فاطمة الزين هاشم
تزوجنا عن إعجاب وليس عن حب، ولكن مع مرور الوقت أحببته وأحبّني، هذا ما شعرت به في البداية رغم عدم اعترافه لي بذلك، لما يتمتّع به من بخل في العواطف وعدم إلمامه بطرق الملاطفة والمغازلة التي هي ملحُ الحب.
عملنا لسنوات بعيداً عن أهلنا جادّين في بناء مستقبل لنا ولأولادنا، أنجبنا ابنتَين جميلتَين أضاءتا حياتنا، وانصبّ جهدنا على تربيتهما تربية صالحة ومرفّهة. حتى يوم زارتنا أمّه في البلد الذي نقيم ونعمل فيه، فأخذت تطلب منه أن يفسّحها لوحدها بدوني وبدون ابنتينا، تغيّرت معاملته لي وأصبح يناديني أمّ البنات، ويردّد: أنتِ لا تلدين إلا إناثاً.
أخذت أمه تتقلب كالحرباء كل ساعة بلون، فهي تظهر المحبّة من جهة وفي الجانب الآخر تبثّ سمومها في أذن زوجي.
طلبتُ منه ذات يوم أن يشرح لوالدته، كونه متعلّماً، أنّ جنس الطفل هو من مسؤولية الزوج لا الزوجة، وكنت آمل في ذلك أن تغيّر فكرتها وترضخ للحقيقة، لكنه صرخ في وجهي وزجرني وأخذ يلقنني درساً في الأخلاق.
كان دائماً يحاول التقليل من شأني أمامها، فأصبحت الإهانات طبقاً يومياً على مائدة مشاعري، وعندما نكون معاً في مكان ما وبه سيّدات ينتقي أبشعهنّ خلقة ويقول: أتمنى لو كانت هذه زوجتي دون مراعاة لمشاعري كزوجة، فأي نفاق هذا؟
كان يعتقد بأنني سأبقى أسيرة حبه مدى الحياة وأخفض بصري وأتجرع الإهانات، فكان مخطئاً ولم يعرف ما يخبّئه لنا الزمن.
تفنّن في طعن كبريائي وزاد في الجراح المدفونة في داخلي، كان كريماً مع كلّ الناس وخاصة مع أهله وبخيلاً معي ومع ابنتَي، حاولت ذات يوم أن أثنيه عما يفعله، فقلت له: «نحن لسنا صغاراً ولدينا بنتان وعيب علينا أن نفترق بهذا العمر، وستدفع بنتانا الثمن وأنا أحبك» صرخ بوجهي قائلاً: «لا أريدك اخرجي من حياتي»، لملمت كرامتي المهدورة ونزلت إلى الطابق السفلي لأغسل الملابس، وإذا بي أرى قطعاً من ملابسي قد مزّقت بفعل فاعل، وفي إحدى زوايا المنزل وجدت حجاباً مخبوءاً بمكان يصعب رؤيته، وضعته والدته للتفرقة بيننا وهو نوع من سحر التفريق يفعله من لا ضمير له.
كلّف أحد المحامين ليطلقني طلاقاً ودّياً، غدر بي وارتمى بحضن مبتذلة على شاكلته، وبقيت لسنوات أعاني أنا وابنتاي حتى كبرتا وفي قلبيهما الكره والاحتقار لهذا الوحش البشري عديم الضمير.
كرهت هذا الأناني المنحرف الذي حاول أن يجعلني مجنونة، كان دائماً يسعى إلى إقلاقي ليتخلص مني ويلهث وراء ملذاته، لذلك أكرهه وأتمنى له الأذى ليتذوق طعم العذاب الذي أذاقني إيّاه، لا سيما وهو منافق يظهر أمام الناس بصفة الحمل الوديع، لم أجد الأمان والاستقرار العاطفي معه، بل إن غموضه كان يخيفني ويشعرني دائماً بالخيانة والغدر.
عاوده مرض عضال بعد سنوات، ظهرت عليه علامات الانكسار والهزيمة رغم عدم اعترافه بذلك، وحاول التودّد لي ولابنتيَّ، ليس بدافع الندم لأن أمثاله لا يشعرون بالندم، ولأن الأنانية طاغية على قلوبهم وعقولهم، فأنا لم أعد تلك الغبية والحمقاء التي كان يظنها عندما كان شاباً وتركني مفضلاً عليّ واحدة لا أرتضيها حتى خادمة في بيتي، وبعد أن أصابه المرض تخلّت عنه وطردته من حياتها، لن أفتح له قلبي ثانية.. ولكي تحقد على أحد فلا بدّ أنّك كنت تحبّه حبّا جمّا.
أمّا بالنسبة لحياتي فما زلت شابة وآمل أن أزوّج ابنتيَّ وألتقي برجل يقدّرني ويعوضني عن ذلك الحرمان ويمسح عن جبيني غبار البؤس والمهانة.
أسردُ هذه القصة على لسان صاحبتها دون زيادة أو نقصان وكما حكتها لي، وهي التعبير الأصدق على وقع الخيانة في نفس المظلوم.
Leave a Reply