كمال ذبيان – «صدى الوطن»
أنهى لبنان عام 2018 على وقع أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، سيرثها عام 2019، الذي بدأ أيامه الأولى دون حكومة، ليخرج اللبنانيون إلى الشارع، مطالبين بتشكيل حكومة تدير البلاد وتيسر أمور العباد، في وقت تُحشد فيه التظاهرات في بلدان أخرى لإسقاط الحكومات!
ماذا حصل في 2018
تميز عام 2018، بإجراء انتخابات نيابية بعد تأخير دام نحو أربع سنوات، فتمّ التمديد لمجلس النواب في ظل الخلاف على قانون الانتخاب الذي أقر في النهاية وفق نظام نسبي وليس أكثرياً كما كان يحصل في الدورات السابقة منذ الاستقلال في العام 1943.
وهذا القانون، وإن اعتبر إنجازاً على طريق إصلاح النظام السياسي، إلا أنه –بحسب كثيرين– عزّز الطائفية وحافظ على ديكتاتوريات الطوائف، إذ أتى بالأقوى في طوائفهم، فحصد «الثنائي الشيعي» (حركة أمل وحزب الله) كل المقاعد الشيعية الـ27 باستثناء مقعد واحد في جبيل، ليس لأن مرشح «حزب الله» الشيخ حسين زعيتر لم يحصل على أصوات تفضيلية، بل لأن لائحته لم تنل الحاصل الانتخابي وفق النظام الانتخابي المعقّد، فحلّ مكانه المرشح مصطفى الحسيني بـ279 صوتاً تفضيلياً مقابل أكثر من 12 ألف صوت لزعيتر.
كما أن «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» تقاسما المقاعد المسيحية، مع فوز «الكتائب» و«تيار المردة» والمستقلين و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» بحوالي 15 نائباً فقط من أصل 64.
أما المقاعد السنّيّة فتوزعت بين 17 لـ«تيار المستقبل»، و10 من خارجه، في وقت حصل «الحزب التقدمي الاشتراكي» على المقاعد الدرزية باستثناء مقعدين للنائب طلال إرسلان وللنائب أنور الخليل في كتلة التنمية والتحرير.
ومع إجراء الانتخابات اعتبرت الحكومة مستقيلة دستورياً.
تكليف الحريري وعقد التأليف
بعد إعلان نتائج الإنتخابات، أجرى رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية الملزمة، التي أسفرت عن تصويت 112 نائباً لصالح تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، للمرة الثالثة. إلا أن التأليف لم يكن سريعاً كالتكليف، إذ واجهت الحريري عراقيل حول تمثيل الكتل النيابية، وكانت أولى العقد «القوات اللبنانية» التي طالبت بخمسة مقاعد وزارية وحقيبة سيادية، فحصلت على أربعة دون السيادية، كما أن «اللقاء الديمقراطي» برئاسة النائب تيمور جنبلاط طالب بكامل المقاعد الدرزية الثلاثة وبحقائب وازنة، فحصل على اثنين، والثالث كان من حصة إرسلان الذي لم يوزّر ليسمي شخصاً من قبله.
العقدتان «القواتية» و«الاشتراكية»، استهلكتا نحو أربعة أشهر لحلهما، لتبرز عقدة تمثيل السُنّة من خارج «تيار المستقبل»، ولازال حلّها متعثّراً منذ أكثر من شهرين.
ومضى على تكليف الحريري نحو ثمانية أشهر، ولم تبصر الحكومة النور بعد، وذلك بسبب عقد وشروط داخلية –ظاهرياً على الأقل– إذ يربط البعض، التعثر بتوازنات إقليمية ودولية لاتزال تنتظر الدخان الأبيض من عواصم القرار.
الأزمة الاقتصادية
ودّع لبنان العام 2018 على وقع أزمة اقتصادية متفاقمة، أقرّ المسؤولون فيها، كما التقارير الدولية والخبراء الاقتصاديين والماليين، بأن لبنان في أسوأ وضع اقتصادي ومالي مع تباطؤ النمو وتفاقم العجز في الموازنة والمديونية العامة وازدياد الإنفاق الحكومي وانحسار الإيرادات. وقد انعقد مؤتمر «سيدر» في نيسان الماضي لمساعدة لبنان على حل أزمته الاقتصادية التي تهدّد بانفجار اجتماعي، مع ارتفاع نسبة البطالة إلى نحو 40 بالمئة، لاسيما في صفوف الشباب والخريجين منهم من الجامعات والمعاهد، ووصول نسبة الفقر إلى معدلات مرتفعة إذ تمّ تسجيل نحو أكثر من مليون لبناني عند خط الفقر أي ما يعادل ثلث الشعب، بمدخول يومي يبلغ نحو أربعة دولارات، وهذا ما بدأ يضغط على المجتمع الذي ارتفعت فيه حوادث الانتحار إلى مستويات غير مسبوقة، إذ سُجل رسمياً حوالي 400 حالة خلال العام الماضي.
