رغم أنها أكبر مهد للإسلام ومصدر للنفط في العالم، لا يبدو أن للسعودية نفوذاً يتكافأ مع هذه الخواص في الشرق الأوسط، حيث يلقى “حزب الله” وحركة “حماس” شعبية أكبر من أي حكومة عربية، وحيث لا تتعدى مطامح الرياض بمصالحة العالم العربي المنقسم أو معادلة النفوذ الإقليمي غير العربي، الإيراني والتركي، إطار الرغبات.
“يكمن التحدي السعودي”، برأي الباحث في “مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية” عوض البادي، “في تطوير رؤية لملء الفراغ (العربي) في المنطقة، والتحلي بسياسة خارجية ناشطة وذات مبادئ، وتأدية دور أكبر” في القضايا الإقليمية. أما الآن، يضيف “فنحن دولة تكتفي بالتعامل مع الأمر الواقع… ولا تتحرك عادة سوى في إطار ردة الفعل، رغم بعض المبادرات كدعوة الملك عبد الله الأخيرة للمصالحة والوحدة العربية”.
خلال العقد الحالي، تجسّد “أهم” تحرك سعودي في دعم مبادرة سلام عربية أطلقت في العام ٢٠٠٢، وأعيد إطلاقها في العام ٢٠٠٧. لكن هذه المبادرة رُفضت وهُمّشت من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، ما أثار استياء الرياض، ودفع الملك السعودي ليعلن، خلال القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في كانون الثاني الماضي، بأن المبادرة لن تبقى متاحة إلى الأبد. وبتعبير أوضح، كتب رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية يقول، في كانون الثاني الماضي أيضاً، بأن إسرائيل اقتربت من “قتل احتمال السلام” بما ارتكبته في غزة، حيث قضى ١٣٠٠ فلسطيني في عدوان وحشي استمرّ لأسابيع.
“بدا أن السعودية تسعى، في عرضها خطة عربية للسلام لمرتين، إلى دور أكبر وأكثر استقلالية” في القضايا العربية، يقول خبير الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في الشارقة نيل بارتريك، “فيما ترفض بشكل قاطع أي تواصل مباشر مع إسرائيل”. لكن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة “صعّب” المهمة على السعودية، يضيف، حيث ثارت حفيظة مواطنيها مثل جميع العرب لصالح حركة “حماس”، “المقاتلين الإسلاميين الذين على المملكة أن تتنافس معهم” على شعبية السعوديين والعرب.
“طالما سيستمرّ النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، ستزداد المنطقة نزوعاً إلى الراديكالية”، يؤكد الباحث السعودي البادي. ومع انضمام قطر إلى إيران وسوريا وحركة “حماس” و”حزب الله”، في نبذ المبادرة العربية للسلام المدعومة من السعودية، فلا يبدو أن ثمة دولة عربية قادرة حالياً على تولي الدور القيادي الذي كان من نصيب مصر في أوجّ المدّ القومي العربي، يقول بارتريك، “فالمنطقة منقسمة، ولا وجود لعملية أساسية لسلام عربي ـ إسرائيلي، ولا أي تقدم واضح في العراق”، الذي تعتقد السعودية “بأنه انتقل إلى المدار الإيراني”.
لقد فشلت الدبلوماسية السعودية في مصالحة الفصائل الفلسطينية حين جمعتها لتوقيع تفاهم في مكة في شباط ٢٠٠٧، قبل أربعة أشهر فقط من اندلاع أعنف مواجهات بين “حماس” و”فتح” في قطاع غزة. وانكفأت الرياض بعدها عن اتخاذ أي خطوة في التوسط بين الفلسطينيين، المهمة التي انتقلت إلى مصر وقطر تركيا. بل إن الأخيرة تولت التوسط بين سوريا وإسرائيل، فيما توسطت قطر لحلّ نزاعات داخلية في لبنان واليمن والسودان.
من جهة أخرى، لا تزال السعودية تحاول فصل علاقتها النفطية الصلبة مع الولايات المتحدة عن النزاع العربي-الإسرائيلي، وعن تداعيات هجمات “١١ أيلول” التي نفذها تنظيم “القاعدة” السعودي الجذور، وعن التحديات التي تتعرض لها من المعسكر الإيراني، وهو ما وضع المملكة في موقف ضعيف على الصعيد السياسي الإقليمي.
كتب الأمير تركي الفيصل في مقالته أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد اعترف بزعامة السعودية على العالمين الإسلامي والعربي، حين حثّها مؤخراً على إعلان “الجهاد” ضد إسرائيل. “حتى الآن” يضيف، “قاومت المملكة تلك الدعوات” ولجمتها، “لكنه كبحٌ يزداد الحفاظ عليه صعوبة، كل يوم”.
(رويترز)
Leave a Reply