مريم شهاب
فـي الاجتماع السنوي مع العاملين فـي شركة «كوكا كولا» العملاقة، ألقى «براين دايسون» كلمة قصيرة استغرقت بضع دقائق، تضمنت فكرة كان قد تداولها آخرون فـي علوم الاجتماع والنفس، ضمن كتب بآلاف الصفحات. وقال فـي كلمته: اعتبروا الحياة مثل لعبة، كل واحد منّا يتقاذف فـيها ثلاث كرات فـي الهواء كما يفعل الحاوي فـي ألعاب الخفّة. وتلك الكرات هي العمل والعائلة والصحة. ومهما تكن ماهراً فـي قذف تلك الكرات والتقاطها فعلى الأرجح أن واحدة منها أو أكثر سوف تسقط. وسوف تدركون أن كرة العمل مطاطية، فإذا سقطت من يدك فسوف ترتطم بالأرض ثم ترتد إليك، فتعاود قذفها والتقاطها، فـي حين أن الكرات الأخرى زجاجية، فإذا سقطت إحداها فسوف تصاب بالخدوش وقد تتكسّر وتتحول إلى شظايا.
الحكمة السديدة التي أراد «مستر دايسون» إيصالها إلى آلاف العمال فـي شركته، هو أن «العمل يأتي ويروح»، فقد تكون اليوم موظفا، أو تاجرا أو مدير قسم مهم، وقد تنال ترقية وربما تنتقل إلى إدارة أو عمل آخر، ومن المحتمل أيضا أن تفقد عملك وتخسر وظيفتك. فـي كل الحالات سوف تكتسب مهارات جديدة وتقابل زملاء وأناسا آخرين وتكتسب مهارات جديدة، وعليك فـي كل الأحوال أن تعمل بكفاءة وإخلاص. وبعد انتهاء الدوام عليك ترك العمل فـي مكان العمل. لا تحمل العمل معك إلى البيت، بل إعطِ بقية وقتك للعائلة وامنح لنفسك الفرصة لأن ترتاح نفسيا وجسديا، فهذا من شأنه حتما أن يحقق لك راحة روحية.
مثلي، مثل بقية الأمهات، كنت أتمنى لو أني سمعت كلام براين دايسون منذ سنوات طويلة، حيث كانت الأولوية للعمل وإثبات الذات والتفوق فـي «البزنس» وجمع المال وتأمين كل الاحتياجات المادية للأولاد حتى لا يتأففوا من العذاب والمرارة التي كان يعيشها العديد من أهاليهم. العائلة تعني الأم. والأم والأولاد يتشاركون الأوقات.. يأكلون ويتشاجرون ويتصالحون ويغسلون الأطباق.
مع الأسف الشديد، لدينا اليوم أجيال من الشباب -إلا القليل ممن رحم ربّي- مدللون إلى درجة الفساد. يتمتعون بامتلاك كميات غير مسبوقة من الملابس والدمى والدراجات والزلاجات وأجهزة الكمبيوتر الذكية، والألعاب الألكترونية و«الآي فون» و«الآي باد»، وفـي أحيان كثيرة يريد الأهل إرضاء أولادهم بدلاً من أن يكافح الأولاد من أجل نيل رضا آبائهم.
من هنا كان يجب التركيز على العائلة والبيت. العديد من الآباء والأمهات كانوا أشبه «بالجرافات» فـي محاولاتهم لإزالة جميع العقبات التي تعترض طريق أبنائهم وتربية جيل مدلل من الأطفال الذين لا يستطيعون عقد أربطة أحذيتهم. والمثير للقلق أن هؤلاء الأبناء لا يستطيعون، بعدما يكبرون، تدبير أمورهم فـي المدرسة والجامعة بغياب مساعدة أسرهم.
تجاهل الأهل لمبادئ تنشئة الأولاد أمر فـي غاية السهولة. ولكن الإفتقار إلى الإنضباط فـي تربية الأولاد سيؤدي حتماً إلى سقوط «كرةالعائلة الزجاجية» وارتطامها بالأرض وتفتتها إلى شظايا!
حاذروا أن تسقط هذه الكرة الثمينة من أيديكم فـيما أنتم تلعبون «لعبة الحياة»!
Leave a Reply