ليس من مصلحة أحد نقل عدوى الطائفية من لبنان الى الاغتراب
الجالية اللبنانية في ساحل العاج تسيطر على ٥٥ بالمئة من الاقتصاد
ديربورن – خاص “صدى الوطن”
على هامش زيارة خاصة يقوم بها الى مدينة ديربورن، التي يكن لها “محبة خاصة”، التقت “صدى الوطن” السفير اللبناني في ساحل العاج الدكتور علي عجمي في مكاتبها.
هذه الزيارة شكلت مناسبة لإعادة التواصل مع الجالية اللبنانية والعربية في منطقة ديترويت حيث خدم السفير عجمي قنصلا عاما للبنان فيها قبل تعيينه سفيرا لدى ساحل العاج. وكان هذا الحوار:
– بداية، سعادة السفير، ما هي طبيعة زيارتك إلى الولايات المتحدة، وتحديداً إلى ديربورن، وهل لمست تغييرات وتطورات في أوضاع الجالية اللبنانية في ميشيغن منذ مغادرتك إلى منصبك الجديد في السفارة اللبنانية في ساحل العاج؟
الغاية الأساسية من زيارتي يتعلق بشؤون عائلية، إذ أن جزءاً من عائلتي مايزال مقيما في ديربورن بغرض متابعة دراستهم.. وخلال هذا الأسبوع سيكون حفل زفاف ابني الأكبر. إضافة إلى ذلك.. أود القول أنه لدي جمهور وثروة كبيرة من المحبين تكاد لا تنضب، ومنذ وصولي منذ عشرة أيام لم أهدأ يوماً واحداً في تواصلي مع أبناء الجالية الذين كرموني في مناسبات عديدة.. بكل صدق لقد أحسست أنني زرعت فحصدت.
وأضيف.. لقد اشتغلت مع جاليات كثيرة خلال عملي القنصلي والدبلوماسي، ولكنني عندما أدخل إلى هذه الجالية أشعر وكأنني بين أهلي، لي والحمد لله علاقات جيدة أينما ذهبت ولكن في هذه الجالية بالتحديد فكل مكان أدخل اليه أشعر كأنني أدخل إلى بيتي.
– تصادف حضورك في ديربورن مع حادثة حصلت في القنصلية اللبنانية في ديترويت على خلفية تعيين أحد الموظفين، وكان من تداعياتها إصدار بيانات، وبيانات مضادة، ما موقفك من هذه الحادثة، وكيف تقيم الموضوع عموما؟
في البداية كنت أتمنى أن أبقى خارج هذا الملف، حتى لا يقال أنني جئت إلى أميركا بسبب هذا الموضوع كما سمعت من البعض، وكنت قد بلغت كلامي للجميع بمن فيهم الزميل القنصل بشير طوق.. إنه من المؤسف أن تصل المسائل إلى هذه الدرجة، ومن المؤسف أن توزع تهم بهذا المستوى من الدونية.. أن تتهم جالية بأكلمها بأنها جالية طائفية.. هذا أمر مؤسف. وأقول لمن أصدر البيان هذا الأمر يخصهم.. لكن أن تدخل جالية بكاملها في حسابات ضيقة فهذا غير مقبول.
وأؤكد أن تعيين موظف أو عدم تعيينه هو شأن إداري بحت وينبغي أن يبقى هذا الملف ضمن الإطار الاداري البحت. تردد الكثير من الآراء.. فيما اذا كان يحق للقنصل بالوكالة تعيين موظف أم لا، وهذا أيضا جدال آخر لا يحل إلا عبر الأطر الادارية ومن الخطأ الجسيم طرح هذه المشكلة وإعطاؤها هذا البعد السياسي وهذا البعد الطائفي الذي ليس له أي معنى..
– هذا جواب دبلوماسي، لو كنت ماتزال موجوداً في القنصلية كيف كنت ستحل المشكلة؟
أتذكر في لقائي مع الزميل القنصل بشير طوق، قلت له.. لو كنت مكانك كان يفترض منذ البداية، منذ لحظة صدور البيان الأول كنت دعوت جميع الهيئات والمؤسسات وفعاليات الجالية الى اجتماع وقلت جملتين فقط: هذا البيان لا يعبر عن رأيي الشخصي ولا يعبر عن رأي القنصلية. كنا نزعنا هذا الفتيل المتفجر منذ البداية، ولكن جرت الأمور بهذا الشكل، وأتمنى أن يتم تداركها بسرعة لأنه ليس من مصلحة أحد أن تتخذ المسائل هذا البعد. ليس لمصلحة أحد أن ننقل عدوى الطائفية من لبنان إلى المغتربات..
