمكن للإدارات الأميركية المتعاقبة أن تقبل به، وهي عندما قبلت بتسليح الجيش ومساعدته، فمن أجل تغيير عقيدته، وهذا التغيير كانت ستقوم به قوى “14 آذار”، التي استجابت للطلب الأميركي، لكن لاقت صعوبات سياسية داخلية، إضافة الى تصدي المعارضة لمثل هذا التوجه، الذي سقط مع انهيار المشروع الأميركي في لبنان، الذي كان يركّز على تطوير وتفعيل قوى الأمن الداخلي، باعتبار قيادتها قريبة سياسياً من قوى “14 آذار”، وتحمل توجهاتها، وفق المفهوم الأميركي لدور قوى الأمن.
من هنا فشلت المحاولات الأميركية لاستدراج الجيش في أن يكون قوة عسكرية بمواجهة المقاومة، لأن قائده السابق ميشال سليمان رفض أن يضعه في هذه المواجهة، بعد أن سبقه الرئيس إميل لحود الى هذا الموقف في العام 1993، واستمر، كما أن القائد الحالي العماد جان قهوجي يمارس الممارسة ذاتها، ويعتبر المقاومة قوة أساسية للبنان ودافعت عنه وحررت أرضه، ولا يمكن إخراجها من هذا الدور الوطني المقاوم الى جانب الجيش، ويشكلان معاً، حالة دفاع حقيقية، حيث ينقص المؤسسة العسكرية الأسلحة الدفاعية التي تدافع عن لبنان، لا سيما تلك التي تواجه غارات الطيران الإسرائيلي، إذ أن نقطة ضعف لبنان، تكمن في سمائه المستباحة، وهذا الموضوع مطروح منذ سيتينيات القرن الماضي، وقد سعت الحكومات المتعاقبة الى تسليحه بصواريخ “أرض-جو” فكانت صفقة “الكروتال” وما رافقها من فضائح، كما تمّ إنشاء رادار متطور في جبل الباروك لرصد حركة الطيران الإسرائيلي، وقد تمّ تدميره إسرائيلياً لأنه غير محمي.
فموضوع تسليح الجيش يعود الى عقود بعيدة، وقد سادت نظرية “قوة لبنان في ضعفه”، واعتماد الدبلوماسية والصداقات الدولية في الدفاع عن لبنان، وهي النظريات التي عادت تطل من جديد عبر ما يسمى “المقاومة الدبلوماسية” في تحرير ما تبقى من أرض محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من الغجر.
ولكن هذه النظرية، لا تتوافق مع البيانات الوزارية، التي تؤكّد على ثالوث الدفاع عن لبنان، الجيش والشعب والمقاومة، مما يعني التزاماً في تعزيز القدرات العسكرية، وهو ما دفع برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان العارف بوضع الجيش وهو الذي كان قائده لسنوات، أن يطرح موضوع تسلحه ويعتبره أولوية، وهو استعجل هذا الأمر بعد اشتباك العديسة، والشجاعة التي أظهرها الضباط والجنود في المواجهة، وتبيّن أن القرار السياسي الذي أمّنه الرئيس سليمان بترؤسه مجلس الدفاع الأعلى، وإعطاء الأوامر للجيش بالتصدي لأي خرق للسيادة، أكّد صحة مقولة، أن قوة لبنان هي في جيشه المسلح، ومقاومته التي أعلن قائدها، أنها تقف وراء الجيش إذا طلبت قيادته مساندتها، وقد لاقى تصدي الجيش للعدو الإسرائيلي ترحيباً شعبياً وسياسياً، مما يعني وضع نظرية الجيش والمقاومة والشعب، موضع التطبيق، وهي عنوان الاستراتيجية الدفاعية التي تبحث على طاولة الحوار، ولم يعد يفيد التنظير فيها، بعد أن حصلت الممارسة الميدانية، وبات العنوان هو تمكين الجيش من المواجهة أكثر، عبر تسلحه، وقد سبق لوزير الدفاع الياس المر أن سعى للحصول على طائرات “ميغ” من روسيا، والتي تحولت الى طائرات هليكوبتر مقاتلة، بعد أن أظهر الخبراء العسكريون دراسات تفيد أن لبنان لا تفيده طائرات كبيرة لأنه لا يمتلك المطارات العسكرية، بل طائرات صغيرة، إضافة الى صواريخ “أرض-جو”.
وبات تسليح الجيش أولوية وضرورة، مع التهديد الإسرائيلي للبنان، من أنه كله سيكون مستهدفاً في الحرب المقبلة التي يتم التحضير لها، للثأر من الهزيمة العسكرية في لبنان.
ولقد كان الرد الرسمي اللبناني جريئاً وواضحاً عندما أعلن الرئيس سليمان، أن التسليح لن يكون مشروطاً بقرار أميركي أو غيره، أو تحديد وجهة استخدامه، وأعلن أن مصادر السلاح مفتوحة أمام لبنان، الذي سيشتريها بأموال أبنائه، وتمّ فتح حساب خاص لذلك افتتحه وزير الدفاع بالتبرع بمليار ليرة مع والده ميشال المر، وهذا تأكيد على استقلالية القرار اللبناني، ورد على كل من يدعو الى تحييد لبنان عن الصراع، ونجح رئيس الجمهورية بالتأكيد أن قرار الحرب هو بيد إسرائيل، وقرار الدفاع بيد لبنان.
Leave a Reply