قد يغتبط بعض الأفرقاء السياسيين من كلام النائب وليد جنبلاط عن المسيحيين في لبنان وعن دورهم الذي أسدلت الولايات المتحدة الأميركية الستار عليه من خلال إبعادهم عن دائرة القرار السياسي وعن القضايا الأساسية والمصيرية في المنطقة. وبحسب ما يعتقد الزعيم الدرزي، فإن تحالفاً إسلامياً ثلاثياً يضمه إلى الشيخ والسيد هو كفيل بحماية لبنان من المشروع الأميركي – الإسرائيلي الذي يسعى لفصل لبنان عن القضية الفلسطينية وعن الصراع مع إسرائيل، أما المسيحيون فيبقون حيث هم في تحالفاتهم السياسية: الجنرال يدعم السيد، و”الحكيم” يدعم الشيخ، بينما يتحول وليد جنبلاط إلى همزة وصل بين الاثنين ويستعيد دوره المفقود في 14 آذار كمحرك وقائد ولكن بحلة جديدة وفي إطار مغاير ضمن رعاية سورية – سعودية.
ربما هذا استشعار مبكر من الرجل لمرحلة قادمة يراها شاخصة في الأفق السياسي القريب، وربما هي محاولة لخلق أجواء ملائمة تدفع باتجاه رأب الصدع بين الظهيرين الإسلاميين على أعتاب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المزمعة، وربما رغبة في التخلص من وزر التحالف مع “انعزاليي” 14 آذار من المسحيين. وفي كل الحالات فإن ذلك يعني أمراً واحداً أراد وليد جنبلاط إيصاله إلى المسحيين: “لا عهد لكم بصناعة السياسة بعد اليوم”.
ما قاله وليد جنبلاط التقطه الجنرال عون قبل أربع سنوات في آخر زياراته للولايات المتحدة الأميركية عندما التقى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد والش الذي حضه على قطع علاقاته بحزب الله والالتحاق بقوى 14 آذار بقيادة “الشيخ” سعد. عاد الجنرال إلى بيروت وما هي إلا أسابيع قليلة حتى أتى الرد صاعقاً ومزلزلا.
6 شباط 2006 توقيع ورقة التفاهم بين الحزب والتيار والتي أدت إلى ضرب مخطط 14 آذار لإسقاط رئيس الجمهورية وتطويق سلاح المقاومة سياسيا والقبض على القرار اللبناني. وليس معنى ذلك أن ورقة التفاهم كانت مجرد رد فعل غير مدروس من الجنرال بقدر ما كانت إنعكاس لمخاوف وهواجس لدى عون على الدور والوجود المسيحيين في لبنان.
بنتيجة ما أرساه عون من تحالف استراتيجي وطيد مع حزب الله فإن المتضررين من كلام النائب جنبلاط هم مسيحيو 14 آذار، ومن ضمنهم المتضرر الأول سمير جعجع، المدافع الأول عن كلام جنبلاط والساعي دوماً إلى تبريره وتقديم تفاسير وفذلكات تؤدي إلى القول: “بالقوة حليفنا”، بالرغم من أن جعجع هو المعني والمقصود الأول بكلام جنبلاط!.
واللافت أن كلام جنبلاط هذا يأتي وسط أجواء تفاؤلية بينه و بين عون في ظل معلومات تشير إلى قرب التقاء الرجلين، فماذا يريد “وليد بك” هذه المرة!
ماذا يريد أن يقول وإلى ماذا يرمي سيد المختارة؟ هل يريد عزل سمير جعجع “الانعزالي” سياسيا؟ أم يريد تشكيل قوة دفع داخلية تلاقي المناخ الإقليمي العام؟ أم يريد خطب ود حزب الله ومن خلفه سوريا؟
يصعب التوقع مع رجل مثل وليد جنبلاط، ولكن ما يدور في خلده وما قاله ليسا سوى البداية في رحلة الألف ميل بعد أن أرجع عداداته إلى الصفر.
فهل يجيد الزعيم الدرزي “الرقص” على الحلبة السياسية كما يجيد الرقص في المرابع الليلية؟ وهل يحسن تأدية وصلته السياسية دون عثرات كالتي حصلت في 5 أيار؟
Leave a Reply