– خلال عملك في قنصلية ديترويت والذي استمر طيلة 3 سنوات و4 أشهر ووقتها كانت المرحلة حرجة ومحتدمة سياسياً.. هل مررت بمثل هذه الأزمة وكيف احتويتها؟
لقد مرت علي تجارب أخطر، وما زلت أذكر أنني في إحدى المرات كنت أشارك في احتفال تأبين الشهيد جبران تويني في كنيسة سانت شربل المارونية في مدينة وورن في ميشيغن، وأثناء إلقاء الكلمة تصدى لي بعض الحاضرين ودخلوا في جوانب ليس من اللائق الدخول فيها، خاصة وأن من يتكلم هو ممثل لرئيس الجمهورية أو ممثل الدولة، ورغم ذلك تم احتواء الموقف.
هذه الخلفيات لا تعنيني وكنت أقول ذلك على المنابر، ولم تبق كنيسة أو جامع أو حسينية لم أزرها، وعندما اتصل بي راعي الكنيسة للاعتذار عما حدث، قلت له: يا أبونا.. هذه الكنيسة بيتي وسأواظب على الدخول اليها بالرغم من كل الذي جرى.
– عينت سفيرا للبنان في ساحل العاج منذ 2 سنتين و7 أشهر، على المستوى الوظيفي ما هو الفرق بين مسؤوليات القنصل العام والسفير، هل من مسؤوليات اضافية؟
هنالك اختلاف كبير بالطبع. فالقنصلية هي عملياً التعاطي مع شؤون الجاليات وانجاز معاملات جوازات السفر وتسجيل الولادات والزيجات والطلاقات وغيرها، وعمل القنصليات محصور في انجاز المعاملات القنصلية، أما السفارة فبالإضافة الى الشأن القنصلي يأتي الجانب الأهم وهو العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين لبنان والدولة المضيفة، وهي دولة ساحل العاج في حالتنا، وهذا يكلف السفير أعباء إضافية من خلال علاقته مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والسلطة التنفيذية ومجلس النواب والسفارات الأجنبية ومجلس السفراء العرب.. التمثيل الدبلوماسي أعمق وأوسع من حجم التمثيل القنصلي بطبيعة الحال..
– من خلال عملك كقنصل سابق وسفير حالي، ما الفرق بين الجاليتين اللبنانيتين في ولاية ميشيغن ودولة ساحل العاج؟
توجد فروقات جوهرية بين الحالتين، أولا لناحية المكان يوجد بون شاسع بين الولايات المتحدة ودولة ساحل العاج، وكذلك يوجد فرق كبير من حيث طبيعة الجاليات نفسها. فالجالية اللبنانية في ساحل العاج هي جالية كبيرة جدا يبلغ عددها قرابة 100 ألف يتواجد معظمهم في أبيدجان العاصمة الاقتصادية، والميزة الإضافية في هذه الجالية أن غالبيتهم العظمى من أبناء الجنوب اللبناني بنسبة حوالي 90 بالمئة. وجاليتنا هناك جميلة جداً ومتعبة جدا.. ودعني أوضح.. صحيح أن قنصلية ديترويت تغطي مساحة كبيرة جدا تشمل 14 ولاية، وصحيح أن الجالية التي تغطيها قنصلية ديترويت تخدم مئات الاف اللبنانيين، ولكن المغتربين في ساحل العاج يتواصلون مع لبنان بشكل أكبر، إذ أن الواحد منهم يزور لبنان 4 أو 5 مرات في السنة على الأقل، بينما أبناء الجالية اللبنانية في أميركا يزورون لبنان مرة كل 3 أو 4 سنوات في المتوسط، وهذا برأيي يقود الى تعريفين: من هو المغترب ومن هو المهاجر. اللبنانيون في أميركا واستراليا وكندا والبرازيل هم مهاجرون، واللبنانيون في ساحل العاج مثلا هم مغتربون لأنهم يسافرون عدة مرات الى لبنان خلال العام، وقد يكون هذا عائدا الى طبيعة البلد، فالحياة في غرب أفريقيا صعبة للغاية من حيث المناخ والعادات والتقاليد والثقافة العامة.. وبالتالي فإن الهاجس الأول والأخير للمغتربين اللبنانيين هو العمل. العمل ولا شيء غير العمل.. وبالتالي ينقص الجالية الكثير من النشاط الثقافي والاجتماعي والسياسي على عكس الجالية هنا..
