الصورة الرمزية التي غطَّتْ على ما يسمَّى المناقشات التي جرت في لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النوَّاب الأميركي من أجل بحث العدوان على سوريا، هي تلك التي التقطتها مصوِّرة أميركية خلسةً للسناتور الأميركي الجمهوري من ولاية أريزونا، جون ماكين، وهو يلعب «البوكر» تحت الطاولة على تلفونه الجوَّال.
ماكين، الذي هو أحد المتطرِّفين الجمهوريين الذين خرقوا مصالح أميركا بزيارته للإرهابيين التكفيريين في سوريا ومن بينهم خاطفي الحجَّاج اللبنانيين في «أعزاز»، قال متهكِّماً بعد إنكشاف أمره إنَّه خَسَر نقوداً في اللعبة. وقد كان هذا تعبيراً صارخاً على الاستهتارالمجرم بمصيرالشعوب والأمم حيث يُبحث القيام بتدخُّل عسكري واسع في منطقة ملتهبة من العالم قد تزلزل الدنيا وتغيِّر المعالم وتؤدي إلى حرب عالمية ثالثة بينما ماكين يستهزيء بكل أنهارالدماء البريئة التي ستسيل في سوريا فيما لو حصل العدوان.
لم يخطرْ في بال أي مُشرِّع في الكونغرس خلال جلسات الاستماع التهريجية أنْ يسأل وزيرالخارجية جون كيري المتحمِّس للعدوان والذي يذرف دموع التماسيح اليوم على الشعب السوري ولم يتحرَّك ضميره على قتل الأطفال في فلسطين ولبنان من قِبَل إسرائيل، ما حقيقة تقرير وكالة «أسوشيتد برس» بأنَّ بنْدر بن سلطان زوَّد المعارضة المسلَّحة بالمواد الكيميائية وعن حقيقة إستخدامها لهذه المواد فعلاً من قبل في «خان العسل» حسب التقارير المؤكَّدة! ولم يطرح أحدٌ من هؤلاء «الطُرُح» سؤالاً بديهيَّاً عن ماذا سيحدث لو تبيَّن أنَّ التكفيريين هم من إستخدم غاز «السارين»، أو عن كيف سيكون موقف الولايات المُتَّحدة عندما تجد نفسها في خندقٍ واحد مع تيارات ومجموعات «القاعدة» الإرهابية المجرمة التي لها اليد الطولى في الميدان في سوريا والتي تسبَّبتْ قبل أسبوعين بإغلاق دزِّينة من السفارات الأميركية في الخارج؟! صدق العبقري زياد عندما قال من قبل في إحدى مسرحياته «بيصير ما إلك عين تطلعهم من الخندق»!
ولم يسأل أحدهم عن كلفة هذه الحرب الجديدة التي ستزيد الأعباء على كاهل الخزينة الأميركية التي تنوء تحت عجزٍ فاضح في وقتٍ تعاني ملايين العائلات الأميركية، ذات المداخيل المحدودة، من اقتطاعاتٍ في المساعدات الحكومية؟
ففي شأن المديونية الاميركية، فاق الدين العام للولايات المتحدة حسب أرقام تموز ٢٠١١ حاجز الـ ١٤ ترليون دولاراً أميركياً وهو ما يناهز ٩٨ بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. وتبلغ مستحقات الجهات الخارجية من هذا الدين ٩,٧ ترليون دولاراً أمَّا الباقي ومقداره ٤,٦ تريليوناً فهو لأطرافٍ داخل الولايات المتحدة، وما يمثِّله هذا الرقم أنَّ كل مواطن اميركي مدين بزهاء ٤٦ ألف دولار، أما عندما يُقسَّم الدين العام الاميركي على عدد دافعي الضرائب فهذا يعني أنَّ حصَّة كل واحد منهم هي قرابة ١٢٩ ألف دولار، ووفقا للوتيرة الحالية فإنَّ هذا المبلغ يزداد ٣,٨٥ مليار دولار يومياً، ويتردَّد أن الدين العام الاميركي إرتفع مع بداية ٢٠١٣ الى ١٧ ترليون دولار. وإذا لم تتمكن إدارة الرئيس أوباما من رفع سقف الدين العام الذي يخِّولها الإستدانة لإعادة ترتيب عمليات السداد وإقناع الكونغرس برفع سقف الدين العام فإنَّ أميركا ستُعلن إفلاسها للمرة الاولى في التاريخ وسوف تتكبَّد الدول التي تملك السندات الأميركية الخسارة الأفدح وأوَّلها الصين تليها اليابان ثم بريطانيا. في ضوء هذا الواقع، وبغض النظر عمَّا سيواجه الولايات المتحدة من تداعيات قد تنتج عن الإعتداء على سوريا، فأين الواقعية المسؤولة عند الكونغرس في إتخاذ قرار الحرب!!
وللعبرة، تشير تقارير إقتصادية الى إنَّ عمليات فرض الحظر الجوي على البوسنة عام ١٩٩٦ كلَّفت الولايات المتحدة ٣,٤ مليار دولاراً بينما بلغَتْ كلفته في عملية العراق ٢,١ مليار دولار وفي كوسوفو ٢,٤ مليار دولار. هذه الأرقام يجب أنْ تُوضع أمام الرأي العام الأميركي.