توصيات «سيدر»
وفي وقت أقرّ مؤتمر «سيدر» نحو 12 مليار دولار من المساعدات المشروطة، لإنقاذ الاقتصاد اللبناني عبر تحفيز النمو وتأمين فرص عمل من خلال مشاريع كبرى في البنى التحتية كما في الزراعة والصناعة واقتصاد المعرفة، فإن المسؤولين في لبنان يتلهون بـ«جنس الملائكة» في تشكيل الحكومة. ويتخوف رئيس مجلس النواب نبيه برّي من أن تنتقل أموال «سيدر» إلى دول أخرى ويخسرها لبنان الذي عليه أن يستعجل تشكيل الحكومة، ليبدأ تطبيق الإصلاحات المطلوبة، سواء عبر وقف العجز في الكهرباء والذي يبلغ سنوياً 2 مليار دولار، أو عبر إجراء سياسة تقشف في المال العام، بخفض الإنفاق وسياسات التوظيف لتخفيف الأعباء المالية المتمثلة برواتب القطاع العام، وإلغاء بعض الامتيازات الوظيفية. إذ تبلغ قيمة رواتب الموظفين والمتقاعدين حوالي 8 مليار دولار سنوياً، أي 65 بالمئة من الموازنة العامة، يضاف إليها خدمة الدين العام التي قاربت 5 مليار دولار، في ظل استمرار ارتفاع الدين العام الذي قارب المئة مليار دولار.
التظاهر في الشارع
أمام تعثر تشكيل الحكومة للشهر الثامن واشتداد الأزمة الاقتصادية وتهديد وزير المال علي حسن خليل، بأن خزينة الدولة مهددة بالنضوب، وهي تمتلئ بسندات دين من المصارف التي رفعت معدلات الفائدة، فإن المواطنين لم يعودوا يتحملون الانتظار، مع تراجع مداخيلهم التي تستهلكها الدولة بزيادة الرسوم والضرائب التي أثقلت القدرة الشرائية للمواطن الذي بالكاد يستطيع اليوم تأمين الضروريات من تعليم وصحة ومسكن.
كذلك المصارف، توقفت عن إعطاء القروض عبر المؤسسة العامة للإسكان، مما أثّر سلبياً على الشباب المقدمين على الزواج، والراغبين بشراء شقة سكنية، في ظل ارتفاع أسعار العقارات، التي تعاني جموداً كما قطاعات أخرى، وهذا ما حرّك المواطنين إلى الشارع، قبل شهر من انتهاء العام، ليستمروا فيه مع الشهر الأول من العام الحالي، وقد يؤدي هذا التحرك إذا لم تتشكّل الحكومة، إلى شلل تام في الدولة ومؤسساتها، كما في القطاع الخاص الذي يعاني من عمليات صرف للموظفين وتخفيضات في رواتبهم.
لبنان 2019
يدخل لبنان العام 2019، وهو مثقل باللااستقرار السياسي، ومهدد بانهيار اقتصادي وانفجار اجتماعي متوقع، وهو الذي يعاني من وجود أكثر من مليون نازح سوري على أرضه، تسببوا بأعباء مالية فاقت 15 مليار دولار في ظل انحسار الدعم الدولي للاجئين. وقد انعقد مؤتمر للنازحين السوريين في بروكسل لمساعدة لبنان، لكنه لم يكن فاعلاً، ليُحمل لبنان الموضوع إلى العام الجديد، حيث يستضيف قمة اقتصادية تنموية في بيروت، قد تكون فاتحة كي تلتفت الدول العربية إلى مساعدة لبنان الذي ينعم باستقرار أمني بعد تحرير أرضه في السلسلة الشرقية من الإرهابيين، ومحاصرة شبكاتهم في الداخل. إذ يعتبر لبنان الأكثر أمناً في منطقة تشتعل فيها الحرائق التي بدأ العمل على إطفائها، مع صمود سوريا طوال ثماني سنوات من الحرب الإرهابية.
لبنان عام 2019، ينتظر حكومة، يعتبرها الرئيس ميشال عون، حكومة العهد، من أجل إنجاز إصلاحات اقتصادية ومالية وبنيوية للدولة التي تنخرها الطائفية السياسية.
Leave a Reply