«لن أكره»، رواية تسيل دمعاً ودماً كتبها بالإنكليزية الدكتور عز الدين أبو العيش، وتمت ترجمتها للعربية. الرواية تقدم فظاظة ووحشية سلطات الإحتلال الإسرائيلي، من حصار وتجويع وعزل ومنع وصول المؤن الغذائية والإمدادات الطبية وتحويل واقع مليون ونصف فلسطيني إلى جحيم حياتي في قطاع غزة، بعد طردهم من ديارهم واغتصاب مساكنهم وأراضيهم وممتلكاتهم.
ورغم طفولة الدكتور أبو العيش البائسة، وفقر عائلته الشديد، والظروف الصعبة التي عاناها في مخيم جباليا كمولود، لاجئ، لعائلة فلسطينية هجرت قسراً من بلدتها الفلسطينية، نجح أبوالعيش بنيل شهادة الدكتوراه في أمراض النساء والعقم من جامعات القاهرة وهارفرد.
وبعد عمله لسنوات عديدة في مستشفيات السعودية وإيطاليا، اَثر العودة والعيش بين أهله في القطاع المحاصر ليساهم في تخفيف معاناة وآلام شعبه إلى جانب عمله الأساسي في مستشفيات مرموقة داخل فلسطين المحتلة، متحملاً مرارة التنقل عبر المعابر والحواجز الإسرائيلية، ورؤية الفرق الهائل بين سكان «إسرائيل» الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم الى دولة تضمن لهم حق العيش في رفاه وبحبوحة، وبين اللاجئين الفلسطينيين المهمشين والمحرومين من أبسط الحقوق على ما تبقى من أرضهم، المقتسمة بين «السلطة» في الضفة الغربية و«حماس» في قطاع غزة.
لم تترك معاناة الدكتور أبو العيش في قلبه غلاً وحقداً وكرهاً لأحد، بل على العكس علمته التجربة، بأن المظلوم إذا تحمل تعذيب الظالم له دون أن ينكسر، فإنه لا بد سينتصر في النهاية، وأن «الجهاد المدني» هو أفضل طريق يمكن أن يسلكه شعب ولد في عذاب وعاش فيه، حتى أصبح طريقة ومنهجاً في الحياة، في ظل قوى إحتلال جبارة تملك قوة السلاح والإعلام المضلل.
لكن في الواقع، وبالرغم من كل التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي، فإنه يشعر بالرعب الهستيري من صواريخ بدائية تطلقها المقاومة الفلسطينية. ولا ننسى كيف فقد الإحتلال صوابه بعد خطف «حماس» لجندي إسرائيلي، وقام بعدوان غاشم فاشل على قطاع غزة قبل أن يشدد الحصار على أهله البؤساء كعقاب جماعي لهم، يمنع عنهم الماء والكهرباء والمواد التموينية والطبية دون أن ننسى تخاذل دول الأعاريب.
أطلق الإحتلال على عدوانه حينها (أواخر ٢٠٠٨) اسم عملية «الرصاص المسكوب». وفي أيام كانون القارسة، ضحى الفلسطينيون في تلك الأيام بأكثر من ١٣٠٠ شهيد كان حصة الدكتور أبو العيش منهم ثلاث من بناته وابنة أخيه.
تحمُّل العذاب أصعب كثيراً من الكتابة عنه.
ورغم كل ما تعرض له وعانى منه وقمة مأساته، تمنى الدكتور أبو العيش أن يكن بناته وإبنة أخيه الضحيات الأخيرات على طريق السلام بين الفلسطينين والإسرائيلين، داعياً لنبذ العنف وعدم السعي المتواصل للثأر والإستسلام للكراهية ومشجعاً لأسلوب الحوار بين الشعبين لتخفيف المرارة بينهم للوصول إلى سلام وعدالة للجميع.
«لن أكره» قالها النبي يوسف لأخوته، ولم يقبلوه بل رموه في غيابات الجب. قد تُسامح الضحية جلادها ولا تكرهه، لكن هل الجلاد لديه الإستعداد لأن لا يكره؟؟
من الصعب جداً المساواة بين الظالم والمظلوم.. ولكنني أنصحكم بقراءة الكتاب «لن أكره» الموجود في مكتبة هنري فورد العامة في ديربورن.
Leave a Reply