وإذا كانت الولايات المتحدة المُهدَّدة بالافلاس والتي ترتفع فيها معدلات البطالة وتشهد كساداً في قطاع العقارات والميزان التجاري وفقدان الأميركيين للآلاف من الوظائف، ومع إستمرار الأزمات المالية وتداعياتها في الولايات المتحدة ودول الإتحاد الاوروبي تبرز أهمية دول ما يسمى بمجلس التعاون الخليجي لتغطية الجزء الأكبرمن نفقات الضربة العسكرية لبلد عربي ومسلم!! وكم كان قبيحاً مشهد إجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لقهر بلد عربي والإستقواء عليه بالأجنبي، وكم كان ذميماً خطاب سعود الفيصل الذي يلعب بالدم من أجل مصلحة إسرائيل فقط!
ومن سخريات القدر أنْ تتسلط عدة مشيخات بحماية الدول الاجنبية على ثروات بلاد المسلمين، والناس فيها شركاء وتصبح نهباً لشُذَّاذ الأٓفاق، ولضخ المليارات في خزائن الدول الاجنبية المفلِّسة، ولضرب المسلمين وبلادهم المنهوبة، بينما أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في القدس في قبضة اليهود، والفلسطينيون مشرَّدون خارج ديارهم.
وهكذا كونغرس أسماه يوماً ما بات بيوكانان، المرشَّح السابق للرئاسة الأميركية، أرضاً إسرائيلية مُحتلَّة لن يُخيِّب أمل إسرائيل خصوصاً بعد تأييد اللوبي الصهيوني للعدوان. وقد تبدأ العمليات العسكرية في ذكرى هجمات أيلول الإرهابية في ١١ من الشهر الحالي، لكن لا أحد يمكن أنْ يتكهَّن كيف سيمكن السيطرة عليها لأن الطرف المقابل يعتبرالحرب جدِّية ومسألة حياة أو موت ولو أُطلقت رصاصة واحدة! وقد تستغل إسرائيل الماكرة وجود أميركا في المنطقة لضرب المواقع النووية في إيران وتوريط الولايات المتحدة بالمشاركة فيها بينما العالم مشدودٌ إلى الوضع السوري. وحتى الآن، يبدو أنَّ فرنسا التي عادت إلى دورها الاستعماري خصوصاً بعد تسلُّم الاشتراكيين السلطة منذ زمن المحروق فرانسوا ميتران هي أشدُّ المتطرفين. فرئيسها الحالي الذي يشبه المفتش «كلوزو» بتعثُّره غير الطبيعي دوماً في الفيلم الشهير «الفهد الزهري» Pink Panther، يبدو متحمِّساً بشكلٍ جنوني لمساندة الإرهابيين في سوريا بينما قام بقتَلهم في مالي.
أمَّا عندنا في «شبه الوطن»، فحدِّث ولا حرَج! ميشال سليمان كان مهتمَّاً جداً بحماية لبنان من الحرب المُقبلة باحتفاله بمناسبة إستعمارية بغيضة هي إعلان مجرم الحرب الفرنسي غورو دولة «لبنان الكبير» في أول أيلول ١٩٢٠ بعد سلخ أجزاء عزيزة من سوريا وفلسطين لخلق «وطن قومي» للطائفة المالكة وبدأ بالتحريض ضد سوريا الذي مازال مستمرَّاً حتى اليوم!
كذلك ينوي سليمان المولَع بالسفر، الذهاب إلى فرنسا للمشاركة في الألعاب الفرانكوفونية هناك، طبعاً من دون أنْ يسأل عن مصير سجين لبناني أُهدر حقُّه في فرنسا أو يحتج على موقف باريس المخزي تجاه نياتها العدوانية بحق بلد جار شقيق جاء به إلى سدَّة الرئاسة! فأين تحضير البلد لحربٍ مدمِّرة وأين الاستعداد لإنقاذ أرواح اللبنانيين واستيعاب الذين سينزحون بالآلاف من بيوتهم في حال وقَعَتْ حرب الجحيم؟! لا حياة لمن تنادي. لقد أضاف سليمان إلى «سجلِّ إنجازاته» التي تضمَّنتْ رفع شكوى لأول مرة من قبل رئيس لبناني ضد سوريا في الامم المتحدة، ونحن نتحرق شوقاً لانجازاته التالية قبل أنْ يغادرقصربعبدا!
أمَّا على الصعيد الأمني فقد أُخلي سبيل الشيخ النظيف الكف هشام منقارة ولم يتمكَّن فرع «ميليشيا المستقبل» من تلبيسه تهمة تفجيري طرابلس الارهابيَّيَن على غرار المسكين الوزير ميشال سماحة. وقد كشَفَ منقارة، الإنسان الكبير والوفي للمقاومة والمعدن النادر جداً جداً في زمن السلفيين التكفيريين الكَفَرة، تواطؤ «ميليشيا المعلومات» وعلمها المسبق بالتفجيرين في طرابلس، ولكن من سيحاسب الميليشيا وأشرف ريفي وخالد الضاهر وشلَّة المتآمرين؟ حوت المال أم رئيسه أم النيام في ٨ آذار؟!
إنَّ بندر وعصابة «١٤ عبيد زغار» التي تنتظر، على أحرٍّ من الجمر، العدوان الغربي على سوريا لا يختلفون عن جون ماكين الذي يتاجر بدم الناس فهم أيضاً يلعبون «البوكر» بمصير البلد ولكن ليس لزمنٍ طويل وسوف يحين الوقت لكي «يلعبوا بالأربعة ورأسهم الخامس» كما يقول المثَل العامِّي!
Leave a Reply