وليد مرمر – لندن
كان الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان مولعاً بإلقاء النكات حول الاتحاد السوفياتي، كما أنه كان يخبر السكرتير العام للاتحاد السوفايتي وقتئذ، ميخائيل غورباتشوف، ببعضها كما كان يصرّح. من تلك النكات أن أحد المواطنين السوفيات كان قد ذهب لشراء سيارة ودفع ثمنها نقداً ولكن البائع أخبره بأنه كان عليه الانتظار عشر سنوات قبل الحضور لاستلامها كدأب كل المواطنين السوفيات. وعندها سأل المشتري: أأحضر صباحاً أم عصراً؟ فأجاب البائع وما الفرق بعد عشر سنوات أن حضرت صباحا أو عصراً؟ فأجاب المشتري: السبب أن عامل السباكة (السنكري) سيحضر في الصباح!
ورغم انقضاء فترة الحرب الباردة من أكثر منذ 30 سنة إلا إن سوء العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية قد بلغت مرحلة لا توحي بأن جو بايدن أو فلاديمير بوتين كانا بوارد تبادل النكات لدى اجتماعهما في جنيف يوم الأربعاء 16 يونيو في لقائهما الأول، كرئيسين.
فهل ستكون قمة جنيف 2021 إيذاناً بوقف التدهور في العلاقات وإعادة جسور الثقة بين البلدين كما كانت قمة جنيف 1985 بين ريغان وغورباتشوف بداية لذوبان جليد الحرب الباردة؟
اختلف المراقبون في تقييم مقررات القمة ومدى نجاحها وذلك بسبب كثرة الملفات المعقدة. وقد جاء انعقاد مؤتمرين صحفيين منفصلين لكل من الرئيسين ليؤيد نظرية فشل القمة حتى في الاتفاق على تنظيم الخلاف بين البلدين.
وكان من أبرز نقاط الإعلان المشترك هو اتفاق البلدين على إطلاق حوار ثنائي شامل حول الاستقرار الاستراتيجي وتمديد معاهدة «ستارت 3» لتخفيض ترسانة الأسلحة النووية والاتفاق على إعادة السفيرين بين البلدين وبحث مشكلة الهجمات السيبرانية وضرورة مكافحة الجرائم الإلكترونية والإسهام في تطبيق «اتفاقات مينسك» حول أوكرانيا واستئناف التعاملات التجارية بين البلدين.
وقال بايدن في مؤتمره الصحفي بأن بوتين أعرب عن استعداده للمساعدة في أفغانستان وإيران وليبيا وسوريا. كما صرح بأن الولايات المتحدة تود استئناف التعاملات التجارية مع روسيا ما دامت تلتزم المعايير الدولية.
كذلك، قال بايدن إن بوتين لا يسعى إلى حرب باردة جديدة لأنها لا تصب في مصلحة أحد وإن تكرار الهجمات الإلكترونية يضر بسمعة روسيا و«سنرد على ذلك».
وقبل يومين من القمة أجرت شبكة «أن بي سي» الأميركية مقابلة حصرية مع الرئيس بوتين عبر مذيعها المخضرم كير سيمونز. وكان السؤال الأول الذي سأله سيمونز للرئيس الروسي عن صحة المعلومات حول تزويد موسكو لإيران بتكنولوجيا فضائية متطورة. وسارع الرئيس الروسي لنفي هذه المعلومات لكنه أكد في الوقت عينه وجود برامج تعاون عديدة بين البلدين سيما العسكرية منها. وهنا عقّب سيمونز بسؤال ينم عن جهل في الواقع السياسي للمنطقة أو هو تجاهل مقصود: «ولكنك تتفق معي أن إعطاء هذه التكنولوجيا الفضائية لإيران قد يساعدها على استهداف القوات الأميركية في العراق، أو ستصبح هذه التكنولوجيا بمتناول حزب الله في لبنان وميليشيات الحوثي في اليمن مما سيشكل خطراً على إسرائيل والمملكة السعودية»؟
وفي سؤال ثان يبدي مدى التعالي والعنجهية التي تتعاطى بها وسائل الإعلام الرئيسة في الغرب، سأل سيمونز بوتين: «لقد طلب بايدن اللقاء بكم ولم يضع أي شروط للقاء، هل كنت متفاجئاً»؟ كان جواب بوتين، ببساطة: لا!
لكن يبدو أن من كان متفاجئاً لم يكن بوتين بل كان موظف الـ«أن بي سي» الذي ظن بأن للولايات المتحدة الحق في أن تضع الشروط المذلة على من تشاء ومتى تشاء تحت تهديد الحصار والتجويع العقوبات الاقتصادية.
