“سمعت إنه قيل فلتحب قريبك ولتبغض عدوك. أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا الى مبغضيكم. وصلّوا من أجل الذين يسيئون اليكم ويضطهدونكم”.
هذا ما سعى إليه السيد المسيح لإفهام قومه، بأن الإنسان لا يصير إنسانا إلا إذا انخلع من ذاته وأحب الآخرين، فكلما ازداد القلب الانساني اقترابا من الآخرين كلما ازداد اقترابا من إنسانيته.
إن كثيرا من وحوش الغاب والدواب تحب وتقاتل من أجل طعامها وشرابها، وتطعم أبناءها وتدخر لهم. والفرق بين الانسان والحيوان هو الفارق في درجة الحب. لا يستطيع الحيوان أن يتجاوز ذاته وأن ينكرها للوصول الى محبة الآخرين. والانسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع ذلك، وفي ذلك يكمن مجده وإنسانيته.
لقد حاول السيد المسيح وجاهد لرد بني قومه من اليهود، الى المحبة، بعد أن حادوا وبعدوا عن تطبيق شريعة النبي موسى، وصار مبدأهم: من ضربك على خدك الأيمن اضربه على خديه الأيمن والأيسر. واذا كنت غير قادر على ضربها إملأ قلبك بالحقد والكراهية، طالما أنك لم تستطع أن تدمر بيته وروحه.
كانت الكراهية، هي ما انتهت اليه قلوب قوم موسى الذي كان نبيا ممتلئاً قلبه بالحب الإلهي، لكن أصحاب القلوب الميتة من “أتباعه” زرعوا شريعة موسى في أرض البغضاء والجبروت حتى أعماهم الظلم والطغيان عن اتباع الشريعة الموسوية التي كانت تنص على القصاص بالمثل. حيث العين بالعين، والسن بالسن.
ولكن، كيف تصرف السيد المسيح ازاء هذا كله ليعيد التوراة كما أنزلها الله سبحانه وتعالى على موسى، كيف تصرف ليرد هؤلاء القوم الى جوهر الشريعة الاصيل، وادراك حكمتها النورانية البهية؟
حاول ردهم الى الحب. لم يقل السيد المسيح لمن ضُرِب على خده الأيمن شيئا ولم يطالب المضروب برد الضربة بالمثل، وعلى نفس الخد.. بل قدم المسيح خده الأيسر للجاني. هذه هي شريعة عيسى المتسامحة. قد لا تختلف شيئا عن شريعة موسى وشرائع الأنبياء جميعهم، فتلك الشرائع عبارة عن حلقات في سلسلة واحدة مبادئها الحق والعدالة وتوحيد الله الواحد الأحد، وتخليص النفس البشرية من الكراهية والعظمة، والايمان بقيامة الأموات والايمان باليوم الآخر الذي يقدم فيه البشر حساباً لما يفعلونه في حياتهم.
على ما يبدو، استجاب الله سبحانه وتعالى لدعاء السيد المسيح بأن يغفر لقومه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، وبعد كل هذه السنين والقرون لايزال الكثيرون منهم لا يعلمون ماذا يفعلون، لأن محبة المسيح لم ولن تدخل قلوبهم.
Leave a Reply