– فهمت من كلامك أن الظروف الموضوعية تعيق نشاط الجالية في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية بعكس الحال هنا حيث الجالية ناشطة وقد حققت حضوراً مشهودا، هل قمتم من خلال موقعكم بأية مبادرات بهذا الخصوص وماذا كانت النتائج؟
النشاطات قليلة جداً، وعموما يوجد عدد من المؤسسات اللبنانية تحاول القيام بنشاطات اجتماعية، دينية في الغالب، وبخصوص النشاطات الثقافية قمت ومنذ وصولي بإنشاء لجنة ثقافية تابعة للسفارة، وتم التحضير لعدة محاضرات وأمسيات شعرية، ولكن تلك المحاولات كانت كمن يرمي حجرا في مستنقع راكد..
– شهدت الفترة الأخيرة بعض حالات التضييق على بعض المهاجرين والمغتربين اللبنانيين في بعض دول أفريقيا، وعندكم في ساحل العاج تم إبعاد إمام الجالية عبدالمنعم قبيسي، ما حيثيات هذه القضية وكيف تعاملت السفارة معها، وكيف كانت ردود ومواقف الجالية اللبنانية من هذه القضية؟
عندما يصدر قرار سيادي من دولة بإبعاد شخص فهذا من حق تلك الدولة، وليس لنا كسفارة إلا أن نستعلم من أصحاب الشأن. وقد أبلغني وزير الداخلية العاجي حرفيا أن هناك مسألة أمنية وأخبرني أنه يوجد طلب رسمي من إحدى الدول ولا داعي لذكرها مع ان الجميع يعرف من هي، وكانت السلطات في تلك الدولة أصدرت بيانا في شهر نيسان العام 2009 حيث اتهمت وزارة الخزانة فيها شخصين لبنانيين يقيمان في ساحل العاج هما الشيخ عبدالمنعم قبيسي وقاسم تاج الدين بتمويل منظمات ارهابية. وعلى أثرها تمت عملية ابعاد الشيخ قبيسي الذي كان في إجازة في لبنان، والذي تمت إعادته من المطار ولم تسمح له السلطات العاجية بالدخول. وأخبرني وزير الداخلية العاجي بحضور 50 رجل أعمال لبناني بتلقي طلب رسمي من تلك الدولة بتسليمها إياه، ولكن السلطات العاجية فضلت إبعاده فقط وعدم تسليمه..
وفي تداعيات هذه الحادثة أحست الجالية اللبنانية بأنها طعنت، خاصة وأننا نتحدث عن رمز ديني، وقد دعوت الى اجتماعات مع مسؤولي الجالية، مسلمين ومسيحيين، وأبلغتهم أنه ليس من مصلحتنا أن نقوم بأية تحركات تصعيدية لأن الهدف من هذه اللعبة قد يكون إدخال الجالية في صراع مع السلطات العاجية.
وبالمناسبة فإن الجالية اللبنانية في ساحل العاج هي من أقوى الجاليات، خاصة بعد المشاكل التي حدثت بين الجيش الفرنسي والجيش العاجي في العام 2004، والتي على أثرها رحلت الجالية الفرنسية ولكن اللبنانيين آثروا البقاء واشتروا مصالح الفرنسيين، وحين قدمت أوراق اعتمادي لرئيس الجمهورية قال لي: لن ننسى أبدا أن الجالية لم ترحل وقت الشدة.. كلهم رحلوا ما عدا اللبنانيين، واللبنانيون اليوم يسيطرون على حوالي 55 بالمئة من اقتصاد البلد، في الصناعة والتجارة وحركة البناء والمصالح الخاصة الأخرى من مستشفيات ومكاتب هندسية وعيادات وغيرها..
– إذن يوجد ترحيب حكومي بالجالية اللبنانية ولكن يبدو أنه يوجد الكثير من التوتر والاحتكاك بين الجالية والسكان الأصليين يتمثل ربما بعدم القبول أو بالاستعداء الذي يقود الى مشاكل ومشاحنات وأحيانا أحداث شغب..
