في كل عهد رئاسي في لبنان صهر يكون له دور يؤديه في النظام السياسي وتركيبته، ويستثنى من ذلك مَن لم يكن متزوجاً كالرئيسين فؤاد شهاب والياس سركيس، حيث كان للمخابرات في الجيش دورهما في السياسة، كما في عهد الرئيس شارل حلو الذي لم يكن له أبناء، في حين كان شقيق الرئيس بشارة الخوري سليم الخوري الملقب بـ«السلطان سليم»، الحاكم الفعلي في عهده، وساهم نجلا الرئيس كميل شمعون، دوري وداني في نسج علاقات لوالدهما، وإن كانا في سن صغيرة، في وقت تقدم نجل الرئيس سليمان فرنجية طوني، المشهد السياسي، ودخل صهره عبدالله الراسي المعترك السياسي وهو الطبيب العامل في السعودية، وحكمت العائلة وحزبها في عهد أمين الجميّل.
الأصهار بعد الطائف
وبعد اتفاق الطائف ووقف الحرب الأهلية وانتخاب الرئيس إلياس الهراوي خلفاً للرئيس رينيه معوض الذي اغتيل بانفجار سيارة في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1990، عيّن صهره فارس بويز وزيراً للخارجية، حتى انتهاء عهده، وكان مسموع الكلمة، إلى جانب زوجة الهراوي منى التي كان لنجلها روي دور غير منظور في عهد والده.
وخلف العماد إميل لحود، الرئيس الهراوي في رئاسة الجمهورية، وعيّن صهره الياس المر وزيراً للداخلية وورث والده ميشال المر في هذا المنصب حيث لعب آل المر دوراً في عهد لحود دون إغفال دور ميشال المر في عهود سابقة، كما تقدم نجل الرئيس لحود إميل، «جونيور» إلى الانتخابات النيابية وحصل على مقعد في المتن الشمالي عام 2000.
ومع الرئيس ميشال سليمان، تقدم دور شقيقه أنطوان سليمان من موقعه كمحافظ للبقاع ثم جبل لبنان بالتكليف، وظهر اسم أولاد الرئيس سليمان من خلف الستارة.
باسيل والدور
وفي عهد الرئيس ميشال عون، يبرز إسم صهره الوزير جبران باسيل، الذي رأّسه عون «التيار الوطني الحر» دون انتخابات، بل فرضه فرضاً، مما أفرغ الديمقراطية من مضمونها في هذا الكيان السياسي الناشئ، الذي تركه عدد لا يستهان به من قياداته المؤسسين ومناضليه الذين وقفوا إلى جانب قائد الجيش العماد عون في أحلك الظروف أثناء وجوده كرئيس حكومة عسكرية في القصر الجمهوري، وبعد طرده منه ونفيه إلى فرنسا ورفض الوجود العسكري والأمني السوري في لبنان، حيث تبيّن «للعونيين» أن زعيمهم الذي انبهروا به وساندوه يريد صهره خليفة له، فوزّره رغم سقوطه في دورتين انتخابيتين في العامين 2005 و2009، وأراد له منصباً وزارياً يدخل منه إلى السياسة، وهذا ما حصل، فلم يقبل تشكيل حكومة منذ العام 2008، لا يكون جبران باسيل فيها، حيث شغل وزارات الاتصالات والطاقة والخارجية والمغتربين، وقدّمه على غيره من رفاقه في «التيار الوطني الحر»، ودفعه إلى أن يكون المفاوض الأول مع الأحزاب والتيارات والقوى والشخصيات السياسية.
رئيس الظل
وقبل انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، كان له الدور القيادي كمؤسس «للحالة العونية» ثم «التيار الوطني الحر»، وكانت الأدوار التي يقوم بها باسيل تحت سقف «الجنرال»، أما وقد أصبح عون رئيساً للجمهورية فإن الرئيس نبيه برّي الذي لم ينتخب عون بل وضع ورقة بيضاء، حذّر من أننا أمام «رئيس جمهورية ظل» في هذا العهد، وقد صدقت توقعاته منذ اليوم الأول لدخول عون القصر الجمهوري، الذي انتقلت عائلته معه ليعملون إلى جانبه، فتمّ تعيين الابنة الكبرى ميراي عون الهاشم مستشارة لرئيس الجمهورية حيث كلمتها مسموعة لدى والدها، وتنافس الصهر باسيل على الدور، حيث تردد أنها كانت لها كلمة في تعيين وزراء في الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري إذ جرى التداول بأسماء الوزراء نقولا تويني ورائد خوري وطارق الخطيب بأنها كانت وراء توزيرهم، مما أثار استياء باسيل، الذي طالب بتعديل وزاري يشمل هؤلاء وغيرهم من تياره، تحت شعار عدم الإنتاجية.