– الرئيس بايدن يريد الشفافية والاستقرار، هل هذا ما تريده أنت؟ والرئيس بايدن ربما يدعي بأنك السبب وراء الكثير من الضبابية والأزمات؟ هذا كان سؤال آخر للرئيس بوتين. فكان جواب «بأننا لم نرَ الكثير من الشفافية والسلام في الأعوام الأخيرة. انظر إلى ليبيا وماذا حصل هناك حيث فُككت المؤسسات ودُمر البلد منذ 2011. عن أية شفافية واستقرار تتحدث؟ وفي أفغانستان.. كان الكلام دوماً عن أهمية وجود عسكري أميركي هناك.. وفجأة تم سحب الجنود من البلد… هل هذه شفافية واستقرار؟ وفي الشرق الأوسط، وفي سوريا تحديداً، أين الشفافية والاستقرار؟ لقد سألت الأميركيين: هل تريدون رحيل الأسد؟ ومن سيخلفه بعد رحيله؟ وماذا سيحصل حينئذ؟ فكان الجواب دائماً: لا ندري! فإذا كنت لا تدري ماذا سيحدث بعد تنحية الأسد، فإننا سنكون حتماً أمام ليبيا جديدة أو أفغانستان جديدة.. فهل نريد ذلك؟ لا.. إذن فلنجلس ونتحدث، هذا ما سوف يجلب الشفافية والاستقرار».
وفي سياق آخر، قال بوتين: لقد تم اتهامنا بشتى التهم: التدخل في الانتخابات والهجمات السيبرانية وغيرها.. ولكن لم يستطيعوا ولو لمرة واحدة أن يقدموا دليلاً واحداً.. بل كانت مجرد ادعاءات بلا أساس.. بل إني متفاجئ بأننا لم نُتهم بأننا وراء الترويج لحركة «حياة السود مهمة»!
وحول أوكرانيا سئل بوتين عن أنباء من الاتحاد الأوروبي مفادها أن روسيا حشدت نحو مئة ألف جندي على حدود أوكرانيا، فهل هذا كان من أجل جذب اهتمام واشنطن؟
أجاب بوتين: أولاً أن أوكرانيا هي من تحشد الجنود والآليات إلى حدود منطقة الصراع الجنوبية الشرقية في إقليم دونباس. ثانياً لقد أجرينا تدريبات عسكرية ليس فقط ضمن حدودنا الجنوبية بل أيضاً في الشرق والشمال وفي القطب الشمالي. وفي نفس الوقت كانت الولايات المتحدة تجري تدريبات عسكرية في ألاسكا. هل تعرف أي شيء عنها؟ ربما لا! لكني أقول لك بأني أعرف. وكان هذا في تماس مباشر مع حدودنا! ولكن ماذا يحدث الآن في حدودنا الجنوبية؟ هناك لعبة بحجة الدفاع عن أوروبا: 40 ألف جندي، 15 ألف آلية عسكرية بعضها قد تم شحنها من الولايات المتحدة إلى حدودنا. هل تم شحن أي من آلياتنا العسكرية إلى حدود الولايات المتحدة؟ لا!
وفي مؤتمره الصحفي عقب لقاء القمة الذي دام ساعتين ونصف، ورداً على سؤال يشي بمدى تدهور العلاقات الثنائية، أجاب بوتين بأن الولايات المتحدة وعبر الكونغرس الأميركي قد أعلنت عام 2017 روسيا عدوة لها وبأنه يجب عليها أن تدعم المنظمات الديمقراطية والشخصيات المعارضة في روسيا، وهذه كما هو معلوم منظمات وشخصيات تقوم بتنفيذ مصالح الولايات المتحدة في روسيا.
وحول المعارض الروسي المعتقل، أليكسي نافالني، أجاب بوتين: هناك الكثير من الجرائم التي ترتكبها السلطات في أميركا ضد المدنيين. وفي أفغانستان تم استهداف حفلة عرس! كما تقوم المُسَيّرات والطوافات باستهداف المدنيين هناك. فمن هو القاتل؟ من المسؤول؟ إنهم يتكلمون عن حقوق الإنسان… انظر إلى غوانتانامو حيث لا يطبق القانون الأميركي ولا القانون الدولي هناك.. إضافة إلى السجون الأخرى التي أقامتها الولايات المتحدة حول العالم.. هل يتطابق هذا مع حقوق الإنسان؟ لا أظن ذلك!
ولدى سؤاله من مراسلة «أي بي سي» حول ادعاءات زج المعارضين في السجون وتصفيتهم، كان رد بوتين بشكل «ريباوند» بقوله: «الناس جاءوا إلى الكونغرس بعد الانتخابات… وتم مقاضاة 400 شخص مع أحكام يصل بعضها إلى 25 سنة، كما تمت تسميتهم بإرهابيين داخليين… ولا يزال هناك محتجزون… ولم يقم أحد في الولايات المتحدة بإطلاعنا على هذا الأمر.. ولقد تم قتل امرأة من المتظاهرين ولم يكن بحوزتها سلاح! في إشارة إلى امرأة قتلت على باب قاعة مجلس الشيوخ الأميركي خلال أحداث اقتحام الكابيتول في كانون الثاني (يناير) الماضي.
إذن ورغم إشاعة الفريقين لوجود أجواء إيجابية في القمة إلا إن إجراء مؤتمرين صحفيين منفصلين إضافة إلى بعض التصريحات غير الودودة من الرئيسين قد ينمّان عن وجود خلافات عميقة حول ملفات شائكة لا يبدو أنها في طريقها إلى الحل قريباً. وهذا سيفتح الباب للمزيد من التجاذبات الدولية التي قد تنعكس سلباً على الأوضاع الإقليمية في المنطقة العربية، وبالتالي ستوضع مشاريع حلول الأزمات المتفرقة على الرف بانتظار قمة أخرى، ربما بعد سنة أو سنتين إضافيتين من الكباش الروسي–الأميركي.
Leave a Reply