صحيح ودعني أدخل الى من هذا الموضوع الى نقطة ضرورية جدا، وهي حجم التعبئة التي تمارسها قوى الصهيونية العالمية وهو كبير جدا في كل افريقيا الغربية.. نعم يوجد تعبئة ضد اللبنانيين ويوجد حالات تحريض ولهذا السبب عندما توجد أية مشكلة بين لبناني ومواطن افريقي يبدأ المشاغبون بمهاجمة متاجر اللبنانيين وتكسيرها بقصد السرقة، وبرأيي يوجد سبب مباشر وراء ذلك التحريض.. ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد سلوكيات سيئة من قبل بعض اللبنانيين، وأقول بصراحة البعض عنده سلوك غير سوي وغير مقبول يؤدي بشكل أو بآخر إلى اثارة حفيظة الافريقيين وكراهيتهم، ولا أعرف لماذا نحن نسعى دوما الى ابراز واظهار عناصر قوتنا وجاهنا وثرائنا.. سابقا كان الافريقي مغمض العينين، الآن اختلف الوضع.. هم يرون كيف تتغير أحوال المهاجرين الذي يأتون فقراء ثم تظهر عليهم علامات الثراء بسرعة، وصار لدى الافريقيين احساس أن ثروات اللبنانيين هي جزء من حقوقهم وثرواتهم.. وأنا أنبه في كل الاجتماعات الى ضرورة أخذ هذه المسائل بعين الاعتبار، لجهة عدم استفزاز الافريقيين خاصة وأن السكان الأصليين يعيشون في أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية.. نعم معك حق.. صار تعرض الجالية إلى هجومات ومشاكل أمرا شبه مألوف..
– من موقعك كسفير، هل حاولت القيام بمبادرة من أجل جسر الهوة وتنقية الأجواء بين الجالية والسكان الأصليين، للالتفاف على عمليات التعبئة والتحريض التي تحدثت عنها؟
بكل تأكيد، لقد حاولت منذ وصولي العمل على خطين متوازيين، الأول مع السلطات الرسمية في البلد.. تصور أن لبنان كان أول دولة عربية تفتتح سفارة في ساحل العاج، وكان ذلك بعد الاستقلال، وحتى عندما كان لبنان تحت الانتداب كانت له قنصلية فخرية في ساحل العاج، ولكن مع ذلك لا توجد أية اتفاقيات موقعة بين البلدين حتى الآن ما عدا اتفاقية يتيمة وقعت من اجل وصول طيران الشرق الأوسط الى أبيدجان. لقد اشتغلت على هذه المسألة من منطلق مصالح المواطنين في كلا البلدين.. ومن خلال العمل على توقيع اتفاقيات بين البلدين. وعلى صعيد الزيارات الرسمية لم يكن وعلى امتداد الـ 50 سنة الماضية أية زيارة رسمية لمسؤول عاجي على المستوى الرسمي الى لبنان، وقد أمنت زيارة رسمية لوزير الخارجية الى لبنان وكانت أول زيارة من نوعها بهدف بناء علاقات ثقة بين البلدين.
أما على صعيد المؤسسات اللبنانية وهذا ما اعتبر أنني نجحت في اطلاقه من خلال دعم المؤسسات والعمل على التواصل بين اللبنانيين والعاجيين من خلال اقامة نشاطات مشتركة ولكن اقول لك بصراحة ان المهمة ليست سهلة في ظل حالة التحريض والتعبئة التي تتبعها السفارة الاسرائيلية وقوى الصهيونية بشكل عام. الأمر ليس سهلا ولكن علينا ألا نتوقف عن السعي، لأنه توجد مصالح مشتركة، وعلى فكرة فإن استهداف الجالية اللبنانية في افريقيا الغربية ليس عبثا، فاسرائيل حاولت ضرب المقاومة في الجنوب عسكريا فلم تستطع، وحاولت الاطاحة بها سياسيا عبر قرارات دولية ولم تتمكن من ذلك، والآن تحاول ضرب المصالح اللبنانية في الخارج..
– كي لا نبقى في الاطار العمومي، هل من برامج أو خطط لدى السفارة أو لدى المؤسسات اللبنانية، لتغيير الواقع على الأرض، أو لتحسينه، أو لاحتواء المشاكل وتذليل الصعوبات؟
من خلال تواصلي وعلاقتي الطيبة مع جميع المؤسسات، واللقاءات والحوارات في الأزمات، توجد الآن مسألة بالغة أعمل عليها بالتعاون مع تلك المؤسسات، الا وهي إنشاء غرفة صناعة وتجارة..
– ما الهدف منها، وأية آمال تعقدون عليها؟
كما قلت سابقا فإن الجالية اللبنانية تسيطر على حوالي 55 بالمئة من الاقتصاد العاجي وفي مختلف المجالات، وعدد المؤسسات التجارية والصناعية اللبنانية يفوق الـ 10 آلاف مؤسسة، واستطردا.. ليس هناك أكثر من 50 مؤسسة اسرائيلية ومع ذلك هم لديهم غرفة تجارة وصناعة. نحن نعمل على انجاز هذا المشروع وصرنا في المراحل النهائية..
