بمناسبة يوم المعلم الذي صادف الاسبوع الماضي، أوجه تحية إحترام ومحبة لكل المعلمين -الأساتذة- الذين علمونا الأدب قبل قواعد اللغة والحساب، علمونا أن الشهادات لا تصنع الإنسان، وأن الأخلاق والإجتهاد والعصامية والمثابرة و«المقارعة» في مدرسة الحياة تجعل الكثيرين يتفوقون على حاملي الشهادات العلمية الكبيرة.
تأكد لي ذلك عندما درست التاريخ الأميركي وفيه أشهر رئيسين في الولايات المتحدة وهما جورج واشنطن وابراهام «لينكن» -على قول مدرسة اللغة الإنكليزية بألا ننطق اسمه «لينكولن»: اللام قبل النون الأخيرة تكتب في الكلمة ولا تنطق»- لم يكونا يحملان حتى دبلوم من كلية، بينما كان جورج بوش -ربما أسوأ رئيس على الإطلاق- يحمل شهادة من أشهر جامعتين في العالم «هارفرد» و«ييل»، وخلال سنواته الثماني في البيت الأبيض، أثبت بوش أن الإنسان المتعلم قد يرتد إلى الأمية لأنه قاصرُ الفكر وقصير النظر، فـ«القلم لا يزيل البلم»، والبلم هو الهبل والحماقة.
لا أريد ذكر أسماء أولئك الأساتذة الكبار الذين كانوا يقدمون مصلحة الطلاب على اللوائح. رغم قسوتهم أحياناً في العقاب لكن برأيي تلك كانت الطريقة الوحيدة المتوفرة لوقاية الأولاد عن طريق الجنوح و«المشي البطال» وعدم الإنضباط، حيث كانت تتم معاقبة الطلاب جسدياً بسبب سلوكهم الشائن لا بسبب الضعف الأكاديمي أو السقوط في إختبار ما.
أحد هؤلاء العظام، الأستاذ جعفر الأمين، الذي كان يهابه أولياء الأمور أكثر من الطلاب، فقد عرف من أحد الطلاب أن والده ضربه بـ«قضيب رمان»، ونعته بالـ«حيوان» وذلك بعد أن سأله عن سبب الكدمات التي تملأ وجهه.
حينها هدد المدير والد التلميذ بأنه إذا عاقب إبنه مرة أخرى لسوف يأتي بيته ويضربه بنفسه.
هذه المراقبة وهذه الشدة أنشأت جيلاً صلباً وواعياً قادراً على تحمل الصدمات على عكس الجيل «المنطلق والحر» الذي تفقسه المدارس هذه الأيام والتي تجعل من التلميذ آمراً وناهياً على أمه وأبيه ومعلميه، مما أدى إلى إنعدام التوازن التربوي والأخلاقي وبالتالي التعليمي، مما تبلور تراجعاً في أخلاقيات الطلاب حتى صرنا نسمع عن طالب في المرحلة الإبتدائية ضرب المدرس بالحذاء.. وطلاب يحطمون سيارة معلمهم.. وطالبة تشتم معلمتها.. وآخرين يبلطجون عبر «الفيسبوك» و«تويتر» ويستهزئون بالجميع وفي مقدمتهم «المعلم».
لكن مهلاً. من قال إن المعلم بريء. بل يلام النظام التعليمي لإيوائه مدرسين لا علاقة لهم بشرف المهنة التي لا تقبل «خيانة الأمانة». فالطلاب مستقبلهم مرهون بما يغرس في عقولهم، ولا حرج عليهم إن رأوا أن «قدوتهم» متسيّب لأقصى الحدود ولا يراعي أصول مهنته ولا أخلاقياتها. للأسف نسمع عن مدرسين يتحرشون جنسياً بتلاميذهم، ومعلمة ترمي بطالب مشاغب من نافذة المدرسة، هذا عدا عن تعاطي المخدرات والقصص العجيبة الغريبة التي نسمع عنها من وقت الى آخر.
تحية لجميع المعلمين الملتزمين برسالتهم النبيلة مهما كانت التضحيات والصعاب… ومن هؤلاء الشاعر الأستاذ مصطفى فضل الله الذي اتصل بي لتصحيح عنوان مقالي السابق «أشقى عمل»، وفسّر لي -بكل ذوق ولطف- أن الصحيح هو «أشق عمل». فألف شكر له.. ولكل من علمني حرفاً.
Leave a Reply