“وإذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام. رب إنهن أضللن كثيرا من الناس من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم.ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون”. قرآن كريم.
هذه الآيات الكريمات من القرآن الكريم، تفسر بعض الأسرار التي ينشدها الدين الإسلامي من فريضة الحج، حين أمر المسلمين بالانتظام في أروع مظهر تهفو الأفئدة فيه الى البيت العتيق، ويدعوهم أن ينطلقوا إليه رجالا وركبانا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله، لتكون دافعا عميق الأثر في مسلك الفرد، يقتل أسباب الضعف والتردد في نفسه.
إن رفع الناس المحتشدين لدعاء: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك” والحناجر التي تهتف بقوة وصدق –لابموت فلان أو بحياة علان- بل تهتف لله وحده، منيبة ملبية، ذاكرة اسمه تعالى وشاكرة نعمته وفضله.
خصوصا في أيام الحج، حيث تتقاطر الجموع الغفيرة من كل الأنحاء والأصقاع لتأدية المناسك المقدسة في انطلاق الى هدف راقٍ وملبية نداء الرحمن بكلمات جليلة وخاشعة، ما يعتبر ترجمة قوية عما يجيش بأنفسهم من آمال بالعفو والمغفرة، والتحرر من ربقة وسطوة الأصنام الدنيوية، من طمع وغش وعدوانية وتكبر.
إن هذا الدعاء المفروض في شعائر الحج يرتقي باليقين من معنى مخفي في الضمير الى مبدأ يتواصى الناس به ويتجمعون حوله، وفيه مالا يحصى من الفوائد النفسية والخلقية.
قد تكون المناسك كلها شعائر غير مقصودة لذاتها، مثلا السعي بين الصفا والمروة ورجم الشيطان، وإنما قصدت لذكر الله عندها، ومن هنا حرّم من الكلام ما يشغل عن هذا الهدف، فلا جدال في الحج. وفي الوقفة الكبرى يقول الكتاب: “فإذا أفضيتم من عرفات فاذكروا الله عند الشهر الحرام واذكروه كما هداكم”.
وبعد أداء أركان الحج يقول: “فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا”. ومن المؤسف حقا أن الكثير من المسلمين لا يمارسون ولا يعرفون من حكم الحج الفردية والاجتماعية الا القليل والنافل. والكثيرون ممن أدوا مناسك الحج سابقا، ورأوا مئات ألوف الوافدين إلى مكة المكرمة، واختلطوا في غمارهم وهم يحلون ويرحلون، طووا القلب على حسرات، وهم يرددون القول المأثور “ما أكثر العجيج وما أقل الحجيج”.
اللهم من تعبأ وتهيأ وأعد واستعد لوفادة مخلوق رجاء رفده وطلب نائله وجائزته، فإليك يا رب تلبيتي واستعدادي، رجاء عفوك وطلب نائلك وجائزتك، فلا تخيب دعائي يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل، فإني لم آتك ثقة بعمل صالح عملته ولا لوفادة مخلوق رجوته، أتيتك مقرا على نفسي بالإساءة والظلم، معترفا بأنه لا حجة ولا عذر. أتيتك أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين، فلم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الجرم، أن عدت عليهم بالرحمة فيا من رحمته واسعة وعفوه عظيم لا يرد غضبك إلا حلملك ولا ينجي من سخطك إلا التضرع إليك. هب لنا جميعا من لدنك رحمة بالقدرة التي تحيي بها ميت البلاد. إنك على كل شيء قدير.
Leave a Reply