– هل من إضافة في نهاية هذا الحوار؟
أوجه تحية لـ”صدى الوطن” ولناشرها الصديق أسامة السبلاني، وبالمناسبة حاولت جاهدا أن نصنع مطبوعة لبنانية على شاكلة “صدى الوطن” في ساحل العاج، بحيث تغطي أخبار الجالية، ولكن للأسف مازال الهم الثقافي والاعلامي ثانويا في جالية ساحل العاج. كما أوجه تحية كبيرة للجالية في ميشيغن للحفاوة التي استقبلتني بها.. هذا لم أكن أحلم به، فشكرا لهم جميعا.
:
– بداية، سعادة السفير، ما هي طبيعة زيارتك إلى الولايات المتحدة، وتحديداً إلى ديربورن، وهل لمست تغييرات وتطورات في أوضاع الجالية اللبنانية في ميشيغن منذ مغادرتك إلى منصبك الجديد في السفارة اللبنانية في ساحل العاج؟
الغاية الأساسية من زيارتي يتعلق بشؤون عائلية، إذ أن جزءاً من عائلتي مايزال مقيما في ديربورن بغرض متابعة دراستهم.. وخلال هذا الأسبوع سيكون حفل زفاف ابني الأكبر. إضافة إلى ذلك.. أود القول أنه لدي جمهور وثروة كبيرة من المحبين تكاد لا تنضب، ومنذ وصولي منذ عشرة أيام لم أهدأ يوماً واحداً في تواصلي مع أبناء الجالية الذين كرموني في مناسبات عديدة.. بكل صدق لقد أحسست أنني زرعت فحصدت.
وأضيف.. لقد اشتغلت مع جاليات كثيرة خلال عملي القنصلي والدبلوماسي، ولكنني عندما أدخل إلى هذه الجالية أشعر وكأنني بين أهلي، لي والحمد لله علاقات جيدة أينما ذهبت ولكن في هذه الجالية بالتحديد فكل مكان أدخل اليه أشعر كأنني أدخل إلى بيتي.
– تصادف حضورك في ديربورن مع حادثة حصلت في القنصلية اللبنانية في ديترويت على خلفية تعيين أحد الموظفين، وكان من تداعياتها إصدار بيانات، وبيانات مضادة، ما موقفك من هذه الحادثة، وكيف تقيم الموضوع عموما؟
في البداية كنت أتمنى أن أبقى خارج هذا الملف، حتى لا يقال أنني جئت إلى أميركا بسبب هذا الموضوع كما سمعت من البعض، وكنت قد بلغت كلامي للجميع بمن فيهم الزميل القنصل بشير طوق.. إنه من المؤسف أن تصل المسائل إلى هذه الدرجة، ومن المؤسف أن توزع تهم بهذا المستوى من الدونية.. أن تتهم جالية بأكلمها بأنها جالية طائفية.. هذا أمر مؤسف. وأقول لمن أصدر البيان هذا الأمر يخصهم.. لكن أن تدخل جالية بكاملها في حسابات ضيقة فهذا غير مقبول.
وأؤكد أن تعيين موظف أو عدم تعيينه هو شأن إداري بحت وينبغي أن يبقى هذا الملف ضمن الإطار الاداري البحت. تردد الكثير من الآراء.. فيما اذا كان يحق للقنصل بالوكالة تعيين موظف أم لا، وهذا أيضا جدال آخر لا يحل إلا عبر الأطر الادارية ومن الخطأ الجسيم طرح هذه المشكلة وإعطاؤها هذا البعد السياسي وهذا البعد الطائفي الذي ليس له أي معنى..
– هذا جواب دبلوماسي، لو كنت ماتزال موجوداً في القنصلية كيف كنت ستحل المشكلة؟
أتذكر في لقائي مع الزميل القنصل بشير طوق، قلت له.. لو كنت مكانك كان يفترض منذ البداية، منذ لحظة صدور البيان الأول كنت دعوت جميع الهيئات والمؤسسات وفعاليات الجالية الى اجتماع وقلت جملتين فقط: هذا البيان لا يعبر عن رأيي الشخصي ولا يعبر عن رأي القنصلية. كنا نزعنا هذا الفتيل المتفجر منذ البداية، ولكن جرت الأمور بهذا الشكل، وأتمنى أن يتم تداركها بسرعة لأنه ليس من مصلحة أحد أن تتخذ المسائل هذا البعد. ليس لمصلحة أحد أن ننقل عدوى الطائفية من لبنان إلى المغتربات..