الديناميكية
ولا ينكر مؤيدو باسيل كما خصومه على «ديناميكيته» وسرعة حركته السياسية والدبلوماسية، ومتابعته لكافة الملفات، فهو متابع دقيق، ويقطع مسافات طويلة لتحقيق إنجازات سواء على مستوى تنظيم «التيار الوطني الحر»، أو التواصل مع المغتربين أو ما يسميه الانتشار اللبناني، حيث عقد ثلاثة مؤتمرات تحت اسم الطاقة الاغترابية في لبنان والخارج، كما أنه أمسك بالملفات السياسية اللبنانية الداخلية، فكان أحد أركان التفاهم مع «حزب الله» عام 2006 لفك العزلة السياسية عن «التيار»، التي سعت إليها قوى «14 آذار»، خوفاً من «التسونامي» البرتقالي الذي قاده عون في انتخابات عام 2005.
التفاهم مع «المستقبل» و«القوات»
والتفاهم الذي نسجه «التيار الوطني الحر»، مع «حزب الله» الذي ساند العماد عون في رئاسة الجمهورية، ذهب باسيل إلى إقامته مع «تيار المستقبل» تحت عنوان، عون في قصر بعبدا والحريري في السراي، وعزل قضية سلاح «حزب الله» الذي وقف عون وتياره معه، فكان إنجاز لباسيل أن يصل والد زوجته إلى القصر الجمهوري بعد 27 عاماً، فحقق حلمه، بعد أن سهّل الطريق له بحصول تفاهم آخر مع «القوات اللبنانية» سمي تفاهم معراب الذي ساهم في وصول عون إلى رئاسة الجمهورية.
وعزز التفاهمان، موقع باسيل عند العماد عون الذي بات الأقرب إليه عائلياً وسياسياً، وهو ما خلق تباعداً بين «العديلين» باسيل والعميد شامل روكز الذي فاز بمقعد نيابي في كسروان بأصوات أقل من غيره في اللائحة، حيث يتّهم روكز باسيل بأنه أضعفه، كي يبقى هو الأقوى في «بيت الجنرال عون والقصر الجمهوري».
صانع القرارات
ومع هذه الإنجازات السياسية، بدأ باسيل يتحدث من موقع القوي، بعد أن أوصل الرئيس القوي إلى رئاسة الجمهورية، والممثل الأقوى عند المسيحيين، حيث جاءت نتائج الانتخابات النيابية ليفوز «التيار الحر» بـ19 نائباً مع عشرة نواب حلفاء إنضووا تحت «تكتل لبنان القوي» لدعم العهد، وهو ما عزز دور باسيل كصانع للقرارات في لبنان، باعتباره شريكاً عن المسيحيين في السلطة، ولم يعد النواب المسيحيون يفوزون بأصوات المسلمين، كما أن التعيينات في مؤسسات الدولة هي من حصة المسيحيين, الذي كشف تفاهم معراب أن الطرفين المسيحيين التيار الحر والقوات اللبنانية اتفقاً على تقاسم المقاعد الوزارية مناصفة بعد الاشتراك معاً في الانتخابات النيابية، وكذلك في وظائف الفئة الأولى على أن يدعما عهد العماد عون. لكن تبيّن أن باسيل لا يعترف بأن التفاهم مازال ساري المفعول، لأن القوات انقلبت عليه في الانتخابات، ووقفت ضد العهد، بدعم استقالة الحريري من السعودية، واعتبره جعجع تأخّر فيها، ورأى الرئيس عون أنها موجهة ضد عهده حيث بدأت العلاقة تتوتر بين الخصمين اللدودين على الساحة المسيحية التي انفرج المواطنون فيها مع طي صفحة «حرب الإلغاء» بينهما.
تشكيل الحكومة
والطامة الكبرى هي الاتهام الموجه إلى باسيل من خصومه، بأنه هو مَن يتدخل في تشكيل الحكومة، ويضع «فيتو» على الأحجام، وهو يرى أن «القوات اللبنانية»، لها حصة من أربعة وزراء دون حقيبة سيادية أو منصب نائب رئيس الحكومة، وأن النائب طلال إرسلان له حيثيته ولا يجوز أن يبقى خارج الحكومة، حيث تسبب «الفيتو الباسيلي» المدعوم من رئيس الجمهورية بأزمة مع «القوات اللبنانية» وقد تطيح بتفاهم معراب»، وعدم ثقة مع وليد جنبلاط الذي يخشى من تمدد سياسي مسيحي إلى الجبل وتحديداً الشوف وتعيد مقولة «كميل وكمال» ونزاعهما على القرار السياسي في المنطقة.
فخصوم باسيل أكثر من أصدقائه، وهو يصنعهم لأنه يقدم شعار «حقوق المسيحيين»، فيزعج آخرين، ويسند ظهره إلى عهد يريد رئيسه أن يكون باسيل خليفته.
Leave a Reply