خطابان طبعا عنوان المرحلة المقبلة في لبنان وحددا مسار المواجهة المستقبلية بين صاحبيهما وأعطيا مؤشراً على أن الأزمة اللبنانية مستمرة على طريق الإنفجار.الأول من مكان ما في الضاحية الجنوبية وفي يوم له رمزيته العربية والإسلامية المتعلقة بالقضية الأم فلسطين، ومن شخص له أيضاً رمزيته الجهادية المقاوِمة في التصدي لإسرائيل وقيادة حركة الممانعة للمشروع الأميركي في الشرق الأوسط. والثاني من عاصمة القرار في العالم، من واشنطن صاحبة المشروع الشرق أوسطي، ومن شخص له رمزيته الوجدانية على أنه وريث الرئيس رفيق الحريري، مع ما تخترل هذه المسألة من تجييش عاطفي مذهبي يستدرج السنة في لبنان ويضعهم في واجهة المواجهة مع المقاومة التي تصارع إسرائيل. والنتيجة أن تنجح إسرائيل بإعادة تشكيل جيش لحدي سياسي في العمق اللبناني يذود عنها ويكيل الضربات للمقاومة التي هزمتها ويدافع عنها خير دفاع، حتى أن إسرائيل لم تتكلف عناء الرد ودفع التهم عنها بالإغتيالات طالما أن هنالك من بالداخل اللبناني قد أوكل لنفسه هذه المهمة، وقام بلعب دور محامي الدفاع عنها على أحسن وجه. وعندما تستطيع إسرائيل أن تحول هذه اللحدية السياسية إلى لحدية عسكرية، تكون قد حققت نصراً يفوق النصر الذي حققته المقاومة عليها في حرب تموز من دون أن تحرك جندياً واحداً على الحدود. ربما يعتبر البعض أن في ذلك مغالاة، لكن وللأسف، من يراقب الحراك السياسي لقوى السلطة وعلى رأسها تيار المستقبل فإنه سيصل إلى هذه النتيجة، بدءاً من الإستهداف السياسي لسلاح المقاومة قبل حرب تموز والذي تحول إلى حملة شعواء على المقاومة ورموزها، قادها ولا يزال النائب وليد جنبلاط، في توزيع متقن للأدوار بينه وبين المستقبل، وهو ما شكل أرضية مناسبة وممهدة لحرب إسرائيل العدوانية على لبنان بفعل التقاطعات المصلحية بين القوى الداخلية والعربية وبين إسرائيل والإدارة الأميركية، الأمر الذي جعل المقاومة تنشطر إلى مقاومتين: عسكرية في مواجهة إسرائيل وسياسية في مواجهة مجلس الأمن وحكومة السنيورة. فبدل أن تقوم الحكومة بهذا الدور وتتولى الدفاع السياسي عن المقاومة في المحافل الدولية، وجدناها إنحازت إلى المطالب الإسرائيلية وقامت بنقلها حرفياً إلى المقاومة: إلقاء السلاح وتسليم الأسيرين وإرسال الجيش إلى الحدود ونشر قوات دولية تحت البند السابع. وليس انتهاءاً بالتصريحات الفريدة التي اعتبرت أن الإدارة الأميركية ساعدت لبنان خلال العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، ما يستدعي التفكر والتأمل ملياً بالعقلية التي تحكم بعض الرؤوس، أو ربما لا عقول. إلا إذا كان المقصود أن أميركا تدخلت ومنعت إسرائيل من ضرب العاصمة بيروت والوسط التجاري والمناطق التابعة لنفوذ السلطة!لا يعدو كلام النائب سعد الحريري هذا سوى رمياً في عماية، وهو مردود إلى صاحبه. فقد كان أجدى لو قال مثلا، بأن الولايات المتحدة ساعدت لبنان في حربه على فتح الإسلام في نهر البارد، إذا كان لا بد من تأكيد الصداقة والتحالف بين قيادته العظيمة وقيادة الرئيس بوش. لأن كلامه هذا سيدفع بالكثير للتنكر لقضية والده ومنطقهم في هذه المسألة على فرضية أن سوريا هي التي اغتالت والده التالي: كما أن الإدارة الأميركية قامت بتغطية الحرب الإسرائيلية على المقاومة وأعطت لإسرائيل الضوء الأخضر وأطالت أمد الحرب كما أعلن المندوب الأميركي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون وبالتالي كانت سبباً في قتل المئات من الأبرياء، وحضرة النائب سعد الحريري يجاهر ويباهي بحلفه مع الإدارة لا بل يعتبر أن ذلك كان مساعدة للبنان، فإن للمعارضة الحق أن تتحالف مع سوريا ولو كانت متهمة باغتيال الرئيس الحريري، وللمعارضة الحق أن تنسف المحكمة الدولية من جذورها ما دامت إسرائيل تحظى بدعم لا متناهى من الولايات المتحدة، وهنا فقط للتذكير بأن أميركا هي من منعت إدانة إسرائيل في مجلس الأمن عشرات المرات لارتكابها جرائم حرب كما حصل في مجزرة قانا الأولى عام 1996 في عملية عناقيد الغضب، لأن العدالة لا تتجزء ولا تُستنسب حسب الأهواء والمصالح السياسية.عندما يتحول الصراع السياسي إلى صراع مشاريع لاغية لبعضها مع استحالة تعايشها، فإن الصدام هو حتمية في هذا الصراع عاجلاً أم آجلاً مهما كانت الأكلاف ومهما كانت النتائج.
Leave a Reply