– خلال عملك في قنصلية ديترويت والذي استمر طيلة 3 سنوات و4 أشهر ووقتها كانت المرحلة حرجة ومحتدمة سياسياً.. هل مررت بمثل هذه الأزمة وكيف احتويتها؟
لقد مرت علي تجارب أخطر، وما زلت أذكر أنني في إحدى المرات كنت أشارك في احتفال تأبين الشهيد جبران تويني في كنيسة سانت شربل المارونية في مدينة وورن في ميشيغن، وأثناء إلقاء الكلمة تصدى لي بعض الحاضرين ودخلوا في جوانب ليس من اللائق الدخول فيها، خاصة وأن من يتكلم هو ممثل لرئيس الجمهورية أو ممثل الدولة، ورغم ذلك تم احتواء الموقف.
هذه الخلفيات لا تعنيني وكنت أقول ذلك على المنابر، ولم تبق كنيسة أو جامع أو حسينية لم أزرها، وعندما اتصل بي راعي الكنيسة للاعتذار عما حدث، قلت له: يا أبونا.. هذه الكنيسة بيتي وسأواظب على الدخول اليها بالرغم من كل الذي جرى.
– عينت سفيرا للبنان في ساحل العاج منذ 2 سنتين و7 أشهر، على المستوى الوظيفي ما هو الفرق بين مسؤوليات القنصل العام والسفير، هل من مسؤوليات اضافية؟
هنالك اختلاف كبير بالطبع. فالقنصلية هي عملياً التعاطي مع شؤون الجاليات وانجاز معاملات جوازات السفر وتسجيل الولادات والزيجات والطلاقات وغيرها، وعمل القنصليات محصور في انجاز المعاملات القنصلية، أما السفارة فبالإضافة الى الشأن القنصلي يأتي الجانب الأهم وهو العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين لبنان والدولة المضيفة، وهي دولة ساحل العاج في حالتنا، وهذا يكلف السفير أعباء إضافية من خلال علاقته مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والسلطة التنفيذية ومجلس النواب والسفارات الأجنبية ومجلس السفراء العرب.. التمثيل الدبلوماسي أعمق وأوسع من حجم التمثيل القنصلي بطبيعة الحال..
– من خلال عملك كقنصل سابق وسفير حالي، ما الفرق بين الجاليتين اللبنانيتين في ولاية ميشيغن ودولة ساحل العاج؟
توجد فروقات جوهرية بين الحالتين، أولا لناحية المكان يوجد بون شاسع بين الولايات المتحدة ودولة ساحل العاج، وكذلك يوجد فرق كبير من حيث طبيعة الجاليات نفسها. فالجالية اللبنانية في ساحل العاج هي جالية كبيرة جدا يبلغ عددها قرابة 100 ألف يتواجد معظمهم في أبيدجان العاصمة الاقتصادية، والميزة الإضافية في هذه الجالية أن غالبيتهم العظمى من أبناء الجنوب اللبناني بنسبة حوالي 90 بالمئة. وجاليتنا هناك جميلة جداً ومتعبة جدا.. ودعني أوضح.. صحيح أن قنصلية ديترويت تغطي مساحة كبيرة جدا تشمل 14 ولاية، وصحيح أن الجالية التي تغطيها قنصلية ديترويت تخدم مئات الاف اللبنانيين، ولكن المغتربين في ساحل العاج يتواصلون مع لبنان بشكل أكبر، إذ أن الواحد منهم يزور لبنان 4 أو 5 مرات في السنة على الأقل، بينما أبناء الجالية اللبنانية في أميركا يزورون لبنان مرة كل 3 أو 4 سنوات في المتوسط، وهذا برأيي يقود الى تعريفين: من هو المغترب ومن هو المهاجر. اللبنانيون في أميركا واستراليا وكندا والبرازيل هم مهاجرون، واللبنانيون في ساحل العاج مثلا هم مغتربون لأنهم يسافرون عدة مرات الى لبنان خلال العام، وقد يكون هذا عائدا الى طبيعة البلد، فالحياة في غرب أفريقيا صعبة للغاية من حيث المناخ والعادات والتقاليد والثقافة العامة.. وبالتالي فإن الهاجس الأول والأخير للمغتربين اللبنانيين هو العمل. العمل ولا شيء غير العمل.. وبالتالي ينقص الجالية الكثير من النشاط الثقافي والاجتماعي والسياسي على عكس الجالية هنا..
– فهمت من كلامك أن الظروف الموضوعية تعيق نشاط الجالية في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية بعكس الحال هنا حيث الجالية ناشطة وقد حققت حضوراً مشهودا، هل قمتم من خلال موقعكم بأية مبادرات بهذا الخصوص وماذا كانت النتائج؟
النشاطات قليلة جداً، وعموما يوجد عدد من المؤسسات اللبنانية تحاول القيام بنشاطات اجتماعية، دينية في الغالب، وبخصوص النشاطات الثقافية قمت ومنذ وصولي بإنشاء لجنة ثقافية تابعة للسفارة، وتم التحضير لعدة محاضرات وأمسيات شعرية، ولكن تلك المحاولات كانت كمن يرمي حجرا في مستنقع راكد..
