نيويورك
في خطوة حثيثة لمواجهة أعلى معدلات للتضخم تسجلها الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، أعلن الاحتياطي الفدرالي الأميركي، الأربعاء الماضي، رفع نسب الفائدة بنصف نقطة مئوية.
وهذه المرة الأولى التي يلجأ الاحتياطي الفدرالي لمثل هذه الزيادة منذ عام 2000، بعد أن كان قد رفع سعر الفائدة ربع نقطة مئوية في آذار (مارس) الماضي.
وبحسب الخبراء يتمثل التحدي أمام الاحتياطي الفدرالي بمعادلة صعبة جداً تتمثل بإبطاء الاقتصاد لمواجهة التضخم من دون الدخول في ركود اقتصادي.
وأكد رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، الأربعاء الماضي، أن الاقتصاد الأميركي لا يزال قوياً رغم تباطؤ النمو، الذي أكد أنه لا يطرح أي مخاطر ركود حالياً.
وقال باول: «هناك تداعيات على الاقتصاد العالمي بسبب حرب أوكرانيا»، مضيفاً أن «التضخم يؤثر علينا ونحن نعمل على إعادة الأسعار إلى مستوياتها».
وأكد أن «بلورة سياسات مالية سليمة في هذه الظروف لن تكون سهلة»، لكنه أشار إلى أن «هناك تحسناً في سوق العمل وخلق الوظائف».
وأشار باول في مؤتمر صحفي إلى أن الاقتصاد الأميركي قوي جداً وقادر على التعامل مع التحديات المالية.
وتشهد الولايات المتحدة ارتفاعا مستمراً للأسعار. ومؤخراً عدّلت اللجنة النقدية في الاحتياطي الفدرالي آفاقها الاقتصادية ورفعت بشكل كبير توقعاتها المتعلقة بالتضخم.
وبات التحرك ضرورة ملحّة، فيما يسجل التضخم أعلى مستوياته منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
ويعتبر رفع الفائدة من الأدوات المتاحة للاحتياطي الفدرالي الأكثر فاعلية لضبط الطلب، وبالتالي إبطاء وتيرة التضخم. وقد أعلن باول أن هناك «زيادة (أخرى) في سعر الفائدة قد تعلن خلال الاجتماعات المقبلة».
وفي مارس الماضي أشار الاحتياطي الفدرالي إلى رغبته في إقرار ست زيادات أخرى هذا العام، خلال ستة اجتماعات بحلول نهاية العام 2022.
وحتى الآن، ما زال مسؤولو الاحتياطي الفدرالي يعتقدون أن بإمكانهم إعادة التضخم إلى هدفهم البالغ 2 بالمئة، مشيرين إلى أنهم لن يحتاجوا إلى رفع أسعار الفائدة إلى أكثر من 3 بالمئة، كي لا يؤدي ذلك إلى عرقلة الطلب.
واستمر التضخم في الارتفاع في الولايات المتحدة، وتفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا ليصل في مارس المنصرم إلى ذروة غير مسبوقة منذ كانون الأول (ديسمبر) 1981 مسجلاً 8.5 بالمئة، خلال عام واحد.
ووفق تقرير نشرته وكالة «فرانس برس»، بالإضافة إلى رفع أسعار الفائدة الرئيسية، أعلن الاحتياطي الفدرالي أنه سيبدأ خفض سياسة شراء الأصول اعتباراً من الأول من حزيران (يونيو) القادم.
وذلك يعني أن الاحتياطي الفدرالي لن يعيد شراء الأوراق المالية وسيسمح للسندات بأن تصبح مستحقة، ما سيؤدي إلى خفض تلقائي للحساب الختامي السنوي.
وفي موضوع تراجع نمو الاقتصاد الأميركي خلال الربع الأول من العام الجاري، قال باول، الأربعاء الماضي، «إنه اقتصاد قوي. جداً وقادر على التعامل مع التحديات المالية» لافتاً إلى أن «لا شيء يوحي بأنه قريب أو معرض للركود».
وأوضح البنك الفدرالي في بيان أن «النشاط الاقتصادي العام انخفض بشكل طفيف في الربع الأول» في الولايات المتحدة. وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 1.4 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأولى من 2022.
لكنه اعتبر أيضاً أن «إنفاق الأسر والاستثمار الثابت في الأعمال التجارية بقيا مرتفعين»، مشيراً إلى أن «استحداث فرص عمل جديدة كان متيناً في الأشهر الأخيرة كما أن معدل البطالة انخفض بشكل كبير».
وقدر باول أن سوق العمل كانت في مستوى «غير سليم»، إذ اقترب معدل البطالة من مستواه قبل الجائحة عند 3.6 بالمئة في مارس الماضي، لكن الشركات تواجه منذ أشهر نقصاً في اليد العاملة واستقالات جماعية شهرياً. ولجذب مرشحين للعمل والاحتفاظ بالموظفين، تزيد الشركات الأجور، ما يؤدي إلى زيادة التضخم، بحسب وكالة «فرانس برس».
وارتفع عدد فرص العمل المتاحة في الولايات المتحدة لمستوى قياسي جديد في شهر مارس الماضي، كما واصلت حالات الاستقالة تسجيل مستويات غير مسبوقة.
وكشفت بيانات وزارة العمل الأميركية، أن عدد فرص العمل المتاحة بلغ 11.54 مليون فرصة في شهر مارس، مقابل 11.34 مليون في شباط (فبراير) السابق له، ومقارنة بتوقعات كانت تشير لتسجيل 11.19 مليون فرصة.
وسجلت عمليات التعيين 6.73 مليون عملية في مارس، مقابل 6.83 مليون في فبراير، بينما زادت عمليات مغادرة العمل إلى 6.32 مليون حالة من 6.08 مليون.
وأوضحت البيانات أن حالات الاستقالة بلغت 4.5 مليون حالة في شهر مارس، وهو مستوى قياسي جديد، بزيادة 152 ألف شخص عن الشهر السابق له.
من جانبه، قال كبير الاقتصاديين بوزارة الخزانة الأميركية، بنجامين هاريس، الاثنين المنصرم، إن من المتوقع أن يواصل الاقتصاد الأميركي النمو هذا العام على الرغم من الانكماش المفاجئ في الربع الأول، مضيفاً أن التضخم ربما يكون في ذروته.
لكن في المقابل، قال نائب رئيس الاحتياطي الفدرالي السابق، راندال كوارلز، إن الاقتصاد الأميركي من المحتمل أن يسقط في حالة ركود، مع قيام البنك برفع الفائدة لوقف تسارع التضخم.
وأشار كوارلز إلى أنه «مع شدة التضخم ودرجة هبوط البطالة، فمن غير المحتمل أن ينجح الاحتياطي الفدرالي في خفض التضخم بدون الإضرار بنمو الاقتصاد، فالنتيجة ستكون حدوث ركود على الأرجح».
Leave a Reply