– شهدت الفترة الأخيرة بعض حالات التضييق على بعض المهاجرين والمغتربين اللبنانيين في بعض دول أفريقيا، وعندكم في ساحل العاج تم إبعاد إمام الجالية عبدالمنعم قبيسي، ما حيثيات هذه القضية وكيف تعاملت السفارة معها، وكيف كانت ردود ومواقف الجالية اللبنانية من هذه القضية؟
عندما يصدر قرار سيادي من دولة بإبعاد شخص فهذا من حق تلك الدولة، وليس لنا كسفارة إلا أن نستعلم من أصحاب الشأن. وقد أبلغني وزير الداخلية العاجي حرفيا أن هناك مسألة أمنية وأخبرني أنه يوجد طلب رسمي من إحدى الدول ولا داعي لذكرها مع ان الجميع يعرف من هي، وكانت السلطات في تلك الدولة أصدرت بيانا في شهر نيسان العام 2009 حيث اتهمت وزارة الخزانة فيها شخصين لبنانيين يقيمان في ساحل العاج هما الشيخ عبدالمنعم قبيسي وقاسم تاج الدين بتمويل منظمات ارهابية. وعلى أثرها تمت عملية ابعاد الشيخ قبيسي الذي كان في إجازة في لبنان، والذي تمت إعادته من المطار ولم تسمح له السلطات العاجية بالدخول. وأخبرني وزير الداخلية العاجي بحضور 50 رجل أعمال لبناني بتلقي طلب رسمي من تلك الدولة بتسليمها إياه، ولكن السلطات العاجية فضلت إبعاده فقط وعدم تسليمه..
وفي تداعيات هذه الحادثة أحست الجالية اللبنانية بأنها طعنت، خاصة وأننا نتحدث عن رمز ديني، وقد دعوت الى اجتماعات مع مسؤولي الجالية، مسلمين ومسيحيين، وأبلغتهم أنه ليس من مصلحتنا أن نقوم بأية تحركات تصعيدية لأن الهدف من هذه اللعبة قد يكون إدخال الجالية في صراع مع السلطات العاجية.
وبالمناسبة فإن الجالية اللبنانية في ساحل العاج هي من أقوى الجاليات، خاصة بعد المشاكل التي حدثت بين الجيش الفرنسي والجيش العاجي في العام 2004، والتي على أثرها رحلت الجالية الفرنسية ولكن اللبنانيين آثروا البقاء واشتروا مصالح الفرنسيين، وحين قدمت أوراق اعتمادي لرئيس الجمهورية قال لي: لن ننسى أبدا أن الجالية لم ترحل وقت الشدة.. كلهم رحلوا ما عدا اللبنانيين، واللبنانيون اليوم يسيطرون على حوالي 55 بالمئة من اقتصاد البلد، في الصناعة والتجارة وحركة البناء والمصالح الخاصة الأخرى من مستشفيات ومكاتب هندسية وعيادات وغيرها..
– إذن يوجد ترحيب حكومي بالجالية اللبنانية ولكن يبدو أنه يوجد الكثير من التوتر والاحتكاك بين الجالية والسكان الأصليين يتمثل ربما بعدم القبول أو بالاستعداء الذي يقود الى مشاكل ومشاحنات وأحيانا أحداث شغب..
صحيح ودعني أدخل الى من هذا الموضوع الى نقطة ضرورية جدا، وهي حجم التعبئة التي تمارسها قوى الصهيونية العالمية وهو كبير جدا في كل افريقيا الغربية.. نعم يوجد تعبئة ضد اللبنانيين ويوجد حالات تحريض ولهذا السبب عندما توجد أية مشكلة بين لبناني ومواطن افريقي يبدأ المشاغبون بمهاجمة متاجر اللبنانيين وتكسيرها بقصد السرقة، وبرأيي يوجد سبب مباشر وراء ذلك التحريض.. ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد سلوكيات سيئة من قبل بعض اللبنانيين، وأقول بصراحة البعض عنده سلوك غير سوي وغير مقبول يؤدي بشكل أو بآخر إلى اثارة حفيظة الافريقيين وكراهيتهم، ولا أعرف لماذا نحن نسعى دوما الى ابراز واظهار عناصر قوتنا وجاهنا وثرائنا.. سابقا كان الافريقي مغمض العينين، الآن اختلف الوضع.. هم يرون كيف تتغير أحوال المهاجرين الذي يأتون فقراء ثم تظهر عليهم علامات الثراء بسرعة، وصار لدى الافريقيين احساس أن ثروات اللبنانيين هي جزء من حقوقهم وثرواتهم.. وأنا أنبه في كل الاجتماعات الى ضرورة أخذ هذه المسائل بعين الاعتبار، لجهة عدم استفزاز الافريقيين خاصة وأن السكان الأصليين يعيشون في أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية.. نعم معك حق.. صار تعرض الجالية إلى هجومات ومشاكل أمرا شبه مألوف..
– من موقعك كسفير، هل حاولت القيام بمبادرة من أجل جسر الهوة وتنقية الأجواء بين الجالية والسكان الأصليين، للالتفاف على عمليات التعبئة والتحريض التي تحدثت عنها؟
بكل تأكيد، لقد حاولت منذ وصولي العمل على خطين متوازيين، الأول مع السلطات الرسمية في البلد.. تصور أن لبنان كان أول دولة عربية تفتتح سفارة في ساحل العاج، وكان ذلك بعد الاستقلال، وحتى عندما كان لبنان تحت الانتداب كانت له قنصلية فخرية في ساحل العاج، ولكن مع ذلك لا توجد أية اتفاقيات موقعة بين البلدين حتى الآن ما عدا اتفاقية يتيمة وقعت من اجل وصول طيران الشرق الأوسط الى أبيدجان. لقد اشتغلت على هذه المسألة من منطلق مصالح المواطنين في كلا البلدين.. ومن خلال العمل على توقيع اتفاقيات بين البلدين. وعلى صعيد الزيارات الرسمية لم يكن وعلى امتداد الـ 50 سنة الماضية أية زيارة رسمية لمسؤول عاجي على المستوى الرسمي الى لبنان، وقد أمنت زيارة رسمية لوزير الخارجية الى لبنان وكانت أول زيارة من نوعها بهدف بناء علاقات ثقة بين البلدين.
أما على صعيد المؤسسات اللبنانية وهذا ما اعتبر أنني نجحت في اطلاقه من خلال دعم المؤسسات والعمل على التواصل بين اللبنانيين والعاجيين من خلال اقامة نشاطات مشتركة ولكن اقول لك بصراحة ان المهمة ليست سهلة في ظل حالة التحريض والتعبئة التي تتبعها السفارة الاسرائيلية وقوى الصهيونية بشكل عام. الأمر ليس سهلا ولكن علينا ألا نتوقف عن السعي، لأنه توجد مصالح مشتركة، وعلى فكرة فإن استهداف الجالية اللبنانية في افريقيا الغربية ليس عبثا، فاسرائيل حاولت ضرب المقاومة في الجنوب عسكريا فلم تستطع، وحاولت الاطاحة بها سياسيا عبر قرارات دولية ولم تتمكن من ذلك، والآن تحاول ضرب المصالح اللبنانية في الخارج..
– كي لا نبقى في الاطار العمومي، هل من برامج أو خطط لدى السفارة أو لدى المؤسسات اللبنانية، لتغيير الواقع على الأرض، أو لتحسينه، أو لاحتواء المشاكل وتذليل الصعوبات؟
من خلال تواصلي وعلاقتي الطيبة مع جميع المؤسسات، واللقاءات والحوارات في الأزمات، توجد الآن مسألة بالغة أعمل عليها بالتعاون مع تلك المؤسسات، الا وهي إنشاء غرفة صناعة وتجارة..
– ما الهدف منها، وأية آمال تعقدون عليها؟
كما قلت سابقا فإن الجالية اللبنانية تسيطر على حوالي 55 بالمئة من الاقتصاد العاجي وفي مختلف المجالات، وعدد المؤسسات التجارية والصناعية اللبنانية يفوق الـ 10 آلاف مؤسسة، واستطردا.. ليس هناك أكثر من 50 مؤسسة اسرائيلية ومع ذلك هم لديهم غرفة تجارة وصناعة. نحن نعمل على انجاز هذا المشروع وصرنا في المراحل النهائية..
– هل من إضافة في نهاية هذا الحوار؟
أوجه تحية لـ”صدى الوطن” ولناشرها الصديق أسامة السبلاني، وبالمناسبة حاولت جاهدا أن نصنع مطبوعة لبنانية على شاكلة “صدى الوطن” في ساحل العاج، بحيث تغطي أخبار الجالية، ولكن للأسف مازال الهم الثقافي والاعلامي ثانويا في جالية ساحل العاج. كما أوجه تحية كبيرة للجالية في ميشيغن للحفاوة التي استقبلتني بها.. هذا لم أكن أحلم به، فشكرا لهم جميعا.
Leave a Reply